الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل العلم؛ لخلاف الحنفية، وبعض الشافعية في المسألة.
[12/ 4] المسألة الثانية عشرة: عدم تضمين أهل الردة لقتلى المسلمين
.
• المراد بالمسألة: لو ارتدت جماعة لها منعة، وقاتلوا على ردتهم، ثم تابوا وأرادوا الرجوع للإسلام؛ فإن ما أتلفوه على المسلمين من الأنفس حال الحرب لا يضمنونه.
ويتبين مما سبق أن المرتد لو كان فردًا، أو جماعة لا منعة لهم، أو كان ما أتلفوه من غير الأنفس كالأموال ونحوها، أو في غير الحرب، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: المسألة حكاها ابن تيمية (728 هـ) محل اتفاق بين الصحابة رضوان اللَّه عليهم فقال: "فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وسائر الصحابة لما ظهروا على أهل الردة وجاؤوا إليه، قال لهم الصديق: اختاروا إما الحرب المجلية وإما السلم المخزية، قالوا: يا خليفة رسول اللَّه، هذه الحرب المجلية قد عرفناها، فما السلم المخزية، قال: "تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم، وتشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، ونقسم ما أصبنا من أموالكم، وتردون ما أصبتم من أموالنا، وتنزع منكم الحلقة والسلاح، وتمنعون من ركوب الخيل، وتتركون تتبعون أذناب الإبل، حتى يرى اللَّه خليفة رسوله والمؤمنين أمرًا بعد ردتكم".
فوافقه الصحابة على ذلك إلا في تضمين قتلى المسلمين، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال له: هؤلاء قتلوا في سبيل اللَّه فأجورهم على اللَّه، -يعني هم شهداء فلا دية لهم- فاتفقوا على قول عمر في ذلك.
وهذا الذي اتفق الصحابة عليه هو مذهب أئمة العلماء" (1).
وقال ابن المرتضى (840 هـ): "رجع أبو بكر عن تضمين أهل الردة لقتلى
(1) مجموع الفتاوى (35/ 158)، وانظر أيضًا:(8/ 334).
المسلمين، وأجمعت عليه الصحابة" (1).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
فعل الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم: حيث فعله أبي بكر رضي الله عنه، ووافقه عليه الصحابة.
والأثر أخرجه البيهقي وابن أبي شيبة ولفظه: "عن طارق بن شهاب قال: جاء وفد بزاخة أسد وغطفان إلى أبي بكر رضي الله عنه يسألونه الصلح، فخيرهم أبو بكر رضي الله عنه بين الحرب المجلية أو السلم المخزية، فقالوا: هذا الحرب المجلية قد عرفنا، فما السلم المخزية، قال أبو بكر رضي الله عنه: تؤدون الحلقة والكراع، وتتركون أقوامًا تتبعون أذناب الإبل، حتى يري اللَّه خليفة نبيه والمسلمين أمرًا يعذرونكم به، وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم، وقتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، وتردون ما أصبتم منا، ونغتم ما أصبنا منكم فقال عمر رضي الله عنه: قد رأيت رأيا وسنشير عليك، أما أن يؤدوا الحلقة والكراع فنعما رأيت، وأما أن يُتركوا قومًا يتبعون أذناب الإبل حتى يُري اللَّه خليفة نبيه والمسلمين أمرا يعذرونهم به فنعما رأيت، وأما أن نغنم ما أصبنا منهم ويردون ما أصابوا منا فنعما رأيت، وأما أن قتلاهم في النار وقتلانا في الجنة فنعما رأيت، وأما أن يدوا قتلانا فلا، قتلانا قتلوا على أمر اللَّه، فلا ديات لهم، فتتابع الناس على ذلك"(2).
2 -
أن طليحة الأسدي (3) قتل عكاشة بن محصن الأسدي
(1) البحر الزخار (6/ 427).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7/ 595)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 183).
(3)
هو طليحة بن خويلد الأسدي الفقعسي، كان ممن شهد مع الأحزاب الخندق، ثم قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سنة تسع، ثم ارتد وادعى النبوة في عهد أبي بكر رضي الله عنه بأرض نجد، وكانت له وقائع مع المسلمين، ثم خذله اللَّه فهرب حتى لحق بدمشق، ثم أسلم وحسن إسلامه، وقدم مكة حاجًا، ثم خرج إلى الشام مجاهدًا، وشهد اليرموك وبعض حروب الفرس، قال ابن سعد: =
-رضي الله عنه (1)، وثابت بن أقرم رضي الله عنه (2)، فلم يغرَمْهما (3).
3 -
أن بني حنيفة (4) قتلوا من قتلوا من المسلمين يوم اليمامة (5)، فلم
= "كان يعد بألف فارس لشدته وشجاعته وبصره في الحرب"، واستشهد بنهاوند سنة (21) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 1/ 317، البداية والنهاية 17/ 118، الإصابة 3/ 452.
(1)
هو أبو محصن، عكاشة بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة الأسدي حليف لبني أمية، كان من فضلاء الصحابة، شهد بدرًا وأبلى فيها بلاءً حسنًا، وانكسر سيفه فأعطاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عرجونًا أو عودًا فصار بيده سيفًا يومئذ، شهد أحدًا والخندق وسائر المشاهد مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، توفي في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم بزاخة، قتله طليحة الأسدي يوم قتل ثابت بن أقرم في الردة. انظر: سير أعلام النبلاء 1/ 307، البداية والنهاية 7/ 118، الإصابة 4/ 534.
(2)
هو ثابت بن أقرم بن ثعلبة بن عدي بن العجلان البلوي ثم الأنصاري، حليف لهم، شهد بدرًا والمشاهد كلها، ثم شهد غزوة مؤتة فدفعت الراية إليه بعد مقتل عبد اللَّه بن رواحة فدفعها ثابت إلى خالد بن الوليد وقال:"أنت أعلم بالقتال مني"، قتله طليحة الأسدي سنة إحدى عشرة في الردة. انظر: الاستيعاب 1/ 199، سير أعلام النبلاء 1/ 307، الإصابة 1/ 383.
(3)
انظر: أحكام أهل الذمة (2/ 861).
(4)
بني حنيفة هم قوم كان منزلهم في دار بنت الحارث امرأة من الأنصار من بني النجار، واسم حنيفة أثال بن لجيم -ولجيم تصغير اللحم وهي دويبة- بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، وسمي حنيفة لحنف كان في رجليه، وقيل بل حنيفة أمهم، وهي بنت كاهل بن أسد، عُرِفوا بها، وهم أهل اليمامة، وقد وفَد بنو حنيفة إلى النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع للهجرة، وكانوا سبعة عشرة رجلًا، معهم مسيلمة الكذاب، قدموا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لإعلان إسلامهم، ثم لما رجعوا وبلغوا اليمامة، ارتد مسيلمة وادعى النبوة، وصدقه عامة قومه في ذلك فارتدوا، واستمروا على الردة حتى قاتلهم أبو بكر رضي الله عنه في وقعة اليمامة. انظر: الروض الأنف للسهيلي (4/ 59).
(5)
اليمامة هي ناحية بين الحجاز واليمن، كانت تسمى جوًا، وتُسمى تُبَّع اليمامة، وإليها ينسب مسيلمة الكذاب، الذي ادعى النبوة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة من الهجرة، فكان ممن آمن بنو حنيفة، وقد أرسل أبو بكر جيشًا بقيادة خالد بن الوليد لحرب مسيلمة، وكوَّن مسيلمة جيشًا من بني حنيفة، والتقى الجيشان باليمامة، ووقعت حرب شديدة قُتل فيها من المسلمين قرابة خمسمائة رجلّ، خمسون منهم من حملة القرآن، حتى انتهت بنصر المسلمين، وقُتل مسيلمة في تلك المعركة سنة (12 هـ). انظر: معجم البلدان (5/ 442)، البداية والنهاية (9/ 465)، الروض المعطار في خبر الأقطار (621).