الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقطعه، فقال صفوان: أتقطعه؟ قال: (فهلا قبل أن تأتيني به تركته)(1).
وفي رواية لابن ماجة بلفظ: "فقال صفوان: يا رسول اللَّه لم أرد، هذا ردائي عليه صدقة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(فهلا قبل أن تأتيني به)(2).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار في الحديث إلى أن العفو إن كان قبل بلوغ الأمر إليه لكان تجاوز صفوان مقبولًا في الشرع، أما بعد الرفع فإن الحد قد وجب ولا يسقطه العفو (3).
2 -
من النظر: علل الفقهاء لعدم القطع بأن المطالبة شرط للحكم بالقطع، فإذا تملكه إلى سارق قبل القضاء امتنعت المطالبة (4).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[87/ 1] المسألة السابعة والثمانون: من أقر على نفسه بسرقة ثم رجع عن إقراره سقط الحد
.
• المراد بالمسألة: لو أقر شخص على نفسه بسرقة ما يوجب القطع، ثم رجع عن إقراره وأكذب نفسه، قبل البدء بإقامة الحد، فإنه يسقط عنه الحد، ولا يقام.
ويتحصل مما سبق أنه الحد لو ثبت بالبينة، فمسألة أخرى، وكذا لو شرع في إقامة الحد ثم بدأ بالرجوع، فمسألة أخرى ليست مرادة في الباب، وكذا يتبين أن المسألة هي في إقامة الحد، لا في الضمان؛ لأن ضمان ما أقر به ثم تراجع عنه محل خلاف، وليست هي مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال الطحاوي (322 هـ): "قد رأيناهم جميعًا لما رووا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في المقر بالزنا لمَّا هرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا خليتم سبيله)
(1) أحمد (24/ 15)، النسائي (رقم: 4884) واللفظ له.
(2)
ابن ماجه (رقم: 2595).
(3)
انظر: التمهيد (11/ 223).
(4)
المغني (9/ 112).
فكان ذلك عندهم على أن رجوعه مقبول، واستعملوا ذلك في سائر حدود اللَّه عز وجل، فجعلوا من أقر بها ثم رجع، قُبل رجوعه، ولم يخصُّوا الزنا بذلك دون سائر حدود اللَّه" (1). وقال ابن الهمام (861 هـ):"ذا أقر بالسرقة ثم رجع فقال لم أسرق بل هو ملكي فإنه لا يقطع بالإجماع"(2).
وقال ابن يونس الشلبي (947 هـ): "إذا أقر بالسرقة ثم رجع فقال لم أسرق بل هو ملكي فإنه لا يقطع بالإجماع. . . فإن المقر إذا رجع صح، أي إجماعًا"(3).
وقال دامان (1078 هـ) في باب السرقة: "صحة الرجوع بعد الإقرار: إجماعًا"(4).
• مستند الإجماع: استدل لهذه المسألة بأدلة منها:
1 -
عن أبي أمية -رجل من الأنصار- أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتي بلص اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(ما إخالك سرقت) قال: بلى، قال:(اذهبوا به فاقطعوه، ثم جيئوا به، فقطعوه)، ثم جاءوا به، فقال له:(قل: أستغفر اللَّه وأتوب إليه) فقال: أستغفر اللَّه وأتوب إليه، قال:(اللهم تب عليه)(5).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض له ليرجع، ولو لم يسقط الحد برجوعه لم يكن في ذلك فائدة.
2 -
من النظر: أن رجوعه عن الإقرار يورث شبهة في إقامة الحد، وقد تقرر عند عامة أهل العلم أن الحدود تدرأ بالشبهات (6).
(1) شرح معاني الآثار (3/ 169).
(2)
انظر: فتح القدير (5/ 408).
(3)
حاشية على تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 230).
(4)
انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 626).
(5)
أخرجه أحمد (37/ 184)، وأبو داود (رقم: 4877)، والنسائي (رقم: 4877)، وابن ماجة (رقم: 2597).
(6)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 161)، المغني (9/ 119)، ونقل ابن المنذر الإجماع على درأ الحدود بالشبهات في كتابه الإجماع (113).
3 -
من القياس: وهو على نوعين: قياس على أثر، وقياس على نظر:
أ - أما القياس على الأثر فما ورد في قصة ماعز حين أقر بالزنا، وأقيم عليه الحد، فلما وجد مس الحجارة، فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل، فضربه به، وضربه الناس، حتى مات، فذكروا ذلك لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنه فر حين وجد مس الحجارة، ومس الموت، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب اللَّه عليه)(1).
• وجه الدلالة: دل الحديث على أن ماعزًا لو رجع عن إقراره سقط عنه الحد، وهذا في الزنا، فيقاس عليه الحد في السرقة.
ب - وأما القياس على النظر فقال ابن عبد البر: "وقد أجمع العلماء على أن الحد إذا وجب بالشهادة وأقيم بعضه ثم رجع الشهود قبل أن يقام الحد أو قبل أن يتم أنه لا يقام عليه، ولا يتم ما بقي منه بعد رجوع الشهود، فكذلك الإقرار والرجوع"(2).
ولمجموع هذه الأدلة ذهب الأئمة الأربعة إلى أن من رجع عن إقراره قبل منه رجوعه وسقط عنه الحد (3).
• المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا يقبل رجوع من أقر على، نفسه بالسرقة، ونسبه ابن حزم إلى الحسن، وسعيد بن
(1) أخرجه أحمد (24/ 322)، والترمذي (رقم: 1428)، وأبو داود (رقم: 4419)، وابن ماجة، كتاب: الحدود، باب:(رقم: 2554)، قال الحاكم:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي:"حديث حسن"، وقال ابن حجر في التلخيص (4/ 107): ) "إسناده حسن"، وصححه الألباني كما في "الإرواء"(7/ 354)، وأصله في الصحيحين.
(2)
الاستذكار (7/ 503).
(3)
"بدائع الصنائع"(7/ 233)، المدونة (4/ 552)، الأم (7/ 159)، المغني (9/ 119 - 120).
جبير (1)، وابن أبي ليلى (2)(3)، وهو قول في مذهب الشافعي (4)، وقول في مذهب أحمد (5).
وروي عن مالك أنه إن ظهر منه ما يشبه البينة، كظهور بعض المتاع، وهو من أهل التهم فلا يقبل رجوعه.
وفي رواية أخرى عن مالك أنه إن اعترف بالسرقة من غير محنة ولا ترويع لم يقبل رجوعه عن إقراره (6).
وإلى عدم سقوط الحد بالرجوع عن الإقرار بالسرقة ذهب الظاهرية أيضًا، كما قال ابن حزم: "من أقر لآخر، أو للَّه تعالى بحق في مال، أو دم، أو بشرة، وكان المقر عاقلًا بالغًا غير مكره، وأقر إقرارًا تامًا، ولم يصله بما يفسده، فقد لزمه، ولا رجوع له بعد ذلك، فإن رجع لم ينتفع برجوعه، وقد لزمه ما أقر به على نفسه من دم، أو حد، أو مال.
(1) هو أبو عبد اللَّه، سعيد بن جبير بن هشام الأصدي، بالولاء، الكوفي، الفقيه المقريء، من كبار أئمة التابعين ومتقدميهم في التفسير، والحديث، والفقه، والعبادة، والورع، كان يقال له جهبذ العلماء، ولد سنة (46) هـ، قتله الحجاج بواسط صبرًا وظلمًا في شعبان سنة (95) هـ. انظر: الكاشف 1/ 356، الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة للكلاباذي 1/ 282، وفيات الأعيان 2/ 371.
(2)
هو أبو عيسى، عبد الرحمن بن أبي ليلى، الأنصاري، الأوسي، المدني، تابعي كبير، ولد لست بقين من خلافة عمر، قال عبد الملك بن عمير:"أدركت ابن أبي ليلى في حلقة فيها نفر من الصحابة منهم البراء بن عازب يستمعون لحديثة وينصتون له"، قيل: مات في وقعة الجماجم سنة (83) هـ. انظر: تاريخ بغداد 10/ 199، تهذيب التهذيب 6/ 260، الهداية والإرشاد 1/ 459.
(3)
انظر: المحلى (7/ 100).
(4)
انظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/ 463)، المنثور في القواعد الفقهية (2/ 40)، حاشيتا قلبوني وعميرة (4/ 197).
(5)
انظر: الفروع (6/ 60)، الإنصاف (10/ 163).
(6)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (7/ 168).