الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إقامة الحد عليه (1).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع متحقق؛ لوجود خلاف عن الظاهرية، ورواية عن الإمام أحمد تخالف مسألة الباب.
[3/ 1] المسألة الثالثة: لو أُقيم الحد على السارق، ثم سرق ثانية ما يجب فيه القطع، قُطع أيضًا
.
• المراد بالمسألة: لو سرق شخص عينًا من آخر، وأقيم عليه حد السرقة، ثم سرق مرةً أخرى نفس العين، أو غيرها، فهل عليه الحد للسرقة الثانية أم لا؟
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا في أن قطع يد السارق إذا شهد عليه بالسرقة شاهدان عدلان مسلمان حران ووصفا ما يجب فيه القطع ثم عاد أنه يقطع"(2). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "قال مالك: الأمر عندنا في الذي يسرق مرارًا ثم يستعدى عليه: أنه ليس عليه إلا أن تقطع يده لجميع من سرق منه، إذا لم يكن أقيم عليه الحد، فإن كان قد أقيم عليه الحد قبل ذلك ثم سرق ما يجب فيه القطع قُطع أيضًا.
قال أبو عمر: لا أعلم في هذه المسألة خلافًا بين أهل الفقه الذين تدور على مذاهبهم الفتوى بالأمصار ولا على من قبلهم" (3).
• مستند الإجماع: مما يستدل به على مسألة الباب:
1 -
قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (4).
• وجه الدلالة: أن الآية عامة، وهذا الذي سرق ثانية داخل في هذا العموم.
2 -
أن ذلك هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قطع السارق
(1) انظر: المغني (9/ 107)، المحلى (12/ 26 - 28).
(2)
الإجماع (111).
(3)
الاستذكار (7/ 549).
(4)
سورة المائدة، آية (38).
ثانية أحاديث لكنها لا تخلو من مقال، فمنها:
ما رواه أبو داود والنسائي عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه (1) قال: (جيء بسارق إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: (اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه) فقطع، ثم جيء به الثانية فقال:(اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه)، فقطع فأتي به الثالثة فقال:(اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال: (اقطعوه)، ثم أتي به الرابعة فقال:(اقتلوه) فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق؟ قال. (اقطعوه)، فأتي به الخامسة قال:(اقتلوه)(2)(3).
(1) هو جابر بن عبد اللَّه بن عمرو بن حرام، الأنصاري، الإمام، المجتهد، الحافظ، صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أبو عبد اللَّه وأبو عبد الرحمن، الأنصاري الخزرجي، السلمي المدني، الفقيه، من أهل بيعة الرضوان، كان مفتي المدينة في زمانه، مات سنة (78 هـ) وهو ابن أربع وتسعين، بلغ مسنده ألفًا وخمسمائة وأربعين حديث. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة 1/ 434، تاريخ دمشق 11/ 208، إسعاف المبطأ برجال الموطأ للسيوطي 7.
(2)
أبو داود، كتاب: الحدود، باب: في السارق يسرق مرارًا، (رقم: 4410)، النسائي، كتاب: قطع السارق، باب: قطع اليدين والرجلين من السارق، (رقم: 4978). والحديث في سنده مصعب بن ثابت قال عنه الإمام أحمد: "أراه ضعيف الحديث لم أر الناس يحمدون حديثه"، وقال ابن معين "ضعيف"، وقال أبو حاتم:"صدوق كثير الغلط ليس بالقوي"، إلا أن للحديث شواهد لا تخلو من مقال، فمن أهل العلم من صحح الحديث بمجموع طرقه، كما هو مسلك الألباني في الإرواء (8/ 87).
وذهب آخرون إلى ضعفه كما هو مسلك النسائي في سننه (4892) وابن عبد البر في الاستذكار (7/ 549)، قال النسائي بعد إخراجه للحديث:"هذا حديث منكر، ومصعب بن ثابت ليس بالقوي في الحديث".
ومن اعتبر الحديث من أهل العلم اختلفوا في تأويله فقال بعصهم هو منسوخ، واليه ذهب الشافعي، وقيل: إنما قتل النبي صلى الله عليه وسلم الذي سرق في المرة الخامسة من باب السياسة لكثرة فساده في الأرض، وعليه حمل ابن تيمية وابن القيم الحديث على فرض ثبوته.
(3)
وثمة أحاديث آخر في هذا الباب ذكرها ابن أبي شيبة في مصنفه (6/ 485)، والزيلعي في نصب الراية (3/ 372)، لكنها لا تخلو من مقال، لذا اكتفيتُ بالإحالة إليها دون ذكر نصها.
3 -
أن هذا هو المنقول عن جملة الصحابة كعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب وغيرهما، بل نقل ابن أبي شيبة (1) في مصنفه أن عليه إجماع الصحابة فقال: "كان عليٌ يقول في السارق إذا سرق: قُطعت يده، فإن عاد قُطعت رجله، فإن عاد استودعته السجن.
وعن سماك (2) عن بعض أصحابه: أن عمر استشارهم في سارق، فأجمعوا على مثل قول علي" (3).
وإنما وقع الخلاف في أي شيء يقطع في السرقة الثانية، وهل يقطع أو يحبس في السرقة الثالثة وما بعدها.
• المخالفون للإجماع: خالف الحنفية في بعض صور المسألة، حيث ذهبوا إلى أن من سرق وأقيم عليه الحد، ثم سرق ثانيةً فعليه الحد، إلا إن كان قد سرق نفس العين، فإنه لا يقطع بسرقة شيء كان قد سرقه من قبل وقُطع فيه، إذا لم يتغير عن حالته الأولى، وإن تغير بأن كان غزلًا فسرقه فقُطع فيه، ثم رده إلى صاحبه فنسجه أو نحو ذلك ثم سرقه ثانية، فهنا عليه القطع، وبهذا فهم يخالفون الجمهور من هذه الحيثية في المسألة لا في عمومها (4).
(1) هو أبو بكر، عبد اللَّه بن محمد بن القاضي أبي شيبة إبراهيم عثمان بن خواستي، العبسي، مولاهم، الكوفي، من أقران أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن المديني، كان إمامًا، ثقة، حافظًا للحديث، وكان بحرًا من بحور العلم، قال الخطيب:"كان أبو بكر متقنًا حافظًا"، من مصنفاته:"المسند"، و"الأحكام"، و"التفسير" توفي سنة (235 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 11/ 123، تهذيب التهذيب 6/ 2، طبقات الحفاظ 2/ 432.
(2)
هو أبو المغيرة سماك بن حرب بن أوس بن خالد بن نزار بن معاوية بن عامر بن ذهل البكري، من أهل الكوفة، يخطئ كثيرًا، كان حماد بن سلمة يقول: سمعت سماك بن حرب يقول: "أدركت ثمانين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"، ومات سنة (123 هـ). انظر: الثقات لابن حبان 4/ 339، تهذيب التهذيب 4/ 204، لسان الميزان لابن حجر 7/ 238.
(3)
مصنف ابن أبي شيبة (6/ 485)، باختصار يسير.
(4)
انظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 219).
ومن المخالفين في المسألة أيضًا ما أشار إليه ابن حزم حيث قال: "واختلفوا فيمن سرق ثانية أيجب عليه القطع أم لا"(1)، ولم يذكر ابن حزم من هو المخالف، ولعله أشار بذلك إلى قول عطاء بن أبي رباح (2) حيث أخرج عنه ابن حزم أثرا حاصله أن الواجب على السارق قطع يده في السرقة الأولى فقط، ثم لا يقطع منه شيء، قال ابن حزم:"عن ابن جريج (3) قلت لعطاء: سرَق الأولى؟ قال: تقطع كفه، قلت: فما قولهم: أصابعه، قال: لم أدرك إلا قطع الكف كلها، قلت لعطاء: سرق الثانية؟ قال: ما أرى أن تقطع إلا في السرقة الأولى اليد فقط، قال اللَّه تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (4) ولو شاء أمر بالرجل، ولم يكن اللَّه تعالى نسيًا"(5).
وفي هذا النقل عن عطاء تردد، فقد أخرج ابن أبي شيبة عن عطاء ما يدل على أنه موافق للجمهور في إن من سرق ثانية قطع ثانية، فقال في مصنفه:"عن عبد الملك عن عطاء سئل: أيقطع السارق أكثر من يده ورجله؟ قال: لا، ولكنه يحبس"(6).
(1) مراتب الإجماع (221).
(2)
هو أبو محمد، عطاء بن أبي رباح، واسم أبي رباح أسلم بن صفوان اليماني، القرشي الفهري بالولاء، مفتي أهل مكة، ومحدثهم، نشأ بمكة، وكان من كبار التابعين وساداتهم، ومن أجلاء الفقهاء ومن أوعية العلم وأئمة الدنيا، ومن كبار الزهاد والعباد، ومع بين العلم والعمل والإتقان، عمي في آخر عمره، ولد بالجَنَد -بلدة في اليمن- سنة (27) هـ، وتوفي سنة (114) هـ. انظر: الطبقات الكبرى 2/ 386، التعديل والتجريح للباجي 3/ 1001، لسان الميزان 9/ 371.
(3)
هو أبو الوليد، عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي، أصله رومي، وهو أول من صنف الكتب الحجاز، قال الإمام أحمد:"قال أحمد: فإن ابن جريج من أوعية العلم"، مات سنة (150 هـ). انظر: الثقات لابن حبان (7/ 93)، التاريخ الكبير للبخاري (5/ 422)، الطبقات الكبرى (5/ 491).
(4)
سورة المائدة، آية (38).
(5)
المحلى (12/ 350).
(6)
المصنف (6/ 485)