الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غيره، فقد حكاه ابن حجر قولًا للمالكية (1).
وسيأتي أن ابن حزم لا يرى قبول رجوع المقر أصلًا، فلا فائدة من التعريض عنده، لأنه لا فائدة من الرجوع.
• دليل المخالف: استدل المانعون من التلقين بأن الأصل إقامة الحد على المقر، وفي التلقين بالرجوع إسقاط حد وجب للَّه تعالى (2).
أما من استثنى المشتهر بانتهاك الحرمات فلم ير تلقينه بخلاف غيره فذلك من باب الردع والزجر (3).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، واللَّه تعالى أعلم.
[37/ 1] المسألة السابعة والثلاثون: حد السرقة لا يقبل الإبراء
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الإبراء: الإبراء في اللغة: قال ابن فارس: "الباء والراء والهمزة: أصلان إليهما توجع فُروع الباب: أحدهما الخَلْق، يقال بَرَأَ اللَّه الخلقَ يَبْرَؤُهم بَرْءًا، والبارئ اللَّه جَلَّ ثناؤه. . . والأصل الآخَر: التباعُد مِن الشيء ومُزايَلَتُه، من ذلك البُرْءُ، وهو السَّلامة من السُّقم، يقال بَرِئْت وبرَأْتُ"(4).
(1) انظر: فتح الباري (12/ 126).
(2)
انظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/ 463 - 464).
(3)
انظر: فتح الباري (12/ 126).
(4)
مقاييس اللغة، مادة:(برأ)، (1/ 236)، ومن أهل اللغة من ذكر فرقًا بين البرء والخَلْق، فقال العسكري في معجم الفروق اللغوية (95):"الفرق بين البرء والخلق: أن البرء هو تمييز الصورة، وقولهم: برأ اللَّه الخلق أي ميز صورهم، وأصله القطع، ومنه البراءة، وهي قطع العلقة، وبرئت من المرض: كأنه انقطعت أسبابه عنك، وبرئت من الدين، وبرأ اللحم من العظم: قطعه، وتبرأ من الرجل إذا انقطعت عصمته منه".
وقال الزبيدي في تاج العروس (1/ 145): "والبَرْءُ: أخَصُّ من الخلق، وللأَوَّل اختصاصٌ بِخَلْق الحيوان، وقلَّما يُستعمَل في غيره، كبَرأَ اللَّهُ النَّسَمَة، وخَلَق السَمواتِ والأَرض".
وأرْجَع أبو البقاء أصل البرء إلى معنى واحد فقال: "أصل البرء: خلوص الشيء عن غيره، إما على سبيل التقصي، كقولهم: برئ المريض من مرضه، والبائع من عيوب مبيعه، وصاحب الدين من دينه، ومنه استبرأء الجارية، أو على سبيل الإنشاء، كقولهم: برأ اللَّه الخلق"(1).
• الإبراء اصطلاحًا: هو إسقاط الشخص حقًا له أو بعض حقه من ذِمَّة آخر (2).
فيكون المراد بالإبراء هنا هو إسقاط حد السرقة عن السارق بموجب إسقاط صاحب المال المسروق حقه من المال المسروق.
• ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة عند الإمام على شخص بما يوجب الحد، فأراد صاحب المال المسروق أن يبرئ السارق من القطع فليس له ذلك.
بهذا يتضح أن الإبراء لو كان قبل بلوغه الإمام، فليس ذلك مرادًا في مسألة الباب، وكذا يتبيَّن أن الإبراء الذي لا يصح هو الإبراء عن الحد، لا الإبراء عن المال المسروق.
• من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "لا خلاف في حد الزنا والشرب والسكر والسرقة أنه لا يحتمل العفو والصلح والإبراء بعد ما ثبت بالحجة"(3).
• مستند الإجماع: استدل الفقهاء للمسألة بأن حد السرقة حق للَّه تعالى، فإذا ثبت عند الإمام لم يملك أحد أن يسقطه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت السلطان، ونُقل فيه إجماع أهل العلم على ذلك -كما سبق بيانه- (4)، والإبراء كذلك.
(1) الكليات للكفومي (555)، وانظر: العين، باب: الراء والباء و (وايء) معهما، (8/ 289)، تاج العروس، مادة:(برأ)، (1/ 145).
(2)
انظر: درر الحكام في شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر (4/ 79)، البحر الزخار (6/ 96)، القاموس الفقهي (35)، معجم لغة الفقهاء (38).
(3)
بدائع الصنائع (7/ 55).
(4)
انظر: المسألة السابعة عشرة تحت عنوان: "السارق إذا بلغ الإمام لم تجز الشفاعة فيه".