الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني تعريف السرقة لغةً واصطلاحًا
• أولًا: تعريف السرقة لغة: يقال: سَرَق الشيء يسْرِقه سَرَقًا، وسَرِقًا واستَرَقَه، وقد بيَّن ابن فارس أصل هذه المادة فقال:"السين والراء والقاف: أصل يدل على أخذ شيء في خفاء وستر، . . . ومما شذ عن هذا الباب: السَّرَق: جمعَ سَرَقة، وهي القطعة من الحرير"(1).
ومنه يُقال: استراق فلان السمع: إذا سمعه مختفيًا، ويُقال: فلان يُسارِق النظَر إليه: إذا ترصَّد غَفلتَه لينظر إليه (2).
والسرقة عند أهل اللغة: نقل ابن منظور (3) والزبيدي (4) أن السارق عند
(1) مقاييس اللغة (3/ 154)، وكون السرقة بمعنى القطعة من الحرير ذهب بعض أهل اللغة كابن قتيبة إلى أنها فارسية وليست عربية، كما ذكره الفيومي في مصباح المنير (275)، والزبيدي في تاج العروس، مادة:(سرق)، (25/ 443).
(2)
انظر: الصحاح (5/ 182)، التعريفات (1/ 156)، المعجم الوسيط، باب: السين، (1/ 427).
(3)
هو أبو الفضل، محمد بن مكرم بن علي ابن منظور، الأنصاري، الرويفعي، الأفريقي، من نسل رويفع بن ثابت الأنصاري، اللغوى الحجة، خدم في ديوان الإنشاء بالقاهرة، ثم ولي القضاء في طرابلس، وعاد إلى مصر فتوفى فيها، وقد ترك بخطه نحو خمسمائة مجلد، وعمي في آخر عمره، قال الصفدي:"لا أعرف في كتب الأدب شيئًا إلا وقد اختصره"، من أشهر كتبه:"لسان العرب"، حيث جمع فيه أمهات كتب اللغة، فكاد يغني عنها جميعًا، و"مختار الأغاني"، ولد سنة (630) هـ، وتوفي سنة (711) هـ. انظر: شذرات الذهب 6/ 26، فوات الوفيات 2/ 265، الأعلام 7/ 329.
(4)
هو محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني، الزبيدي الحنفي، الملقب بمرتضى، ، نحوي، محدث، أصولي، مؤرخ، نسابة، أصله من واسط في العراق، ومولده في بلجرام في الشمال الغربي من الهند سنة (1145 هـ)، ومنشأه في زبيد باليمن، رحل إلى الحجاز، وأقام بمصر، من تصانيفه:"تاج العروس في شرح القاموس"، "إتحاف السادة المتقين في شرح إحياء علوم الدين"، توفي بالطاعون في مصر سنة (1205 هـ). انظر: تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار للجبرتي 2/ 103، الأعلام 7/ 70، معجم المؤلفين 11/ 282.
العرب: "من جاء مُسْتَتِرًا إلى حِرْزٍ فأخذ منه ما ليس له"(1).
وقال الفيروزآبادي (2): "سرق منه الشيء يسرق سَرَقًا. . .: جاء مستترا إلى حرز فأخذ مالًا لغيره"(3).
وقال التهانوي (4): "سرق منه شيئًا: أي جاء مستترًا إلى حرز فأخذ مال غيره"(5).
وبهذا يتبيَّن أن السرقة في الإطلاق اللغوي تتضمن ثلاثة أمور:
الأول: أن يأخذ الإنسان ما ليس له.
الثاني: أن يكون الأخذ بخفية.
الثالث: أن يأخذه من حرز.
أما ما زاد على هذه القيود الثلاثة كتقدير الشيء المسروق بنصاب معيَّن فغير وارد في حد السرقة عند أهل اللغة، بل تطلق حتى على أخذ الشيء التافه.
وقد نقل ابن حزم إجماع أهل اللغة على عدم اعتبار الحرز في تعريف
(1) انظر: لسان العرب، مادة:(سرق)، (10/ 155)، تاج العروس، مادة:(سرق)، (25/ 443).
(2)
هو أبو طاهر، محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر، مجد الدين الشيرازي الفيروزآبادي، من أئمة اللغة والأدب، ولد بكارزين من أعمال شيراز، ثم انتقل إلى العراق، ورحل إلى مصر والشام، ودخل بلاد الروم والهند، ثم رحل إلى زبيد، فسكنها وولي قضاءها واشتهر في الآفاق، حتى كان مرجع عصره في اللغة والحديث والتفسير، من مصنفاته:"القاموس المحيط"، و"المغانم المطابة في معالم طابة"، وغيرها، ولد عام (729 هـ)، وتوفي عام (818 هـ). انظر: ذيل التقييد 1/ 276، طبقات الشافعية 4/ 63، طبقات المفسرين 312.
(3)
القاموس المحيط للفيروزآبادي (1153).
(4)
هو محمد بن علي ابن القاضي محمد حامد بن محمد صابر الفاروقي التهانوي، حنفي المذهب، هندي الأصل، من كتبه:"كشاف اصطلاحات الفنون"، و"سبق الغايات في نسق الآيات"، توفي سنة (1158 هـ). انظر: الأعلام 6/ 295، معجم المؤلفين 11/ 47، هدية العارفين في أسماء المؤلفين لإسماعيل البغدادي 3/ 361.
(5)
كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم للتهانوي (1625).
السرقة من حيث اللغة، حيث قال:"أما الإجماع فإنه لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له، والسارق هو المختفي بأخذ ما ليس له"(1).
وقال: "باللغة يدري كل أحد يدري اللغة أن من سرق -من حرز أو من غير حرز- فإنه سارق، وأنه قد اكتسب سرقة، لا خلاف في ذلك"(2).
وما ادعاه ابن حزم فيه نظر، والصواب اعتبار قيد الحرز عند العرب كما سبق من كلام أهل اللغة، وقد أشار إلى هذا بعض الفقهاء، منهم الصنعاني حيث قال في الاستدلال لكون الحرز معتبر في قطع السارق:"الإحراز مأخوذ في مفهوم السرقة، فإن السرقة والاستراق هو المجيء مستترًا في خفية؛ لأخذ مال غيره من حرز، كما في القاموس وغيره، فالحرز مأخوذ في مفهوم السرقة لغة، ولذا لا يقال لمن خان أمانته: سارق"(3).
وقال الشوكاني: "مما يؤيد اعتباره -أي الحرز- قول صاحب القاموس: "السرقة والاستراق: المجيء لأخذ مال غيره من حرز"، فهذا إمام من أئمة اللغة جعل الحرز جزءًا من مفهوم السرقة"(4).
• ثانيًا: تعريف السرقة اصطلاحًا: ختلفت عبارات الفقهاء في ضابط السرقة الموجبة للحد، وذلك لاختلافهم في الشروط الموجبة للقطع، أذكرها على سبيل الإجمال، ثم أذكر تعريفًا جامعًا للسرقة مع بيان محترزاته، ثم أذكر في محتزاته من خالف فيه من أهل العلم.
(1) المحلى (12/ 312).
(2)
المحلى (12/ 300).
(3)
سبل السلام (2/ 437).
(4)
نيل الأوطار (7/ 155).
فعند الحنفية: قال الزيلعي (1) هي أخذ مكلف، خفية، قدر عشرة دراهم مضروبة، محرزة بمكان أو حافظ" (2).
وعند المالكية: قال ابن عرفة (3): "أخْذ مكلفٍ، حرًا لا يعقل لصغره، أو مالًا محترمًا، لغيره، نصابًا، أخرجه من حرزه، بقصد واحد، خفية، لا شبهة له فيه"(4).
وعند الشافعية: قال ابن حجر الهيتمي (5): "أخذ المال خفية من حرز مثله"(6).
(1) هو أبو عمر، عثمان بن علي بن محجن، فخر الدين، الزيلعي، من "زيلع" بلدة في الصومال، فقيه، فرضي، نحوي، حنفي، قدم القاهرة سنة (705 هـ)، فأفتى ودرس، من مصنفاته:"تبيين الحقائق في شرح كنز الدقائق"، و"تركة الكلام على أحاديث الأحكام"، و"شرح الجامع الكبير"، توفي في القاهرة في رمضان سنة (743 هـ). انظر: الفوائد البهية في تراجم الحنفية 115، الدرر الكامنة 2/ 446، الأعلام 4/ 373.
(2)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 211)، وانظر: رد المحتار على الدر المختار (4/ 85)، مجمع الأنهر (1/ 613).
(3)
هو أبو عبد اللَّه، محمد بن محمد ابن عرفة الورغمي، التونسي، المالكي، شيخ الإسلام بالمغرب، برع في الفقه، والأصول، والعربية، والمعاني، والبيان، والفرائض، والحساب، من تصانيفه:"المختصر الكبير"، و"المبسوط"، ولد بتونس سنة (716 هـ)، وتوفي بها (803 هـ). انظر: تذكرة الحفاظ 1/ 127، إنباء الغمر بأبناء العمر 4/ 336، شذرات الذهب 7/ 38.
(4)
شرح حدود ابن عرفة (503)، وانظر: شرح مختصر خليل للخرشي (8/ 91)، بلغة السالك لأقرب المسالك للصاوي (4/ 468).
(5)
هو أبو العباس، أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، السعدي، الأنصاري الشافعي، شهاب الدين، فقيه مشارك في أنواع من العلوم ولد في محلة أبي الهيتم -من إقليم الغربية بمصر- وإليها نسبته، له تصانيف كثيرة، منها: مبلغ الارب في فضائل العرب، والفتاوي الهيتمية، والصواعق المحرقة على أهل البدع والضلال والزندقة، ولد سنة (909) هـ، وتوفي سنة (973) هـ. انظر: البدر الطالع 140، معجم المؤلفين 2/ 152، الأعلام 1/ 234.
(6)
تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 144)، وانظر: أسنى المطالب (4/ 137)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي (7/ 457)، الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (5/ 89).
وعند الحنابلة: قال الحجاوي (1): "أخْذ مال، محترم، لغيره، وإخراجه من حرز مثله، لا شبهة له فيه، على وجه الاختفاء"(2).
والمختار في تعريف السرقة في الاصطلاح الشرعي أن يُقال: هي أخذ المكلف، مالًا، محترمًا، محرزًا، يبلغ نصابًا، ملكًا للغير، لا شبهة له فيه، على وجه الخفية (3).
• بيان محترزات التعريف:
أَخْذ: أي أن يأخذ الشخصُ ذلك الشيء المسروق، ويخرج بهذا القيد أمران:
الأول: ما لو أُعطي ذلك الشيء عن طريق الهبة ونحوه، وهذا القيد ظاهر في جهة المعنى اللغوي والشرعي.
الثاني: ما لو هتك الحرز أو دخله، ولم يُخرج المتاع منه، بأن قُبض عليه وهو في الحرز.
فهذا لا قطع عليه باتفاق الأئمة الأربعة (4)، وخالف فيه ابن حزم بناءً على أن الحرز ليس شرطًا في الأصل (5).
(1) هو أبو النجا، موسى بن أحمد بن موسى بن سالم الحجاوي، المقدسي، ثم الصالحي، الحنبلي، شرف الدين، برع في الفقه، والأصول، والحديث، وكان مفتي الحنابلة وشيخ الإسلام في دمشق، من تصانيفه:"الإقناع"، و"زاد المستقنع في اختصار المقنع"، توفي سنة (968 هـ). انظر: شذرات الذهب 8/ 327، الأعلام 7/ 320، معجم المؤلفين 13/ 34.
(2)
كشاف القناع عن متن الإقناع (6/ 129)، وانظر: الإنصاف (10/ 253)، حاشية الروض المربع (7/ 353).
(3)
انظر: تبيين الحقائق (13/ 211 - 212)، شرح حدود ابن عرفة (503)، الأحكام السلطانية (281 - 282)، كشاف القناع (6/ 129).
(4)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد (2/ 449).
(5)
انظر: المحلى (12/ 302).
العاقل: خرج بهذا القيد المجنون، والمعتوه، والنائم، والمغمى عليه، فإنه لا حد على أحد من هؤلاء بإجماع أهل العلم كما حكاه ابن حزم (1)، وابن عبد البر (2)، وابن قدامة (3)، والنووي (4)، وغيرهم (5).
البالغ: خرج بهذا القيد ما لو سرق غير البالغ (6)، فإنه لا حد عليه بإجماع
(1) انظر: المحلى (11/ 250).
(2)
انظر: التمهيد (23/ 120).
(3)
انظر: المغني (9/ 61).
(4)
انظر: شرح النووي (11/ 193).
(5)
انظر: الشرح الكبير لشمس الدين ابن قدامة (10/ 119)، البحر الزخار لابن المرتضى (6/ 142).
(6)
البلوغ في اللغة: قال ابن فارس في "المقاييس"(1/ 301): "الباء واللام والغين: أصلٌ واحد، وهو الوُصول إلى الشيء، تقول بَلَغْتُ المكانَ، إذا وَصَلْتَ إليه".
وفي الاصطلاح هو انتهاء حد الصغر ليحكم عليه الشارع بالتكاليف الشرعية، وقيل: هو نضج الأعضاء التناسلية. انظر: القاموس الفقهي (41 - 4)، جامع العلوم في اصطلاحات الفنون (1/ 172). ويتوافق التعريف اللغوي والاصطلاحي بأن الاصطلاحي هو الوصول إلى حد السن الذي ينتهي به الصغر.
والبلوغ عند الفقهاء يثبت بظهور أحد علامات البلوغ سواء في الصبي أو الصبية، وهذه العلامات بعضها محل إجماع، وبعضها محل خلاف بين أهل العلم، أذكرها على سبيل الاختصار:
أولاها: إنزال المني، ولو على سبيل الاحتلام، واعتبارها محل إجماع بين أهل العلم كما حكاه ابن حزم في "المحلى"(1/ 103)، قال ابن حجر في "فتح الباري" (5/ 277):"أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام، وهو إنزال الماء الدافق سواء كان بجماع أو غيره، سواء كان في اليقظة أو المنام، وأجمعوا على أن لا أثر للجماع في المنام إلا مع الإنزال".
ثانيها: السن، وهو محل اتفاف في الجملة، حيث أجمع أهل العلم على أن البلوغ يحصل بتمام تسع عشرة سنة كما حكاه ابن حزم في "المحلى"(1/ 103)، واختلفوا فيما دون ذلك، فذهب الحنفية إلى أن البلوغ في الغلام يعتبر بسن تسع عسرة سنة، وفي الجارية سبعة عشرة سنة، وعند المالكية المعتبر ثماني عشرة سنة، الذكر والأنثى في ذلك سواء، وعند الشافعية والحنابلة ببلوغ خمس عشرة سنة. =
أهل العلم.
= ثالثها: الإنبات، وهو ظهور شعر العانة الخشن، وقد صرح بعض المالكية والحنابلة أن الإنبات إذا جُلب واستعمل بوسائل صناعية من الأدوية ونحوها فإنه لا يكون مثبتًا للبلوغ؛ وعللوا ذلك بأنه قد يستعجل الإنبات بالدواء ونحوه لتحصيل الولايات والحقوق التي للبالغين.
وحصول البلوغ بالإنبات هو مذهب المالكية، والحنابلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكَّم سعد بن معاذ رضي الله عنه في بني قريظة، فحكم بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم، وأمر أن يكشف عن مؤتزرهم، فهو من المقاتلة، ومن لم ينبت فهو من الذرية، كما أخرج الخمسة من حديث عطية القرظي رضي الله عنه قال:"كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت"، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم، كما نقله عنهم ابن حجر في تلخيص الحبير (3/ 95).
وذهب الحنفية وهو رواية عن مالك إلى أن الإنبات ليس علامة للبلوغ، سواء كان في حق اللَّه تعالى أو في حق العباد.
وذهب الشافعية إلى أن الإنبات علامة للبلوغ في ولد الكافر، ومن جهل إسلامه، دون المسلم والمسلمة.
وذهب بعض المالكية كابن رشد الحفيد إلى أن الإنبات علامة فيما يتعلق بحقوق الآدميين من قذف وقطع وقتل، وأما فيما يتعلق بحقوق اللَّه تعالى، كحد الزنا والسرق فلا.
ويتحصل من هذا الخلاف في كون الإنبات علامة للبلوغ أن ما ذكره الصنعاني في "سبل السلام"(2/ 82) حيث قال: "يحصل بالإنبات البلوغ، فتجري على من أنبت أحكام المكلفين، ولعله إجماع"، ليس بمتحقق على عمومه.
رابعها: الحيض، وهذه العلامة خاصة بالمرأة دون الرجل، ولا خلاف في اعتبارها، كما حكاه القرطبي في تفسيره (5/ 35).
فهذه أشهر علامات البلوغ وثمة صفات أخرى اعتبرها المالكية كنتن الإبط، وفرق الأرنبة، وغلظ الصوت، كما في "تفسير القرطبي"(5/ 35).
واعتبر الشافعية من علامات البلوغ نبات الشعر الخشن للشارب، ونتوء طرف الحلقوم، كما في "الأم"(6/ 195 - 196).
وكل هذه الاعتبارات محل خلاف بين أهل العلم، وذكر بعض أهل العلم أن من العلامات الحمل في حق المرأة، والإحبال في حق الرجل، وهذه العلامة وإن كانت معتبرة شرعا بلا خلاف كما حكاه القرطبي لكن يمكن أن تدخل في علامة الإنزال، أو الاحتلام، إذ لا حمل ولا إحبال بلا إنزال، واللَّه تعالى أعلم.
كما نقله الشافعي (1)، وابن قدامة (2)، وشمس الدين ابن قدامة (3).
مالًا: أن أن يكون المسروق مما يجوز أن يجري عليه البيع والشراء، ويخرج بهذا القيد ما ليس بمال مما لا يُباع ويُشترى، إما لحرمة بيعه وشراءه شرعًا كالإنسان الحر، وإما لكونه من التافه الذي لا قيمة له، ولا يلتفت إليه أحد، وهذا القيد هو محل اتفاق بين المذاهب الأربعة (4).
إلا أن المالكية وابن حزم استثنوا من ذلك سرِقة الحر الصغير فأوجبوا فيها القطع (5).
محترمًا: أي أن يكون المال المسروق محترمًا من جهة الشرع، بكونه مباحًا غير محرَّم، وخرج به ما كان محرم شرعًا كآلات المعازف، والخمر ونحوهما، وكذا مال الحربي الذي ليس له أمان، فإنه لا حرمة له، وهذا القيد محل اتفاق بين المذاهب الأربعة (6).
محرزًا: أي أن يكون في حرز، هو ما نُصب لحفظ أموال الناس عادة (7)، وخرج بهذا القيد ما لو كان المال غير محرز، فإن أخذه حينئذٍ لا يوجب الحد،
(1) الأم (7/ 191).
(2)
انظر: المغني (9/ 61).
(3)
انظر: الشرح الكبير (10/ 119).
(4)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 67)، شرح مختصر خليل للخرشي (8/ 91)، تحفة المحتاج (9/ 128)، الإنصاف (10/ 255).
(5)
انظر: المدونة (4/ 538)، التاج والإكليل لمختصر خليل للمواق (8/ 414)، المحلى (12/ 325).
(6)
انظر: فتح القدير (5/ 368)، منح الجليل شرح مختصر خليل (9/ 305)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/ 443)، كشاف القناع (6/ 130).
(7)
انظر: وستأتي مسألة مستقلة فيها نقل إجماع أهل العلم على أن من شرط القطع أن تكون السرقة من حرز، تحت عنوان:"من شروط إقامة حد السرقة أن تكون السرقة من حرز".
وهذا القول حَكى عليه الإجماع جماعة من أهل العلم منهم ابن المنذر (1)، وأبو بكر الجصاص (2)، وابن عبد البر (3)، وابن العربي (4)، وابن هبيرة (5)، وابن قدامة (6)، وغيرهم (7).
وخالف في ذلك ابن حزم فلم ير للحرز اعتبارًا في وجوب الحد (8).
يبلغ نصابًا: أي أن يبلغ المال المسروق نصابًا (9)، وهذا الشرط نقل فيه غير واحد من أهل العلم الإجماع عليه، منهم الطحاوي (10)، والكاساني (11)، وابن قدامة (12)، وشمس الدين ابن قدامة (13)،
(1) الإجماع (110).
(2)
أحكام القرآن للجصاص (2/ 587).
(3)
الاستذكار (7/ 541)، وانظر:(7/ 571 - 572).
(4)
أحكام القرآن (2/ 111).
(5)
الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 205).
(6)
المغني (9/ 103).
(7)
انظر: تفسير القرطبي (6/ 163)، (6/ 170)، فتح القدير (5/ 280)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 133)، مغني المحتاج (5/ 474)، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/ 448)، حاشية الروض المربع (7/ 362).
(8)
المحلى (12/ 302)، وانظر المسألة وخلاف أهل العلم فيها في المسألة الحادية والأربعون تحت عنوان:"من شروط إقامة حد السرقة أن تكون السرقة من حرز".
(9)
انظر خلاف أهل العلم في حد النصاب الذي يجب به الحد في المسألة الخامسة تحت عنوان: "لو اشترك جماعة في سرقة ما يوجه القطع، وكان المال لو قسم على الشركاء لم يبلغ لكل واحد نصابا، فإنه لا قطع حينئذٍ على أحد منهم".
(10)
انظر: شرح معاني الآثار للطحاوي (3/ 167)، وكذا نقله ابن القطان بنحو هذا الحرف كما فى "الإقناع في مسائل الإجماع"(2/ 260).
(11)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 77).
(12)
انظر: المغني (9/ 94).
(13)
انظر: الشرح الكبير (10/ 249).
وابن مفلح (1)(2)، وغيرهم (3).
وخالف فيه ابن حزم فلم ير لحد السرقة نصابًا، واختار القطع في سرقة القليل والكثير (4).
ملكًا للغير: أي يشترط أن يكون المال المسروق ليس ملكًا لمن سرقه، وخرج بهذا القيد ما لو سرق ما هو ملك له في الأصل، كأن يودِع ماله عند شخص ما، ثم يسرقه، فلا يُقام عليه الحد حينئذٍ، أو أن يُؤخذ منه مال عن طريق السرقة أو الاغتصاب أو غير ذلك، فيسترجعه عن طريق السرقة، فلا قطع حينئذ باتفاق المذاهب الأربعة (5).
لا شبهة له فيه: خرج بهذا القيد ما فيه شبهة، كسرقة الوالد من مال ولده، وسرقة العبد من سيده، والسرقة وقت المجاعة، حكى ابن المنذر الإجماع عليه (6)، وذلك على اختلاف بين الفقهاء في بعض الصور هل تدخل في حد
(1) هو أبو إسحاق، إبراهيم بن محمد بن عبد اللَّه بن محمد ابن مفلح، برهان الدين، فقيه حنبلي، مؤرخ، من القضاة، باشر القضاء في الديار الشامية نيابةً واستقلالًا أكثر من أربعين سنة، من كتبه:"المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد"، و"المبدع بشرح المقنع"، و"مرقاة الوصول إلى علم الأصول"، ولد سنة (816 هـ)، وتوفي سنة (884 هـ). انظر: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي 1/ 152، شذرات الذهب 7/ 338، معجم المؤلفين 1/ 100.
(2)
انظر: المبدع شرح المقنع لابن مفلح (9/ 107).
(3)
انظر: معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام لعلي لطرابلسي (185)، حاشية الروض المربع (7/ 359).
(4)
انظر: المحلى (12/ 344 - 348)، وانظر إلى المسألة بأدلتها، وأدلة المخالفين في المسألة الخامسة تحت عنوان:"لو اشترك جماعة في سرقة ما يوجب القطع، وكان المال لو قسم على الشركاء لم يبلغ لكل واحد نصابا، فإنه لا قطع حينئذٍ على أحد منهم".
(5)
انظر: بدائع الصنائع (6/ 277)، شرح مختصر خليل للخرشي (8/ 96)، مغني المحتاج (5/ 494)، كشاف القناع (6/ 129).
(6)
انظر: الإجماع (113)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 450)، المجموع (20/ 101).
الشبهة أم لا (1).
وخالف ابن حزم فذهب إلى وجوب القطع ولو كان ثمة شبهة تدرؤ الحد، إلا ما وُجد فيه نص على عدم القطع فيمتنع القطع لا لأجل الشبهة، ولكن لأجل النص المانع من إقامة الحد (2).
على وجه الخفية: أي أن السارق فعل سرقته خفية عن أنظار الناس، وخرج بهذا القيد ثلاثة أمور:
أولًا: الغاصب والمنتهب: وهو من أخذ المال من صاحبه جهارًا، قهرًا (3).
فهذا لا قطع عليه بإجماع أهل العلم كما حكاه ابن العربي (4)، وابن حجر (5)، وغيرهم (6).
ثانيًا: الاختلاس: وهو أخذ الشيء غير المُحرَز بحضرة صاحبه جهرًا مع الهرب به، ويكون باستغفال صاحب المال بدون غلبة، وقد يتفطن له صاحب المال ويكون ثمة مغالبة (7).
(1) ومن ذلك مسألة ما لو سرق الوالد من مال ابنه فقيل: لا حد على الوالد لوجود الشبهة، وقيل: بل عليه الحد، لأن الشبهة حينئذ منتفية، وانظر إلى المسألة بأدلتها وأدلة المخالفين في المسألة التاسعة والستون تحت عنوان:"لا تقطع يد الوالد بالسرقة من ولده وإن نزل، وسواء في ذلك الأب، والأم، والابن، والبنت، والجد، والجدة من قبل الأم والأب".
(2)
المحلى (12/ 57 - 58).
(3)
انظر: السياسة الشرعية لابن تيمية (134)، إعلام الموقعين لابن القيم (2/ 47).
(4)
أحكام القرآن (2/ 111).
(5)
فتح الباري (12/ 91 - 92).
(6)
انظر: الإفصاح (2/ 214)، فتح القدير (5/ 373)، حاشية الروض المربع (7/ 354)، وانظر إلى المسألة بأدلتها في المسألة الخامسة والسبعون تحت عنوان:"ليس على المنتهب قطع".
(7)
انظر: أحكام القرآن للجصاص (2/ 581)، المبسوط (9/ 140)، أسنى المطالب (4/ 146)، شرح مختصر خليل (8/ 101)، إعلام الموقعين (2/ 47)، معجم لغة الفقهاء (415)، القاموس الفقهي (1/ 119).
فلو سرق المختلس فلا قطع عليه، وحكى عليه الإجماع كثير من أهل العلم منهم ابن المنذر (1)، وابن حزم (2)، وابن عبد البر (3)، وابن العربي (4)، وغيرهم (5).
ثالثًا: الخائن: هو الذي يؤتمن على شيء بطريق العارية أو الوديعة أو نحو ذلك، فيأخذه ويدعي ضياعه، أو ينكر أنه كان عنده وديعة أو عارية، فإن هذا لا قطع عليه، وحكى الإجماع على ذلك ابن المنذر (6)، وابن عبد البر (7)، وابن حجر (8)، وغيرهم (9).
وخالف فيه ابن حزم فذهب إلى وجوب الحد على الخائن (10)، وعن أحمد رواية -هي المذهب- بوجوب الحد على جاحد العارية (11).
• موافقة التعريف اللغوى للاصطلاحى: يمكن القول بأن السرقة على قسمين:
أولًا: ما يتعلق به التحريم: فهذا النوع يتوافق فيه المعنى اللغوي والمعنى الشرعي، فكل من أخذ مال غيره من حرز خفية، فإنه سارق لغةً، فاعل لمحرّم شرعًا.
(1) انظر: الإجماع (110).
(2)
انظر: المحلى (12/ 308 - 309).
(3)
انظر: الاستذكار (7/ 566).
(4)
انظر: أحكام القرآن (2/ 111).
(5)
انظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 445)، الإفصاح (2/ 214)، المغني (9/ 93)، الشرح الكبير (10/ 239)، فتح الباري (12/ 91 - 92)، فتح القدير (5/ 373)، وانظر: الخلاف في المسألة مع الأدلة في المسألة الرابعة والسبعون تحت عنوان: "لا تقطع يد المختلس".
(6)
انظر: الإجماع (110).
(7)
انظر: التمهيد (11/ 221)، الاستذكار (7/ 568).
(8)
انظر: فتح الباري (12/ 91 - 92).
(9)
انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية للقيرواني (3/ 1702)، الإفصاح (2/ 214)، المغني (9/ 94)، الشرح الكبير (10/ 240)، فتح القدير (5/ 373).
(10)
انظر: المحلى (3/ 356 - 363).
(11)
انظر: المغئي (9/ 93)، وانظر: المسألة بأدلتها وأدلة المخالفين في المسألة الثالثة والسبعون تحت عنوان: "ليس على خائن قطع".
ثانيًا: ما يتعلق به حد القطع: فهذا النوع يزيد المعنى الشرعي عن اللغوي قيودًا يجب توفرها (1).
تنبيه: المراد بالسرقة هنا: السرقة الصغرى؛ إذ السرقة عند الفقهاء تطلق على قسمين:
الأول: سرقة صغرى، وهي السرقة المرادة بهذا الباب.
الثاني: سرقة كبرى، وهي تطلق على قطاع الطريق، أما كونه "سرقة" فباعتبار أن قاطع الطريق يأخذ المال خفية عن عين الإمام الذي عليه حفظ الطريق، وأما كونه "كبرى" فلأن ضرره يعم عامه المسلمين حيث ينقطع عليهم الطريق بزوال الأمن بخلاف السرقة الصغيرة فإن ضررها خاص، ولأن حد قطاع الطريق بالقطع من خلاف أغلظ من حد السرقة الصغري بقطع اليد اليمنى (2).
(1) انظر: القاموس الفقهي (171).
(2)
انظر: فتح القدير (5/ 355)، أنيس الفقهاء (178).