الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
أخرج ابن حزم بسنده عن عن أيوب السختياني (1): أن رجالًا سألوا ابن سيرين فقالوا: أتينا الحرورية زمان كذا وكذا، لا يسألون عن شيء غير أنهم يقتلون من لقوا؟ فقال ابن سيرين:"ما علمت أن أحدًا كان يتحرج من قتل هؤلاء تأثمًا، ولا من قتل من أراد قتالك، إلا السلطان؛ فإن للسلطان نحوًا"(2).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ للخلاف الذي ذكره ابن المنذر في المسألة.
[18/ 3] المسألة الثامنة عشرة: البغاة إذا طلبوا من الإمام هدنة، نظر الإمام في حالهم، وبحث أمرهم، فإن ظهر له أن قصدهم الرجوع إلى الطاعة، ومعرفة الحق، وجب عليه إمهالهم
.
• المراد بالمسألة: لو أن طائفة بغت على الإمام، ثم طلبت الهدنة لينظروا فيما خرجوا فيه أحق هو أو باطل، فيجب على الإمام قبول الهدنة إذا تبين له أن قصدهم الرجوع عن البغي.
وبهذا يتبين أن الفئة الباغية إن طلبت الهدنة لا لقصد الرجوع، بل للتجهز للحرب، بالتدرب على القتال، أو انتظار مدد، أو مخادعة الإمام لقتاله على غرة وغفلة، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن أهل البغي
(1) هو أبو بكر أيوب بن أبي تميمة السختياني البصري، العنزي، مولاهم، ويقال: ولاؤه لطهية، وقيل: لجهينة، من صغار التابعين، عالم، محدث، عابد، رأى أنس بن مالك، وعاش معه في البصرة وهو ابن بضع وعشرين سنة، قال مالك بن أنس:"ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب أوثق منه"، وقال شعبة:"كان سيد الفقهاء"، ولد سنة (68 هـ)، وتوفي بالبصرة سنة (131 هـ) بالطاعون. انظر: الطبقات الكبرى 7/ 246، شذرات الذهب 1/ 181، سير أعلام النبلاء 6/ 15.
(2)
المحلى (11/ 335 - 336).
إذا سألوا الإمام النظر، ورجا رجوعهم عما هم عليه إلى طريق أهل العدل، فعليه أن يفعل" (1) ونقله عنه الموفق ابن قدامة (2).
وقال الموفق ابن قدامة (620 هـ): "كتاب الصلح: ويتنوع أنواعًا: صلح بين المسلمين وأهل الحرب، وصلح بين أهل العدل وأهل البغي، وصلح بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما، وأجمعت الأمة على جواز الصلح في هذه الأنواع"(3).
وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "الصلح معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين المختلفين ويتنوع أنواعا: صلح بين المسلمين وأهل الحرب، وصلح بين أهل العدل وأهل البغي، وصلح بين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما. . . وأجمع العلماء على جواز الصلح في هذه الأنواع التي ذكرنا"(4).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
النصوص الدالة على جواز الهدنة مع الكفار (5)، ومنها:
أ- قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)} (6).
ب- قول اللَّه تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)} (7)، قال ابن كثير: "قوله تعالى: {أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ} هذا خبر معناه الطلب، أي
(1) الإجماع (126).
(2)
المغني (9/ 5 - 6).
(3)
المغني (4/ 308).
(4)
الشرح الكبير (5/ 2).
(5)
أصل الهدنة السكون، يقال هدَن يهدُن هُدُونًا: إذا سكن، وهادنته: صالحته، والاسم منها الهدنة. والمراد بالهدنة شرعًا: أن يعقد الإمام لأهل الحرب عقدًا على ترك القتال مدة، بعوض وبغير عوض. وتسمى مهادنة، وموادعة، ومعاهدة. انظر: المغني (9/ 238).
(6)
سورة الأنفال، آية (61).
(7)
سورة البقرة، آية (114).
لا تُمَكِّنوا هؤلاء -إذا قَدَرُتم عليهم- من دخولها إلا تحت الهدنة والجزية" (1).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أباح الهدنة مع الكفار، فجوازه مع أهل البغي من المسلمين أولى (2).
2 -
يمكن أن يستدل له من النظر بأمرين:
أ- أن المقصود من قتال البغاة دفع شرهم، وكف أذاهم، فإذا كان في طلبهم للهدنة حصول هذا المقصود، فهو أولى من دفع شرهم بالمقاتلة.
ب- من القواعد المقررة عند أهل العلم أن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، وقد نص على ذلك الشافعي رحمه الله حيث نقله عنه جماعة من أهل العلم، منهم بدر الدين الزركشي حيث قال:"تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، نص عليه"(3).
وقال السيوطي (4): "تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، هذه القاعدة نص عليها الشافعي"(5).
وعلى هذا فإذا تحققت المصلحة بالهدنة مع أهل البغي، وليس ثمة دليل شرعي يمنع ذلك، فإن الإمام يفعل ما هو في مصلحة رعيته.
(1) تفسير ابن كثير (1/ 389).
(2)
انظر: المغني (9/ 5 - 6).
(3)
المنثور في القواعد الفقهية (1/ 309)، وقوله:(نص عليه) أي الشافعي رحمه الله.
(4)
هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد بن خليل، سيوطي الأصل، شافعي، فقيه، حافظ، مؤرخ، أديب، وأمه أمة تركية، نشأ يتيمًا في القاهرة، فحفظ القرآن، والعمدة، والمنهاج، وألفية النحو، وغيرها، وتفرغ للتصنيف، من كتبه:"الإتقان في علوم القرآن"، و"الأشباه والنظائر"، وغيرها، ولد سنة (849 هـ)، وتوفي سنة (911 هـ). انظر: شذرات الذهب 8/ 51، الضوء اللامع 4/ 65، الإعلام 4/ 71.
(5)
الأشباه والنظائر (121).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.