الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قتال الخوارج، بخلاف واقعة الجمل، وصفين، فقد كان الصحابة فيها على ثلاث طوائف، فطائفة مع علي رضي الله عنه، وطائفة مع معاوية رضي الله عنه، وطائفة اعتزلت.
[2/ 3] المسألة الثانية: عدم تكفير أهل البغي
.
• المراد بالمسألة: لو أن جماعة خرجوا على الإمام بتأويل، فقتلوا وأفسدوا فإنهم لا يكفرون بسبب بغيهم.
ويتبين من ذلك أن البغاة لو كانت لديهم بدعة مكفرة غير البغي فذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "إذا قتل أهل العدل إنسانًا من أهل البغي في حال القتال غُسل وصُلي عليه بلا خلاف"(1)، وهذا ظاهر في أنهم مسلمون. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ):"أما أهل البغي المجرد فلا يكفرون باتفاق أئمة الدين"(2).
• مستند الإجماع: استدل أهل العلم لمسألة الباب بما يلي:
1 -
• وجه الدلالة من الآية: أن اللَّه تعالى سماهم مؤمنين، وسماهم إخوة، والمراد الأخوة الإيمانية.
2 -
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه: (يا ابن
(1) المجموع (5/ 220).
(2)
مجموع الفتاوى (3/ 443)، وذكر ابن الهمام أن حكم الخوارج عند جمهور الفقهاء وجمهور أهل الحديث حكم البغاة، ثم قال:"وذهب بعض أهل الحديث إلى أنهم مرتدون لهم حكم المرتدين. . . قال ابن المنذر: "ولا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم"، وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء"، فهذا وإن كان في الخوارج، لكن دخول البغاة فيه من باب أولى.
(3)
سورة الحجرات، آية (9).
مسعود، أتدري ما حكم اللَّه فيمن بغى من هذه الأمة)؟ قال ابن مسعود: اللَّه ورسوله أعلم، قال:(فإن حكم اللَّه فيهم أن لا يتبع مدبرهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يُذَفَّف (1) على جريحهم) (2).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل المقاتل من أهل البغي إذا هرب، ونهى عن الإجهاز عليه إذا جرح، وهذا يدل على حرمة دمائهم، وأن المقصود من قتالهم دفع شرهم، لا كونهم كفارًا.
3 -
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "لا يذفف على جريح، ولا يقتل أسير، ولا يتبع مدبر"(3).
وعن جويبر (4) قال: أخبرتني امرأة من بني أسد قالت: سمعت عمارًا
(1) قال ابن الأثير في "النهاية"(2/ 162): "تذفِيفُ الجَرِيح: الإجْهازُ عليه، وتَحْرِيرُ قتله"، وقال ابن فارس في "مقاييس اللغة" (2/ 284):"الذال والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على خِفَّةٍ وسُرعة. . . ومنه يقال: ذفَّفْتُ على الجريح، إذا أسرعتُ قَتْلَه"
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 182)، ثم قال:"تفرد به كوثر بن حكيم وهو ضعيف"، والحديث ضعفه جماعة من أهل العلم، كابن عدي في "الكامل"(7/ 218)، وابن حزم في "المحلى"(11/ 340)، والذهبي في "تعليقه على المستدرك"(2/ 168)، وابن حجر في بلوغ المرام (360 - 361)؛ لأن في سنده كوثر بن حكيم، قال عنه الإمام أحمد في كتاب "العلل ومعرفة الرجال" (2/ 45):"لا يسوي حديثه شيئا"، وقال عنه الذهبي في "تعليقه على المستدرك" (2/ 168):"متروك"، وكذا قال ابن حجر في البلوغ (361):"متروك".
وقد ذكر ابن حجر في "البلوغ"(361) أن الحاكم صحح الحديث، ثم تعقب هذا التصحيح بأنه وهم من الحاكم، إلا أني لم أجد تصحيح الحاكم للحديث في "المستدرك"، واللَّه أعلم.
(3)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(10/ 123)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 675)، وصححه ابن حجر في بلوغ المرام (361).
(4)
هو أبو القاسم، جويبر بن سعيد الأزدي، البلخي، ويقال: اسمه جابر وجويبر لقب، مفسر، سكن البصرة، ضعفه يحيى القطان، وابن معين، وقال النسائي والدارقطي: متروك، روى عن الضحاك بن مزاحم ومحمد بن واسع وغيرهما، روى عنه الثوري ومعمر وأبو معاوية وغيرهم. انظر: الضعفاء الصغير للبخاري 1/ 27، تهذيب التهذيب 2/ 106، تاريخ بغداد 7/ 250.
-رضي الله عنه بعدما فرغ علي من أصحاب الجمل ينادي: "لا تقتلن مدبرًا ولا مقبلًا، ولا تذففوا على جريح، ولا تدخلوا دارًا، ومن ألقى السلاح فهو آمن"(1).
وعن أبي أمامة رضي الله عنه (2) قال: "شهدت صفين فكانوا لا يجهزون على جريح، ولا يقتلون موليًا، ولا يسلبون قتيلًا"(3).
• وجه الدلالة: دلت الآثار السابقة أن فعل الصحابة رضوان اللَّه عليهم عدم قتل مدبر البغاة، أو جريحهم، حتى قال علي رضي الله عنه يوم الجمل:"لا تقتلوا أسيرا ولا تجهزوا على جريح ومن ألقى السلاح فهو آمن"، قال أبو بكر الجصاص:"هذا حكم علي في البغاة، ولا نعلم له مخالفًا من السلف"(4)، وهو يدل على أن القصد من قتالهم هو دفع شرهم، لا الحكم عليه بالكفر.
(1) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (10/ 124)، والحاكم في المستدرك (2/ 168)، وابن حزم في المحلى (11/ 338 - 339)، وصححه الذهبي، كما في تعليقه على المستدرك (2/ 168).
(2)
هو أبو أمامة، إياس بن ثعلبة الأنصاري، من بني الحارث بن الخزرج، وقيل: إنه بلوى حليف لبني الحارث، هذا هو المشهور في اسمه، وقيل: عبد اللَّه بن ثعلبة، وقيل ثعلبة بن عبد اللَّه، لم يشهد بدرًا، وكان قد أجمع على الخروج إليها مع النبي صلى الله عليه وسلم وكانت أمه مريضة فأمره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالمقام على أمه، وقد ذكر جماعة أنه توفي في السنة الثالثة من الهجرة بعد انصراف النبي صلى الله عليه وسلم من أحد، وتعقبه النووي وجماعة من أهل العلم. انظر: الاستيعاب 1/ 128، تهذيب التهذيب 12/ 16، الإصابة 7/ 19.
(3)
أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 167)، ثم قال:"هذا حديث صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي.
(4)
أحكام القرآن (3/ 600).
وإن كان ما ذكره الجصاص من عدم المخالف منازع فيه، ولذا ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن البغاة إن كانوا هاربين إلى فئة يلجئون إليها، أو معقل يجتمعون فيه ليتداركوا أمرهم ويستعدوا للحرب أخرى، فإنه يقتل مدبرهم.
أما إن كانوا هاربين إلى غير فئة فإنه لا يتغ مدبرهم. وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وإليه ذهب الحنفية، وابن حزم، وهو مذهب الهادوية، وبعض الشافعية، ووجه في مذهب أحمد. انظر: أحكام القرآن للجصاص (3/ 600)، فتح القدير (6/ 103 - 104)، المغني (9/ 9 - 10)، مجموع الفتاوى (3/ 538)، المحلى (11/ 337 - 338)، نيل الأوطار (7/ 201).