الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لمسألة الباب، لأنه يرى وجوب إقامة الحد، وإنما خالف في صفة إقامة الحد (1).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع في أن العبد يقام عليه حد الحرابة كالحر، أما الأَمة فإقامة حد الحرابة عليها فيه خلاف عن بعض الحنفية.
[10/ 2] المسألة العاشرة: المحاربون إن تابوا قبل القدرة عليهم فلا تسقط عنهم حقوق الآدميين من الأنفس والجراح والأموال إلا أن يعفى لهم عنها
.
• المراد بالمسألة: لو أن شخصًا أو جماعة من المحاربين قتلوا أو سرقوا أو أصابوا جراحات، ثم تابوا قبل أن يقدر عليهم الإمام، فإن حقوق بني آدم لا تسقط عنهم، فإن قتلوا فالأمر للأولياء إما أن يعفوا أو الدية أو القصاص، وإن أخذوا المال وجب رد ما أخذوه، وإن جرحوا فعليهم القصاص أو الدية إن كان عمدًا، أو الدية إن كان خطأ، إلا أن يعفوا أصحاب الحق فلهم ذلك.
ويتبين من هذا أنهم لو تابوا بعد القدرة عليهم فذلك غير مراد في مسألة الباب، وكذا لو فعلوا في الحرابة فعلًا لا تعلق به بالحرابة كالزنى أو السرقة أو نحو ذلك ثم تابوا من الحرابة، فما فعلوه مما لا تعلق له بالحرابة لا يدخل في مسألة الباب، وكذا حق اللَّه تعالى لا يدخل في مسألة الباب، وكذا لو كان المحاربون ممن لا تتحقق الحرابة في حقهم كالباغي، والخارجي، فكل هذا غير داخل في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أن حقوق الآدميين؛ من الأنفس، والأموال، والجراح، يؤخذ بها المحاربون، إلا أن يعفى لهم عنها"(2). وقال ابن قدامة (620 هـ): "فإن تابوا -أي المحاربين- من قبل أن يقدر عليهم، سقطت عنهم حدود اللَّه تعالى، وأخذوا بحقوق الآدميين؛ من الأنفس، والجراح، والأموال، إلا أن يعفى لهم عنها، لا نعلم في هذا
(1) انظر: المحلى (12/ 68 - 69).
(2)
الإفصاح (2/ 217).
خلافًا بين أهل العلم" (1) ونقله عنه ابن قاسم (2).
وقال بهاء الدين المقدسي (624 هـ): "من تاب قبل القدرة عليه سقطت عنه حدود اللَّه وأخذ بحقوق الآدميين، إلا أن يعفى له عنها، لا نعلم في هذا خلافًا"(3).
وقال ابن قدامة (682 هـ): "ومن تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حدود اللَّه تعالى من الصلب والقطع والنفي وانحتام القتل، وأخذوا بحقوق الآدميين من الأنفس والجراح والأموال، إلا أن يعفى له عنها، لا نعلم في هذا خلافًا"(4).
• مستند الإجماع: استدل أهل العلم على مسألة الباب بأدلة منها:
1 -
2 -
عموم الأحاديث الدالة على وجوب رد الحقوق إلى أهلها، كحديث سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(على اليد ما أخذت حتى تؤدي)(6).
• المخالفون للإجماع: حكى ابن جرير عن جماعة من السلف القول بسقوط حقوق بني آدم بتوبة المحارب قبل القدرة عليه، على تفصيل بينهم في ذلك، بناء على خلافهم في المراد بتأويل قول اللَّه تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} (7)، فذهب جماعة منهم إلى أن
(1) المغني (9/ 129).
(2)
حاشية الروض المربع (7/ 384).
(3)
العدة شرح العمدة (2/ 184).
(4)
الشرح الكبير (10/ 313).
(5)
سورة المائدة، آية (45).
(6)
أخرجه أحمد (33/ 277)، والترمذي (رقم: 1266)، وأبو داود (رقم: 3561)، وابن ماجة (رقم: 2400)
(7)
سورة المائدة، آية (34).
الآية في المشرك الذي حارب اللَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم بالفساد في الأرض، ثم تاب وأسلم قبل القدرة عليه، فتسقط عنه حقوق اللَّه تعالى وحقوق العباد، من مال، أو دم، أو عِرض، أما المسلم إذا حارب المسلمين أو المعاهدين، وأتى بعض ما يجب عليه العقوبة، فتوبته قبل القدرة عليه لا تُسقط عنه حق اللَّه تعالى، ولا حقوق العباد.
وهذا القول منقول عن ابن عباس، وعكرمة، والضحاك، ومجاهد (1)، والحسن البصري، وقتادة.
وذهب آخرون إلى أن المراد بالآية المحاربين من أهل الإسلام، فإذا تابوا من حرابتهم قبل القدرة عليهم، ثم طلبوا الأمان فأمنهم الإمام، فليس لأحد مطالبته بحق للَّه أو لآدمي.
وكذا المسلم إذا ارتد ولحق بدار الحرب، جاء تائبًا وطلب الأمان فأمنه الإمام، فليس لأحد مطالبته بحق للَّه أو لآدمي. وهذا منقول عن علي بن أبي طالب، ومكحول (2).
وذهب آخرون إلى أن الآية عامة لكل من جاء تائبًا من الحرابة قبل القُدْرة عليه، سواء أمنه الإمام أو لم يؤمنه.
(1) هو أبو الحجاج، مجاهد بن جبر المخزومي مولاهم، المكي، الثقة، التابعي، العالم، المقرئ، المفسر، الفقيه، الحافظ للحديث، أخذ التفسير عن ابن عباس وقرأه عليه ثلاث مرات، يقف عند كل آية يسأله عن نزولها وفقهها، توفي سنة (104) هـ. انظر: التاريخ الكبير 7/ 411، طبقات الفقهاء 1/ 69، سير أعلام النبلاء 4/ 449.
(2)
هو أبو عبد اللَّه، مكحول بن مسلم بن شهراب بن هاذل، كان هنديًا من سبى كابل، لسعيد بن العاص، فوهبه لامرأة من هذيل فأعتقته بمصر، ثم تحول إلى دمشق فسكنها، روى عن جملة من الصحابة كأنس بن مالك وابن عمر، وكان من فقهاء أهل الشام، وربما دلس، مات سنة (112 هـ). انظر: الثقات لابن حبان 5/ 447، تاريخ دمشق 60/ 197، تهذيب الكمال 28/ 496.
وهو منقول عن أبي موسى الأشعري، وأبي هريرة رضي الله عنهما، ومالك بن أنس، والليث بن سعد.
وذهب آخرون إلى أن الآية خاصة بمن حارب ثم فرَّ إلى دار الكفر، ثم رجع إلى دار الإسلام تائبًا، أما من كان مقيمًا في حرابته في دار الإسلام ثم تاب فلا يسقط عنه شيء من حقوق اللَّه أو حقوق الآدميين.
وذهب آخرون إلى أن المراد بالآية من كان محاربًا وله منعة وقوة، كفئة يلجأ إليها تمنعه من السلطان، ثم جاء تائبًا قبل القدرة عليه، فإن توبته تضع عنه كل ما كان من أحْداثه في أيام حِرابته من حقوق اللَّه وحقوق العباد، أما من لم تكن له منعه فلا تسقط عنه حقوق العباد (1).
وهذا القول هو اختيار ابن جرير حيث قال: "وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب عندي، قولُ من قال: توبة المحارب الممتنع بنفسه أو بجماعة معه قبل القُدرة عليه، تضع عنه تَبِعات الدنيا التي كانت لزمته في أيام حربه وحرابته، من حدود اللَّه، وغرم لازم، وقود وقصاص، إلا ما كان قائمًا في يده من أموال المسلمين والمعاهدين بعينه، فيرد على أهله؛ لإجماع الجميع على أن ذلك حكم الجماعة الممتنعة المحاربة للَّه ولرسوله، الساعية في الأرض فسادًا على وجه الردة عن الإسلام، فكذلك حكم كل ممتنع سعى في الأرض فسادًا، جماعة كانوا أو واحدًا"(2).
فهذا محصل ما ذكره ابن جرير من الأقوال المخالفة لمسألة الباب، وبها يتبين أن المسألة محل خلاف قديم بين السلف.
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم، لوجود المخالف من بعض الصحابة والتابعين، ومن بعدهم.
(1) انظر: تفسير ابن جرير (10/ 277 - 289)، معالم التنزيل (3/ 50)، تفسير القرطبي (6/ 158).
(2)
تفسير ابن جرير (10/ 287 - 288)، وانظر: الأحكام السلطانية (79).