الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العين المسروقة، فهنا عليه رد ما بقي بإجماع أهل العلم؛ لعدم المخالف.
الثانية: من سقط عنه القطع، فهنا عليه رد العين المسروقة أو ضمانها إن كانت تالفة بإجماع أهل العلم؛ لعدم المخالف، إلا في صورة واحدة، وهي من ثبتت سرقته بإقراره ثم سقط عنه الحد بموجب رجوعه عن إقراره، فهنا ضمان العين المسروقة مع سقوط الحد ليست محل إجماع محقق لوجود الخلاف عن بعض الشافعية.
[8/ 1] المسألة الثامنة: يجوز تغريم السارق زيادة عن قيمة المال المسروق إذا تلف بسببه
.
• المراد بالمسألة: لو سرق شخص مالًا أو عينًا، فإن للإمام أن يلزم السارق برد قيمة ما سرق وزيادة معه، كأن يلزمه برد ضعفي ما سرق، أو نحو ذلك.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد حكم بها -الزيادة- بحضرة الصحابة رضي الله عنهم، ولا يعرف منهم له مخالف، ولا يدرى منهم عليه منكر، فأضعف قيمة الناقة المنتحرة للمزني على رقيق حاطب التي سرقوها وانتحروها"(1).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
عن عمرو بن شعيب (2) عن أبيه (3). . .
(1) المحلى (12/ 307).
(2)
هو أبو إبراهيم، عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص السهمي، تابعي صغير مشهور، مختلف فيه توثيقه وتضعيفه، والأكثر على أنه صدوق في نفسه، وحديثه عن غير أبيه عن جده قوي، قال البخاري:"رأيت أحمد وعليًا وإسحاق وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون به"، مات سنة (118 هـ). انظر: الثقات للعجلي 2/ 177، الجرح والتعديل 6/ 238، سير أعلام النبلاء 5/ 165.
(3)
شعيب بن محمد بن عبد اللَّه بن عمرو بن العاصي القرشي، روى عن جملة من الصحابة كجده عبد اللَّه بن عمرو بن العاص، وعبادة بن الصامت، وعبد اللَّه بن عباس، وابن عمر، وغيرهم، =
عن جده (1) عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: (ما أصاب من ذي حاجة غير متخذ خبنة (2) فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه بعد أن يؤويه الجرين (3) فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة) (4).
= ولم يذكر أهل التراجم له سنة ولادة أو وفاة. انظر: الثقات لابن حبان 4/ 357، تهذيب الكمال 12/ 534، تهذيب التهذيب 4/ 311.
(1)
هو أبو محمد، عبد اللَّه بن عمرو بن العاص بن وائل بن السهمي، صحابي، اشتهر بالعلم، والعبادة، قال أبو هريرة:"ما كان أحد أحفظ لحديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد اللَّه بن عمرو" كان اسمه العاص، فلما أسلم غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه لعبد اللَّه، بينه وبين أبيه إحدى عشرة سنة فقط، أسلم بعد سنة سبع، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم بعض المغازي، توفي سنة (65 هـ). انظر: الطبقات الكبرى 4/ 8، الإصابة 2/ 351، تهذيب التهذيب 5/ 337.
(2)
الخبنة: معطف الإزار وطرفه من أسفل، وما يأخذه الإنسان بحضنه أو تحت إبطه، والمراد به في الحديث من أكل ولم يأخذ في ثوبه شيء. انظر: تاج العروس، مادة:(خبن)، (34/ 477).
(3)
الجرين: هو المكان المُعد لجمع الثمر بعد قطفه، لأجل تجفيفه، ويطلق عليه اسم: البَيْدر، والمِربد، وجمعه:"جُرُن". انظر: المصباح المنير (97)، المطلع على أبواب الفقه للبعلي (132).
(4)
أخرجه أحمد (11/ 273)، والترمذي (رقم: 1289)، وقال:"هذا حديث حسن"، وأبو داود (رقم: 4390)، والنسائي (رقم: 4958). والحديث ضعفه ابن حزم في المحلى (12/ 305 - 306)؛ لأنه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
بينما احتج به جماعة من الحفاظ، كما قال الألباني في "صحيح أبي داود" (5/ 395):"إسناده حسن، وحسنه الترمذي، وصححه ابن الجارود، والحاكم، والذهبي".
وقد اختلف أهل العلم في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فمنهم من جعله من أصح الأسانيد كما قال إسحاق بن راهويه:"إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب ثقة فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما".
ومنهم من ضعفه كما قال يحيى بن سعيد: "حديثه عندنا واه"، وإليه ذهب ابن حزم، قال الألباني =
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب غرامة مثلي ما أخذ، فدل على جواز مثل ذلك.
2 -
ما أخرجه مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن حاطب (1): "أن رقيقًا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة، فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فأمر عمر كثير بن الصلت (2) أن يقطع أيديهم، ثم قال عمر: "أراك تجيعهم"، ثم قال عمر: "واللَّه لأغرمنك غرمًا يشق عليك"، ثم قال للمزني (3): "كم ثمن ناقتك" فقال المزني: قد كنت واللَّه أمنعها من أربع
= في الإرواء (1/ 266): "والحق الوسط وهو أنه حسن الحديث، وقد احتج بحديثه جماعة من الأئمة المتقدمين كأحمد، وابن المديني، وإسحاق، والبخاري، وغيرهم".
قال الزيلعي في "نصب الراية"(1/ 59): "ومن فوائد شيخنا الحافظ جمال الدين المزي قال: عمرو بن شعيب يأتي على ثلاثة أوجه: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وهو الجادة. وعمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد اللَّه بن عمرو. وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد اللَّه بن عمرو، فعمرو له ثلاثة أجداد: محمد، وعبد اللَّه، وعمرو بن العاص، فمحمد تابعي، وعبد اللَّه، وعمرو صحابيان، فإن كان المراد بجده محمدا فالحديث مرسل؛ لأنه تابعي، وإن كان المراد به عمرو، فالحديث منقطع؛ لأن شعيبًا لم يدرك عمرًا، وإن كان المراد به عبد اللَّه فيحتاج إلى معرفة سماع شعيب من عبد اللَّه، وقد ثبت في "الدارقطني" وغيره بسند صحيح سماع عمرو من أبيه شعيب، وسماع شعيب من جده عبد اللَّه".
(1)
هو عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة اللخمي، ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ذكره جماعة في الصحابة، وذكره البخاري ومسلم وابن سعد والجمهور في التابعين، قال ابن سعد:"كان ثقة، قليل الحديث" مات سنة (68 هـ). انظر: الإصابة 5/ 30، تهذيب التهذيب 6/ 158.
(2)
هو أبو عبد اللَّه، كثير بن الصلت بن معدي كرب بن وكيعة بن شرحبيل بن معاوية الكندي، المدني، روى عن أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت وجماعة، وكان كاتبًا لعبد الملك بن مروان على الرسائل ذكره بن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة، وثقه العجلي، وابن حبان، قيل أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وجزم أبو حاتم الرازي وأبو أحمد العسكري وابن مندة وغيرهم أنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. انظر: تاريخ دمشق 50/ 34، الكاشف 3/ 5، تهذيب التهذيب 8/ 419.
(3)
الرجل الذي من مزينة لم أجد له ترجمة خاصة بهذه القصة.
مائة درهم، فقال عمر:"أعطه ثمان مائة درهم"(1).
• وجه الدلالة: أن عمر رضي الله عنه أوجب على حاطب مثلي قيمة الناقة المسروقة، عقوبة له، حيث كان قيمتها أربعمائة درهم، فغرمه عمر رضي الله عنه ثمانمائة درهم، فدل على جواز مثل ذلك.
• المخالفون للإجماع: القول بتغريم السارق زيادة على قيمة المال المسروق هو قول الإمام أحمد (2)، وأما جمهور أهل العلم فعلى خلاف مسألة الباب، وأنه لا يغرم إلا ما سرق (3)، حتى قال ابن عبد البر:"في هذا الحديث كلمة منسوخة وهي قوله: (وغرامة مثليه) لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بها، إلا ما جاء عن عمر رضي الله عنه في رقيق حاطب بن أبي بلتعة، حين انتحروا ناقة رجل من مزينة، ورواية عن أحمد بن حنبل، ومحمل هذا عندنا على العقوبة والتشديد، والذي عليه الناس العقوبة في الغرم بالمثل"(4).
• دليل المخالف: استدل ابن عبد البر على عدم الزيادة على قيمة المسروق بما يلي:
1 -
قول اللَّه تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (5).
2 -
قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (6).
(1) أخرجه مالك في الموطأ (1436). والحديث من حيث السند صحيح كما قال ابن حزم في المحلى (12/ 307): "هذا أثر عن عمر كالشمس"، لكن أهل العلم لم يأخذوا بعموم الحديث كما قال ابن عبد البر في الاستذكار (7/ 209):"أدخل مالك هذا الحديث في كتابه الموطأ وهو حديث لم يتوطأ عليه، ولا قال به أحد من الفقهاء ولا أرى العمل به".
(2)
انظر: المغني (9/ 105)، دقائق أولي النهى (3/ 375)، كشاف القناع (6/ 139).
(3)
انظر: التمهيد (19/ 212)، سبل السلام (2/ 437).
(4)
التمهيد (19/ 212)، ونقل القرطبي قول ابن عبد البر مقرًا له، كما في تفسيره (6/ 162).
(5)
سورة البقرة، آية (194).
(6)
سورة النحل، آية (126).