الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "والبغاة إذا لم يكونوا من أهل البدع ليسوا بفاسقين، وإنما هم مخطئون في تأويلهم، والإمام وأهل العدل مصيبون في قتالهم. . . ولا أعلم في قبول شهادتهم خلافًا"(1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "وقد آل الشر بين السلف إلى الاقتتال، مع اتفاق أهل السنة على أن الطائفتين جميعًا مؤمنتان، وأن الاقتتال لا يمنع العدالة الثابتة لهم؛ لأن المقاتل وإن كان باغيًا فهو متأول، والتأويل يمنع الفسوق"(2).
• مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن البغاة وإن كانوا مخطئين إلا أنهم متأولون في فعلهم، فهم مخطئون في التأويل، ولا يحكم عليهم بالفسق فضلًا عن رد شهادتهم.
ونقل عن أبي حنيفة أنهم يفسقون، لكن لا ترد شهادتهم؛ لأن فسقهم من جهة الدين (3).
يمكن أن يستدل له بأن رد الشهادة موجبها خشية الكذب من الشاهد، والباغي ليس ممن يستجيز الكذب.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[10/ 3] المسألة العاشرة: إذا قتل أهلُ العدل أهلَ البغي فإن البغاة يُغسلون ويصلى عليهم
.
• المراد بالمسألة: من المقرر شرعًا أن المسلم إن مات فإنه يغسَّل ويصلى عليه ثم يُدفن، وهذا الحكم يندرج على البغاة إن قتلهم أهل العدل، لأنهم مسلمون، ولا يخرجون من الإسلام ببغيهم، ولا يأخذون حكم الكفار في قتالهم للمسلمين.
(1) الشرح الكبير (10/ 64).
(2)
مجموع الفتاوى (3/ 230).
(3)
انظر: المغني (9/ 12)، نهاية المحتاج (7/ 403 - 404)، مطالب أولي النهى (6/ 170).
• من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "إذا قتل أهل العدل إنسانًا من أهل البغي في حال القتال، غُسِّل، وصُلي عليه، بلا خلاف"(1).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن البغاة مسلمون، وأنهم لا يكفرونا ببغيهم، كما قال تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)} (2).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى سماهم مؤمنين، مما يدل على أنهم يُعطون أحكام المسامين من غسل ميتهم والصلاة عليهم، وما إلى ذلك، ولما ذكر ابن عبد البر الخلاف في مسألة الصلاة على البغاة قال:"أجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم وإن كانوا أصحاب كبائر"(3).
• المخالفون للإجماع: ذهب الحنفية إلى أن أن الباغي لا يغسل ولا يصلى عليه (4).
• دليل المخالف: استدل الحنفية لذلك بما يلي:
1 -
فعل علي رضي الله عنه حيث لم يغسل أهل النهروان (5)، ولم يصل عليهم (6).
(1) المجموع (5/ 222).
(2)
سورة الحجرات، آية (9 - 10).
(3)
الاستذكار (3/ 29).
(4)
بدائع الصنائع (1/ 313).
(5)
النهروان -بضم الراء، وفتحها، وكسرها-، كانت بعد الجمل وصفين، بين علي رضي الله عنه والخوارج، سنة (39 هـ)، بموضع يقال له: النهروان، وهي مدينة صغيرة بالعراق، بين بغداد وواسط، يجري فيها نهر يسمى بالنهروان، وانتصر فيه جيش علي رضي الله عنه. انظر: الروض المعطار في خبر الأقطار (582)، معجم البلدان (5/ 325)، البداية والنهاية (7/ 258).
(6)
كذا ذكره فقهاء الحنفية، وتعقبه الزيلعي في نصب الراية (2/ 372) بقوله: "روي أن عليًا رضي الله عنه، لم يصل على البغاة.