الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[69/ 4] المسألة التاسعة والستون: من شك في براءة عائشة رضي الله عنها مما رميت به كفر
.
• المراد بالمسألة: عائشة بنت أبي بكر الصديق أم المؤمنين زوج النبي صلى الله عليه وسلم رميت بالزنى في حياتها، فبرأها اللَّه تعالى بآيات قرآنية، فمن رمى عائشة بالزنى بعد نزول هذه الآيات، أو شك في براءتها من الزنى فإنه كافر.
يتحصل مما سبق أن من سب عائشة بغير القذف بالزنى فإن ذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "براءة عائشة رضي الله عنها من الإفك وهي براءة قطعية بنص القرآن العزيز، فلو تشكك فيها إنسان -والعياذ
= وما بينهما في ستة أيام، والعقول الصريحة تعلم أن الحوادث لا بد لها من محدث".
بل حكى في منهاج السنة (1/ 165) إجماع العقلاء على ذلك فقال: "أجمع العقلاء على أن كل ما كان مرادًا مقدورًا يجب أن يكون حادثًا كائنًا بعد أن لم يكن، والعالم مما بدخل تحت الإرادة والقدرة، فيكون حادثًا كائنًا بعد أن لم يكن".
وحكى في "منهاج السنة" أيضًا (1/ 176 - 177) القول بقدم العالم ثم قال: "وهذا كفر باتفاق أهل الملل: المسلمين، واليهود، والنصارى".
والقول بقدم العالم أشهر من قال به طائفتان:
الأولى: الدهرية: حيث قالوا بأن العالم كان في الأزل على هذه الصورة، في أفلاكه، وكواكبه، وسائر أركانه، وأن الحيوانات متناسلة، كما هي الأن، وأن السماوات لم تزل على ما هي عليه الآن، وأن مادة السماوات والأرض ليستا مبتدعتين.
الثانية: الفلاسفة -وهم كفار من الروم، كانوا من أهل اليونان-: وهؤلاء لم يكونوا يقولون بقدم العالم والأفلاك، وإنما أشهَرَ القول به أرسطو طاليس، وابتاع هذه المقالة، واتبعه على ذلك تلامذته وصرَّحوا بالقول به، ولذا يقول الشهرستاني في "الملل والنحل" (2/ 148):"إن القول في قدم العالم وأزلية الحركات بعد إثبات الصانع، والقول بالعلة الأولى، إنما شهر بعد أرسطوطاليس؛ لأنه خالف القدماء صريحًا، وأبدع هذه المقالة على قياسات ظنها حجة وبرهانًا، فنسج على منواله من كان من تلامذته، وصرَّحوا القول فيه؛ مثل الإسكندر الأفروديسي، وثامسطيوس، وفورفوريوس". انظر: منهاج السنة النبوية (7/ 177، 187، 200، 235)، درء التعارض (9/ 261 - 281).
باللَّه- صار كافرًا مرتدًا بإجماع المسلمين" (1). وقال ابن تيمية (728 هـ): "قال القاضي أبو يعلى: من قذف عائشة بما برأها اللَّه منه كفر بلا خلاف، وقد حكى الإجماع على هذا غير واحد، وصرح غير واحد من الأئمة بهذا الحكم" (2).
وقال الزركشي (773 هـ): "الطاعن في عائشة رضي الله عنها بالقذف كافر إجماعا"(3). وقال ابن كثير (774 هـ): "وقد أجمع العلماء، رحمهم الله، قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية، فإنه كافر؛ لأنه معاند للقرآن"(4). وقال العراقي (806 هـ): "براءة عائشة رضي الله عنها من الإفك براءة قطعية بنص القرآن، فلو شك فيها إنسان -والعياذ باللَّه تعالى- صار كافرًا، مرتدًا، بإجماع المسلمين"(5).
وقال الحجاوي (960 هـ): "من قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها اللَّه منه: كفَر بلا خلاف"(6). وقال البهوتي (1051 هـ): "قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها اللَّه منه كفر بلا خلاف"(7).
وقال الرحيباني (1243 هـ): "قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها اللَّه منه كفر بلا خلاف"(8). وقال ابن ضويان (1353 هـ): "من قذف عائشة بما برأها اللَّه منه كفر بلا خلاف"(9).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
قال اللَّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ
(1) شرح النووي (17/ 117).
(2)
الصارم المسلول (1/ 568).
(3)
المنثور في القواعد (3/ 84).
(4)
تفسير ابن كثير (6/ 31 - 32).
(5)
طرح التثريب (8/ 69).
(6)
كشاف القناع شرح متن الإقناع (6/ 172).
(7)
دقائق أولي النهى في شرح غاية المنتهى (6/ 285).
(8)
مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (6/ 286).
(9)
منار السبيل شرح الدليل (2/ 361)، وانظر: الموسوعة الكويتية (14/ 62).
لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)} (1).
• وجه الدلالة: أن القرآن صرح ببراءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فمن شك في براءتها أو أنكر ذلك فقد شك في القرآن، فإن قوله تعالى:{يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا} يعني في قذف عائشة رضي الله عنها (2).
2 -
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى جعل الخبيثات للخبيثين، والطيبات للطيبين، فإن كانت عائشة زانية فهي خبيثة، ويقتضي ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خبيثًا -والعياذ باللَّه-، وذلك كفر (4).
3 -
أخرج البخاري ومسلم قصة الإفك وبراءة عائشة مما رميت به في
(1) سورة النور، آية (11 - 20).
(2)
انظر: تفسير ابن جرير (19/ 133)، تفسير القرطبي (12/ 205)، تفسير ابن كثير (6/ 29).
(3)
سورة النور، آية (26).
(4)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (5/ 495).
حديث طويل ولفظ مسلم فيه: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم معه، قالت عائشة فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وذلك بعد ما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه مسيرنا، حتى إذا فرغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من غزوه وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه، قالت: وكانت النساء إذ ذاك خفافًا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه، ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش، فادلج، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، وواللَّه ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته، فوطئ على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد اللَّه بن أبي ابن سلول، فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرًا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو
يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول كيف تيكم، فذاك يريبني، ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع -وهو متبرزنا- ولا نخرج إلا ليلًا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبًا من بيوتنا، وأمْرُنا أمر العرب الأول في التنزه، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح -وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب- فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قِبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلًا قد شهد بدرًا، قالت: أي هنتاه، أوَلم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضًا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي، فدخل علي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فسلم، ثم قال: كيف تيكم؟ قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي، قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فجئت أبوي فقلت لأمي يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ فقالت: يا بنية هوني عليك، فواللَّه لقلَّما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثَّرن عليها.
قالت: قلت: سبحان اللَّه، وقد تحدث الناس بهذا؟ ! قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي، ودعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود، فقال يا رسول اللَّه: هم أهلك ولا نعلم إلا خيرًا، وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق اللَّه عليك والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول اللَّه
-صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال:(أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة) قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرًا قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله، قالت: فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المنبر فاستعذر من عبد اللَّه بن أبي ابن سلول، قالت: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: (يا معشر المسلمين: من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي، فواللَّه ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي) فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه يا رسول اللَّه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت: فقام سعد بن عبادة -وهو سيد الخزرج وكان رجلًا صالحًا، ولكن اجتملته الحمية-، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر اللَّه لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال: لسعد بن عبادة كذبت، لعمر اللَّه لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج، حتى همُّوا أن يقتتلوا، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا، وسكت، قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي، قالت: فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني بشيء، قالت: فتشهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال:(أما بعد، يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك اللَّه، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري اللَّه وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب اللَّه عليه).
قالت: فلما قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما قال، فقال: واللَّه ما أدري ما أقول لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقالت: واللَّه ما أدري ما أقول لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقلت -وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن-: إني واللَّه لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم وصدقتم به، فإن قلت لكم إني بريئة واللَّه يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر واللَّه يعلم أني بريئة لتصدقونني، وإني واللَّه ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (1)، قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي، قالت: وأنا واللَّه حينئذ أعلم أني بريئة، وأن اللَّه مبرئي ببراءتي، ولكن واللَّه ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم اللَّه عز وجل في بأمر يتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني اللَّه بها، قالت: فواللَّه ما رام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل اللَّه عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخذه ما كان يأخذه من البُرحاء عند الوحي، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشات، من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فلما سُري عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال:(أبشري يا عائشة أما اللَّه فقد برأك) فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: واللَّه لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا اللَّه، هو الذي أنزل براءتي، قالت: فأنزل اللَّه عز وجل: عشر آيات فأنزل اللَّه عز وجل هؤلاء الآيات براءتي. . . الحديث (2).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم
(1) سورة يوسف، آية (18).
(2)
صحيح البخاري (رقم: 2518)، وصحيح مسلم (رقم: 2770).