الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "الأمة مجمعة على إكراه المرتد عن دينه، فمن قائل: يكره ولا يقتل، ومن قائل، يكره ويقتل"(1).
• مستند الإجماع: المسألة من حيث الدليل ظاهره فإن النصوص السابقة التي دلت على وجوب قتل المرتد، وأن المرتد إما أن يسلم أو يقتل، وكذا ما سبق في مسألة أن المرتد يضيق عليه في عيشه أيام استتابته، كل هذه تدل على أن المرتد يكره على دينه، حتى يرجع للإسلام.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[44/ 4] المسألة الرابعة والأربعون: مشروعية استتابة المرتد
.
• المراد بالمسألة: إذا ثبتت الردة شرعًا على شخص، فإنه يشرع للإمام أن يستتيبه، بأن يجعل له مدة يطلب منه أن يتوب من ردته، فإن تاب رجع للإسلام، وإن لم يتب فيطبق فيه حكم الشرع في المرتد.
ويتحصل مما سبق أن الكلام في مشروعية الاستتابة، وذلك شامل للوجوب والاستحباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "ولا أعلم بين الصحابة خلافًا في استتابة المرتد"(2). وقال النووي (676 هـ): "نقل بن القصار المالكي (3) إجماع الصحابة عليه" أي على استتابة المرتد (4).
(1) المحلى (12/ 118 - 119).
(2)
الاستذكار (7/ 154).
(3)
هو أبو الحسن، علي بن عمر بن أحمد المالكي، البغدادي، المعروف بابن القصار، تفقه بأبي بكر الأبهري، وله كتاب في مسائل الخلاف كبير، قال أبو إسحاق الشيرازي:"لا أعرف لهم كتابًا في الخلاف أحسن منه"، وقال أبو ذر الهروي:"هو أفقه من رأيت من المالكية"، قال القاضي عياض:"كان أصوليًا نظارًا"، ولي قضاء بغداد، مات سنة (397 هـ). انظر: انظر: طبقات الفقهاء 1/ 68، سير أعلام النبلاء 17/ 107، العبر في خبر من غبر 3/ 66.
(4)
شرح النووي (12/ 208).
وكذا نقل ابن حجر والشوكاني، عن ابن القصار المالكي الإجماع السكوتي من الصحابة على استتابة المرتد (1). وذكر ابن المرتضى (840 هـ) في سياق الأدلة على مشروعية الاستتابة أنه فعل الخلفاء ولم يخالفوا (2).
• مستند الإجماع: استدل لمسألة الباب بأدلة منها:
1 -
قول اللَّه تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} (3).
• وجه الدلالة: في الآية عرض التوبة على الكافرين، وهو عام يدخل فيه الاستتابة.
2 -
عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنهما "أن أمرأة يقال لها أم مروان أرتدت عن الإسلام، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليها الإسلام، فإن رجحت وإلا قتلت"(4).
3 -
عن أبي بردة قال: "أُتي أبو موسى برجل قد ارتد عن الإسلام، فدعاه عشرين ليلةً أو قريبًا منها، فجاء معاذ فدعاه، فأبى، فضرب عنقه"(5).
• وجه الدلالة من الحديثين: الحديثان صريحان باستتابة المرتد من أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول، وفعل الصحابي في الحديث الثاني.
4 -
أخرج الإمام مالك "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدم على رجل من قِبل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، فسأله عن الناس، فأخبره، ثم قال له عمر: هل كان
(1) انظر: فتح الباري (12/ 269)، نيل الأوطار (7/ 230).
(2)
انظر: البحر الزخار (6/ 257).
(3)
سورة الأنفال، آية (38).
(4)
سنن الدارقطني (3/ 118)، سنن البيهقي (8/ 203).
(5)
أخرجه أبو داود (رقم: 4356)، وروى الحديث بدون ذكر الاستتابة كما قال أبو داود بعد روايته للحديث:"ورواه عبد الملك بن عمير عن أبى بردة لم يذكر الاستتابة، ورواه ابن فضيل عن الشيبانى عن سعيد بن أبى بردة عن أبيه عن أبى موسى ولم يذكر فيه الاستتابة"، وذهب ابن حجر في فتح الباري" (12/ 275) إلى أن رواية من ذكر الاستتابة أقوى.
فيكم من مغربة خبر، فقال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، قال: فما فعلتم به، قال: قربناه فضربنا عنقه، فقال عمر: أفلا حبستموه ثلاثا، وأطعمتموه كل يوم رغيفًا، واستتبتموه؛ لعله يتوب ويراجع أمر اللَّه، ثم قال عمر: اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني" (1).
• وجه الدلالة: هذا قضاء عمر رضي الله عنه ولم يخالفه أحد من الصحابة فكان إجماعًا سكوتيا منهم على ذلك (2).
5 -
من النظر: يكون سبب ارتداد المرتد شبهة عرضت له، ففي استتابته إزالة لتلك الشبهة (3).
• المخالفون للإجماع: نقل ابن حزم عن طائفة من أهل العلم القول بأن المرتد يقتل ولا يستتاب (4).
وهو محكي عن الحسن البصري، وطاووس، وبعض السلف (5). وعن عطاء أن من وُلد مسلمًا فإنه يُستتاب، أما من أسلم ثم كفر فلا يُستتاب (6).
وعن طائفة أنه إن تاب من نفسه قبلت توبته، وإلَّا قُتل دون استتابة، وهذا القول مروي عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، حيث وإن كان يرى القتل زمانًا، فلما رأى ما يصنع الزنادقة حين يتوبون ثم يعودون قال:"أرى إذا أتيت بزنديق آمر بضرب عنقه ولا أستتيبه، فإن تاب قبل أن أقتله خليته"(7).
• دليل المخالف: من الأدلة على قتل المرتد دون استتابة:
(1) أخرجه مالك في الموطأ (1220)، وابن أبي شيبة في المصنف (6/ 584).
(2)
انظر: فتح الباري (12/ 269)، نيل الأوطار (7/ 230).
(3)
انظر: تحفة المحتاج (9/ 97).
(4)
انظر: المحلى (12/ 108 - 109).
(5)
انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 115)، البحر الزخار (6/ 206).
(6)
انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 115).
(7)
أحكام القرآن للجصاص (2/ 403).
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدل دينه فاقتلوه)(1).
• وجه الدلالة: في الحديث أمر بقتل المرتد وليس فيه ذكر الاستتابة.
2 -
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني، والآخر عن يساري، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل، فقال:(يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس-)، قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت، فقال:(لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس- إلى اليمن)، ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: انزل، وإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًا فأسلم، ثم تهوَّد، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يُقتل؛ قضاء اللَّه ورسوله، ثلاث مرات، فأمر به، فقُتل، ثم تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما: أما أنا فأقوم وأنام وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي (2).
• وجه الدلالة: أن أبا موسى ومعاذًا كانا يريان قتل المرتد، ولم يسأل أبو موسى معاذًا هل استُتيب أم لا، بل ذكر أن وجوب القتل هو قضاء اللَّه ورسوله، ووافقه أبو موسى على ذلك.
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، لثبوت الخلاف فيه عن بعض السلف.
ولذا لما ذكر شيخ الإسلام المسألة نسبها لعامة أهل العلم (3)، وكذا ابن المرتضى نسبها لأكثر أهل العلم ولم يجعلها محل إجماع (4).
(1) البخاري (رقم: 2854).
(2)
البخاري (رقم: 6525)، مسلم (رقم: 1733).
(3)
الصارم المسلول (5/ 14).
(4)
انظر: البحر الزخار (6/ 205 - 206).