الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[17/ 3] المسألة السابعة عشرة: من أُريد بظلم من الإمام أو غيره فدفع عن نفسه ذلك، فليس ذلك باغيًا
.
• المراد بالمسألة: لو أن شخصًا اعتُدي عليه بظلم، فدفع عن نفسه ذلك الظلم، فإن دفاعه مباح، ولا يعتبر باغيًا، حتى لو كان المعتدي هو الإمام.
• من نقل الإجماع: ذكر ابن حزم (456 هـ) هذا القول عن عبد اللَّه بن عمرو، وأنه لا مخالف له من الصحابة، حيث قال:"فهذا عبد اللَّه بن عمرو بن العاص بقية الصحابة وبحضرة سائرهم رضي الله عنهم يريد قتال عنبسة بن أبي سفيان عاملُ أخيه معاوية أمير المؤمنين، إذ أمره بقبض الوهط (1)، ورأى عبد اللَّه بن عمرو أن أخذه منه غير واجب، وما كان معاوية رحمه الله ليأخذ ظلمًا صراحًا، لكن أراد ذلك بوجه تأوله بلا شك، ورأى عبد اللَّه بن عمرو أن ذلك ليس بحق، ولبس السلاح للقتال، ولا مخالف له في ذلك من الصحابة رضي الله عنهم"(2).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
قول اللَّه تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
(1) يُطلق الوهط على الجماعة، والهزال، والموضع المستوي من الأرض، وجمعه وهاط، وأوهاط. والمراد بالوهط هنا -بسكون الهاء-: هي أرض كانت لعمرو بن العاص رضي الله عنه، قال ابن قتيبة في غريب الحديث:(1/ 552): "الوَهْط: وهو مالٌ كان لعمرو بن العاص بالطَّائف"، وقال الخليل في "العين" (4/ 75):"الوَهْط: المكانُ المَطْمَئن المُسْتَوي يَنْبُتُ به العِضاهُ، والسَّمُر، والطَّلْح، والعُرْفُط، والسَّلَم. . . . والوَهْطْ: ضيعة عمرو بن العاص كانت له بالطّائف"، فالمراد به هنا موضع بالطائف كان به مال لعمرو بن العاص رضي الله عنه من كَرْم وغيره. انظر: تهذيب اللغة (6/ 200)، تاج العروس، مادة:(وهط)، (20/ 189).
(2)
المحلى (11/ 335 - 336)، والأثر عن عبد اللَّه بن عمرو سيأتي ذكره في مستند الإجماع للمسألة.
بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)} (1).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى شرع قتال الفئة الباغية، دون التفريق بين سلطان وغيره (2).
2 -
النصوص الدالة على مشروعية الدفاع عن النفس، ومنها:
أ- في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يَا رسول اللَّه أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: (فلا تعطه مالك) قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله)، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (فأنت شهيد) قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (هو في النَّار)(3).
ب- عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد"(4).
وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد)(5).
• وجه الدلالة من الأحاديث: أن الشرع أثبت مشروعية الدفاع عن النفس، ولم يفرق بين الحاكم وغيره.
قال ابن حزم: "وكذلك قوله عليه السلام: (من قتل دون ماله فهو شهيد) عموم لم يخص معه سلطانًا من غيره، ولا فرق في قرآن، ولا حديث،
(1) سورة الحجرات، آية (9).
(2)
انظر: المحلى (11/ 335).
(3)
صحيح مسلم (رقم: 140).
(4)
صحيح البخاري (رقم: 2348)، وصحيح مسلم (رقم: 142).
(5)
أخرجه أحمد (3/ 190)، وأبو داود (رقم: 4772)، والترمذي (رقم: 1421)، والنسائي (رقم: 4095).
ولا إجماع، ولا قياس، بين من أريد ماله، أو أريد دمه، أو أريد فرج امرأته، أو أريد ذلك من جميع المسلمين، وفي الإطلاق على هذا هلاك الدين وأهله، وهذا لا يحل بلا خلاف" (1).
3 -
أنه مروي عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، ولم يُنكر عليه أحد من الصحابة، فقد أخرج الإمام أحمد أن معاوية رضي الله عنه أراد أن يأخذ أرضًا لعبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنه يقال لها الوهط، فأمر عبد اللَّه مواليه، فلبسوا آلتهم وأرادوا القتال، وقال: إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم يُظلم بمظلمة فيقاتِل فيُقتل إلا قتل شهيدًا)(2).
وأخرجه عبد الرزاق وابن حزم بلفظ: أرسل معاوية بن أبي سفيان إلى عامل له أن يأخذ الوهط، فبلغ ذلك عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، فلبس سلاحه هو ومواليه وغلمته وقال: إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله مظلومًا فهو شهيد)(3)
• وجه الدلالة: أن عبد اللَّه بن عمرو دافع عن نفسه ضد ولي الأمر، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، كما ذكره ابن حزم (4) فكان إجماعًا منهم.
(1) المحلى (12/ 336 - 337).
(2)
أخرجه أحمد (11/ 512)، من طريق شعبة، عن سعد بن إبراهيم، أنه سمع رجلًا، من بني مخزوم يحدث، عن عمه، أن معاوية أراد أن يأخذ أرضًا لعبد اللَّه بن عمرو. . . "، والحديث بهذا السند ضعيف لجهالة الرجل من بني مخزوم وعمه، إلا أن للحديث شواهد في الصحيحين والسنن في أن من قتل دون ماله شهيد.
(3)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (10/ 115)، وابن حزم في المحلى (11/ 335)، وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى (8/ 335) بلفظ: أن معاوية أراد أن يأخذ الوهط من عبد اللَّه بن عمرو، فأمر مواليه أن يتسلحوا، فقل له في ذلك؟ فقال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد).
(4)
انظر: المحلى (11/ 335 - 336).
• المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الإمام ليس كغيره، فلو اعتدى على أحد من رعيته فلا يجوز مدافعته، ومحاربته (1).
وذكر ابن المنذر أن هذا القول هو كالإجماع، كما نقله عنه ابن حجر حيث قال:"حكى بن المنذر عن الشافعي قال من أريد ماله، أو نفسه، أو حريمه، فله الاختيار أن يكلمه، أو يستغيث، فإن منع أو أمتنع لم يكن له قتاله، وإلا فله أن يدفعه عن ذلك، ولو أتى على نفسه، وليس عليه عقل، ولا دية، ولا كفارة، لكن ليس له عمد قتله، قال ابن المنذر: والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر، إذا أريد ظلمًا، بغير تفصيل، إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان؛ للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره، وترك القيام عليه"(2).
• دليل المخالف: يدل على عدم مدافعة الإمام ومحاربته وإن بغى ما يلي:
1 -
عموم النصوص الدالة على وجوب طاعة ولي الأمر: ومنها:
أ- عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كره من أميره شيئًا فليصبر؛ فإنه من خرج من السلطان شبرًا، مات ميتة جاهلية)(3).
ب- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من اللَّه فيه برهان"(4).
(1) انظر: المحلى (11/ 335).
(2)
فتح الباري (5/ 124).
(3)
صحيح البخاري (رقم: 6645)، وصحيح مسلم (رقم: 1849).
(4)
صحيح البخاري (رقم: 6647)، وصحيح مسلم (رقم: 1709).
ج- في صحيح مسلم أن سلمة بن يزيد الجعفي (1) سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي اللَّه أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأعرَض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم سأله -في الثانية أو في الثالثة-، فجذبه الأشعث بن قيس فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(اسمعوا وأطيعوا؛ فإنما عليهم ما حُمِّلوا، وعليكم ما حُمِّلتم)(2).
د- عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول اللَّه إنا كنا بشر فجاء اللَّه بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال:(نعم)، قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: (نعم)، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: (نعم)، قلت: كيف؟ قال: (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس)، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول اللَّه إن أدركت ذلك؟ قال: (تسمع، وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك فاسمع وأطع)(3).
هـ- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك)(4).
والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
(1) هو سلمة بن يزيد بن مشجعة بن المجمع بن مالك بن كعب بن سعد بن عوف بن حريم بن جعفي الجعفي، وقيل: اسمه: يزيد بن سلمة، والأول أصح، نزيل الكوفة، صحابي، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وحدث عنه، وقد هو وأخوه لأمه قيس بن سلمة بن شراحيل، فأسلما، واستعمل النبي صلى الله عليه وسلم قيسًا علي بني مروان وكتب له كتابًا. انظر: الطبقات الكبرى 6/ 30، الإصابة 3/ 156، تهذيب التهذيب 4/ 142.
(2)
صحيح مسلم، كتاب: الإمارة، باب: طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق، (رقم: 1648).
(3)
صحيح مسلم (رقم: 1847)، وأخرج البخاري أصل الحديث (رقم: 3411).
(4)
صحيح مسلم، كتاب: الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية، (رقم: 1836).