الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
ما روي عن أبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما أنهما قالا: "إذا سرق السارق فاقطعوا يده من الكوع"، ولا مخالف لهما في الصحابة (1).
3 -
إجماع أهل العلم على أن الواجب في القطع هو اليد اليمنى حيث نقل الإجماع ابن عبد البر (2)، وأبو بكر الجصاص (3)، وابن قدامة (4)، وشمس الدين ابن قدامة (5)، والقرطبي (6)، والنووي (7)، وابن هبيرة (8)، وابن تيمية (9)، وابن كثير (10)، وغيرهم (11).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[98/ 1] المسألة الثامنة والتسعون: لا يزاد على قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في حد السرقة
.
• المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد فقطعت يده اليمنى، ثم سرق أُخرى ما يوجب الحد فقطعت رجله اليسري، فإذا سرق ثالثة
(1) قال ابن الملقن في "البدر المنير"(8/ 685): "هذا غريب عنهما"، وقال ابن حجر في "تلخيص الحبير" (4/ 132):"لم أجده عنهما".
(2)
الاستذكار (7/ 546).
(3)
أحكام القرآن (2/ 583).
(4)
المغني (9/ 105).
(5)
الشرح الكبير (10/ 291).
(6)
تفسير القرطبي (6/ 172).
(7)
شرح النووي (11/ 185).
(8)
الإفصاح (2/ 213).
(9)
مجموع الفتاوى (28/ 329).
(10)
تفسير ابن كثير (2/ 107).
(11)
انظر: المبدع شرح المقنع (9/ 140)، دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (3/ 378)، فتح الباري (12/ 97)، مغني المحتاج (5/ 494)، شرح مختصر خليل (8/ 92)، حاشية الروض المربع (7/ 373)، سبل السلام (2/ 440).
وقد سبق ذكر هذه الإجماعات في المسألة الحادية والتسعون تحت عنوان: "حد السارق قطع يده اليمنى".
ما يوجب الحد فإنه لا قطع عليه، ولكن يعزر بضرب أو حبس أو نحوه من العقوبات التعزيرية.
• من نقل الإجماع: قال ابن أبي شيبة (235 هـ): "كان علي يقول في السارق إذا سرق: قُطعت يده، فإن عاد قُطعت رجله، فإن عاد استودعته السجن. وعن سماك عن بعض أصحابه: أن عمر استشارهم في سارق، فأجمعوا على مثل قول علي"(1). وقال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "وهذا -أي أثر ابن أبي شيبة- يقتضي أن يكون ذلك إجماعًا لا يسع خلافه؛ لأن الذين يستشيرهم عمر هم الذين ينعقد بهم الإجماع"(2).
وقال ابن فراموز (885 هـ)(3): "تقطع يمين السارق. . ثم رجله اليسرى إن عاد، فإن عاد لا -أي لا يقطع-، وحبس حتى يتوب، وعزر أيضًا، وقال الشافعي يقطع في الثالثة يده اليسرى وفي الرابعة رجله اليمنى. . . ولنا: إجماع الصحابة"(4). وقال الكاساني (587 هـ): "روي أن سيدنا عمر رضي الله عنه أتي بسارق أقطع اليد والرجل، قد سرق نعالًا، يقال له سدوم، وأراد أن يقطعه فقال له سيدنا علي رضي الله عنه: إنما عليه قطع يد ورجل فحبسه سيدنا عمر رضي الله عنه ولم يقطعه، وسيدنا عمر وسيدنا علي رضي الله عنهما لم يزيدا في القطع على قطع اليد اليمنى، والرجل اليسرى، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، ولم
(1) مصنف ابن أبي شيبة (6/ 485)، باختصار يسير.
(2)
أحكام القرآن (2/ 594).
(3)
هو القاضي محمد بن فراموز بن علي، المشهور بمنْلا خسرو، أو ملا خسرو، أو المولى خسرو، فقيه، أصولي، متبحر، حنفي، رومي الأصل، ولي قضاء قسطنطينية، وعمر بها المساجد، وتوفي بها، من تصانيفه:"درر الحكام في شرح غرر الأحكام"، و"مرقاة الوصول في علم الأصول"، و"حاشية على التلويح"، مات سنة (885 هـ). انظر: شذرات الذهب 7/ 342، طبقات المفسرين 347، معجم المؤلفين 11/ 122.
(4)
درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 82).
ينقل أنه أنكر عليهما منكر؛ فيكون إجماعا من الصحابة رضي الله عنهم.
ولنا أيضًا: دلالة الإجماع، وهي أنا أجمعنا على أن اليد اليمنى إذا كانت مقطوعة لا يعدل إلى اليد اليسرى، بل إلى الرجل اليسرى، ولو كان لليد اليسرى مدخلًا في القطع لكان لا يعدل إلا إليها؛ لأنها منصوص عليها، ولا يعدل عن المنصوص عليه إلى غيره فدل العدول إلى الرجل اليسرى لا إليها على أنه لا مدخل لها في القطع بالسرقة أصلًا" (1).
وقال دامان (1078 هـ): "إن سرق ثالثًا أو رابعًا لا تقطع اليد اليسرى، والرجل اليمنى عندنا، بل يحبس حتى يتوب. . . وعند الشافعي يقطع في الثالث يده اليسرى، وفي الرابع رجله اليمنى. . . ولنا: الإجماع؛ لأن عليًّا رضي اللَّه تعالى عنه قال: "إني لأستحيي أن لا أدع له يدًا يبطش بها ورجلًا يمشي عليها"، وبهذا حاج بقية الصحابة فحجهم، أي غلبهم، فانعقد إجماعًا"(2).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (3).
• وجه الدلالة: أنه جاء بيان المراد بأيديهما أي، اليمين، حيث كان ابن مسعود يقرأها:"والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما"(4)، فلا يجوز الزيادة عليه إلا بنص صريح صحيح، ولم يرد في ذلك شيء، وفي العدول عن قطع اليد اليسرى إلى الرجل اليسرى في السرقة الثانية دليل على أنها لا تقطع أصلًا، لأن الآية نصت على اليدين، فالعدول عن نص الآية إلى الرجل اليسرى دليل
(1) بدائع الصنائع (7/ 86).
(2)
مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 623 - 624).
(3)
سورة المائدة، آية (38).
(4)
انظر: تفسير ابن جرير (10/ 294)، تفسير اين كثير (2/ 107).
على أنها لا تُقطع (1).
2 -
أنه مروي عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، بل حكي عليه إجماع الصحابة، كما سبق، ويؤيده ما نقله ابن حزم عن الزهري أنه قال:"فلم يبلغنا في السنة إلا قطع اليد والرجل، لا يزاد على ذلك"(2).
3 -
لأن في قطع اليدين تفويت منفعة الجنس، ولو جاز قطع اليدين لقطعت اليسرى في المرة الثانية؛ لأنها آلة البطش كاليمنى، وإنما لم تقطع للمفسدة في قطعها؛ لأن ذلك بمنزلة الإهلاك، إذ لا يمكنه أن يتوضأ، أو يغتسل، أو يستنجي، أو يحترز من نجاسة، ولا يزيلها عنه، أو يدافع عن نفسه، أو يأكل أو، غير ذلك من الأعمال التي قد يكون حث الشرع على فعلها فضلا عن حاجة العبد إليها، وهذه المفسدة حاصلة بقطعها في المرة الثالثة، فوجب أن يمنع من قطعها، كما منع في المرة الثانية (3).
4 -
أنه لو جاز قطع اليدين لقطعت اليسرى في المرة الثانية، لأنها آلة البطش كاليمنى، وحينما لم تقطع في الثانية دل على أنها لا تقطع في الثالثة كذلك (4).
5 -
أن المحارب مع عِظم جرمه فإنه لا يزاد على قطع إحدى يديه ورجليه، ولا تقطِع كلتا يديه، وإذا كان هذا في المحارب فالسارق من باب أولى، لأن فعله أخف من فعل الحرابة (5).
6 -
أن السرقة في الثالثة نادرة الوقوع، فلا يسرق ويده ورجله مقطوعتان إلا
(1) انظر: أحكام القرآن للجصاص (2/ 593)، بدائع الصنائع (7/ 86).
(2)
المحلى (12/ 351).
(3)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 86)، المغني (9/ 109 - 110).
(4)
انظر: أحكام القرآن للجصاص (2/ 594)، بدائع الصنائع (7/ 86).
(5)
أحكام القرآن للجصاص (2/ 594).
نادرًا، والحد لا يُشرع إلا فيما يغلب وقوع، لأن مقصوده هو الزجر، وذلك يكون فيما يكثر وقوعه ويُخاف منه لا في النادر (1).
• المخالفون للإجماع: التحقيق أن القول بأن السارق لا يزاد على قطع يده ورجله هو مذهب الحنفية (2)، والحنابلة (3)، وهو مروي عن جماعة من السلف كعمر بن الخطاب، وعلي ابن أبي طالب، والحسن، والنخعي، والشعبي، والزهري، وحماد، والثوري (4).
والمسألة محل خلاف مشهور بين أهل العلم، فذهب جماعة من أهل العلم إلى أن السارق تقطع يده اليسرى في الثالثة، ورجله اليمنى في الرابعة، وهو مذهب المالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة في رواية (7)، وهو مروي عن أبي بكر، وعمر، وقتادة، وأبي ثور، وابن المنذر (8).
وذهب ربيعة وابن حزم وبعض أصحاب داود إلى أنه لا تقطع الرجل أصلًا، وإنما تقطع اليدان، وعن عطاء إنه لا تقطع إلا يده اليمنى فقط، كما سبق الإشارة إليه (9).
(1) انظر: تبيين الحقائق (3/ 218).
(2)
انظر: فتح القدير (5/ 395)، تبيين الحقائق (3/ 225)، البحر الرائق (5/ 66).
(3)
انظر: المغني (9/ 109 - 110)، الإنصاف (10/ 285 - 286)، دقائق أولي النهى (3/ 379).
(4)
انظر: المغني (9/ 109 - 110).
(5)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (7/ 167)، حاشية الدسوقي (4/ 332 - 333)، الفواكه الدواني (2/ 214).
(6)
انظر: تحفة المحتاج (9/ 155)، مغني المحتاج (5/ 494)، نهاية المحتاج (7/ 466).
(7)
انظر: المغني (109/ 9 - 110)، الإنصاف (10/ 285 - 286).
(8)
انظر: المغني (9/ 109 - 110).
(9)
انظر: المسألة الخامسة والتسعون تحت عنوان: "قطْعُ الرِّجْل في حد السرقة يكون من مفصل الكعب"، والمسألة السادسة والتسعون تحت عنوان:"من سرق مرة ثانية بعد قطع يده فحده قطع رجله اليسرى".
• دليل المخالف: استدل القائلون بقطع اليد اليسرى في السرقة الثالثة بما يلي:
1 -
قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (1).
• وجه الدلالة: الآية عامة في اليدين، وجاءت على سبيل التثنية لليدين، فتشمل اليد اليمين واليسار، وقد تقرر قطع الرجل في السرقة الثانية، فبقي أن اليد اليسار تقطع في السرقة الثالثة.
2 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال في السارق: (إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله، ثم إن سرق فاقطعوا يده، ثم إن سرق فاقطعوا رجله)(2).
3 -
فعل الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، حيث فعله أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وهما من الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم:(عليكم بسنتي وسنة الخفاء الراشدين المهديين من بعدي)(3).
(1) سورة المائدة، آية (38).
(2)
البيهقي في معرفة السنن والآثار (12/ 411)، الدارقطني (3/ 178).
(3)
أخرجه أحمد (28/ 367)، وأبو داود (رقم: 4607)، والترمذي (رقم: 2676)، وابن ماجة (رقم: 42)، قال الترمذي:"حديث حسن صحيح"، وصححه الحاكم فقال:"هذا حديث صحيح ليس له علة، ووافقه الذهبي، كما في "المستدرك" (1/ 174). وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (258): "قال الحافظ أبو نعيم: هو حديث جيد من صحيح حديث الشاميين، قال: ولم يتركه البخاري ومسلمٌ من جهة إنكارٍ منهما له، وزعم الحاكمُ أنَّ سببَ تركهما له أنَّهما توهّما أنَّه ليس له راوِ عن خالد بن معدان غيرَ ثور بن يزيد، وقد رواه عنه أيضًا بحير بن سعد ومحمد بن إبراهيم التيمي وغيرهما.
قلتُ: ليس الأمرُ كما ظنَّه، وليس الحديثُ على شرطهما، فإنَّهما لم يخرِّجا لعبد الرحمن بن عمرو السُّلمي ولا لحُجْرٍ الكلاعي شيئًا، وليسا ممَّن اشتهر بالعلم والرواية". وفي الباب أحاديث مرفوعة لكنها لا تخلو من مقال، ولا يثبت منها شيء، ولذا أعرضت عن ذكرها.