الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
أن النصوص الشرعية مستفيضة بوجوب اتباع دين الإسلام، واتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وترك ما سوى ذلك.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[100/ 4] المسألة المائة: من استحل الخمر قُتل
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الخمر لغةً واصطلاحًا:
الخمر لغة: والخمر لفظ يُذكر ويؤنث، فيقال: هو الخمر، وهي الخمر، والتأنيث أشهر (1)، أصل هذه المادة بمعنى التغطية والمخالطة، قال ابن فارس:"الخاء والميم والراء أصلٌ واحد يدلُّ على التغطية، والمخالطةِ في سَتْر"(2).
ومنه الخمار: وهو ما يُغطي وجه المرأة، والمخامرة، ومنه أيضًا: يُقال: رجل خَمر: أي خالطه داء.
والخمر: كل ما أسكر العقل، وقيل: هو ما أسكر من عصير العنب خاصة، قال الفيروزآبادي:"الخمر: ما أسكر من عصير العنب، أو عام، والعموم أصح"(3).
سميت الخمر خمرًا؛ لأنها تخامر العقل، أي تخالطه، وتُخمِّره: أي تغطيه وتستره (4).
الخمر اصطلاحًا: اختلف الفقهاء في حقيقة الخمر الشرعية، بناء على اختلافهم في حقيقتها اللغوية، على قولين:
القول الأول: أن الخمر هو اسم للنيء من ماء العنب إذا صار مسكرًا، وذلك
(1) انظر: القاموس المحيط، فصل الخاء، (1/ 495)، لسان العرب، مادة:(خمر)، (4/ 254).
(2)
مقاييس اللغة (2/ 215).
(3)
القاموس المحيط، فصل الخاء، (1/ 495).
(4)
انظر: الصحاح (3/ 213)، تهذيب الأسماء واللغات (3/ 93)، تهذيب اللغة (7/ 162).
إذا غلا واشتد وقذف بالزبد، وهو مذهب الحنفية (1)، وبه قال بعض الشافعية (2).
القول الثاني: أن الخمر هو كل ما أسكر من كل شراب، سواء أكان من عصير العنب، أو البلح، أو الزبيب، أو القمح، أو الشعير، أو الأرز، وغيره، سواء أسكر قليله أو كثيره، وهو مذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة، وابن حزم (3).
• ثمرة الخلاف بين القولين: هذا الخلاف له أثر كبير، فالحنفية فرقوا بين الخمر والمسكر، فالخمر يُحد بشرب القدر المسكر منها وغير المسكر، وهو خاص بعصير العنب، وأما ما عداها من الأشربة فلا يُحد إلا بشرب القدر المسكر منها.
أما الجمهور فلم يذهبوا إلى هذه التفرقة، فما أسكر كثيره، فالقليل منه حرام، ويجب به الحد.
• الترجيح: يظهر -واللَّه أعلم- أن قول الجمهور هو الصواب، لعموم حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام)(4).
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت عمر رضي الله عنه على منبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أما بعد، أيها الناس: إنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة، من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل"(5).
(1) انظر: بدائع الصنائع (5/ 112)، تبيين الحقائق (6/ 44)، مجمع الأنهر (2/ 569).
ونسب أبو بكر الجصاص هذا القول في "أحكام القرآن"(1/ 443) للجمهور الأعظم من الفقهاء، وما قاله يحتاج لتحقيق، فإن مذهب الجمهور هو على خلاف ذلك القول.
(2)
انظر: حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 83)، مغني المحتاج (4/ 186).
(3)
انظر: المنتقى شرح الموطأ (3/ 147)، حاشية الخرشي (8/ 342)، مغني المحتاج (5/ 515)، الأحكام السلطانية (284)، الفروع (6/ 99)، الإنصاف (10/ 228)، المحلى:(6/ 176).
(4)
صحيح مسلم (رقم: 203).
(5)
صحيح البخاري (رقم: 4343)، وصحيح مسلم (رقم: 3032).
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: "نزل تحريم الخمر، وإن في المدينة يومئذ لخمسة أشربة، ما فيها شراب العنب"(1).
• ثانيًا: صورة المسألة: مما هو مستقر في نصوص الشرع تحريم الخمر، فمن استحله فقد استحل ما حرمه اللَّه تعالى ورسوله وأجمعت عليه الأمة، فيحكم بقتله ردة إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع، إلا إن تاب من ذلك وأقر بتحريمه.
• من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمعوا أن مستحل خمر العنب المسكر كافر، راد على اللَّه عز وجل خبره في كتابه، مرتد، يستتاب، فإن تاب ورجع عن قوله، وإلا استبيح دمه"(2). وقال ابن تيمية (728 هـ): "لمَّا شرب الخمر بعض الصحابة مجموع واعتقدوا أنها تحل للخاصة تأول قوله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)} (3)، اتفق الصحابة مثل عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وغيرهما، على أنهم إن أقروا بالتحريم جُلدوا، وإن أصروا على استحلال قتلوا"(4).
ويمكن أن يضاف إلى هذا نقل الإجماع على كفر مستحل الخمر: قال عبد القاهر البغدادي (429 هـ): "وقد أجمع فقهاء الأمة على تكفير من أنكر حد الخمر"(5). ونقل ابن حزم (456 هـ) الاتفاق على كفر مستحل الخمر (6).
وقال القاضي عياض (544 هـ): "أجمع المسلمون على تكفير كل من استحل القتل أو شرب الخمر أو الزنا مما حرم اللَّه بعد علمه بتحريمه"(7).
(1) صحيح البخاري (رقم: 4340).
(2)
التمهيد (1/ 142).
(3)
سورة المائدة، آية (93).
(4)
مجموع الفتاوى (12/ 499)، وانظر:(11/ 405).
(5)
الفرق بين الفرق (153).
(6)
انظر: مراتب الإجماع (223).
(7)
الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 287)، وانظر: البحر الزخار (1/ 88).
وقال العيني (855 هـ): "لو اعتقد حل بعض المحرمات المعلومة من الدين ضرورة كالخمر كفر بلا خلاف"(1).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن الشريعة قد بيَّنت تحريم الخمر حتى صار تحريمه مما هو معلوم من الدين بالضرورة، فمن الأدلة على ذلك:
1 -
قول اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)} (2).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى بين أن الخمر رجس وأنه من عمل الشيطان، وأمر باجتنابه (3).
2 -
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى بيَّن أن في الخمر إثم، والإثم محرم كما صرح اللَّه به فى قوله:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)} (5).
3 -
عن أنس رضي الله عنه قال: كنت ساقي القوم فى منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ (6)، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مناديًا ينادي:"ألا أن الخمر قد حُرمت"، فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة، فقال بعض القوم: قد قتل قوم وهي في بطونهم، فأنزل اللَّه:
(1) عمدة القاري (1/ 204).
(2)
سورة المائدة، آية (90).
(3)
انظر: فتح الباري (10/ 31).
(4)
سورة البقرة، آية (219).
(5)
سورة الأعراف، آية (33).
(6)
قال الجرجاني في "التعريفات"(1/ 53): "الفضيخ: هو أن يجعل التمر في إناء، ثم يصب عليه الماء الحار، فيستخرج حلاوته ثم يغلى ويشتد".
4 -
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت عمر رضي الله عنه على منبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أما بعد، أيها الناس: إنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل"(3).
5 -
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "نزل تحريم الخمر، وإن في المدينة يومئذٍ لخمسة أشربة، ما فيها شراب العنب"(4).
6 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا أهدى لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم راوية (5) خمر، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(هل علمت أن اللَّه قد حرمها)، قال: لا، فسار إنسانًا، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(بم ساررته)؟ فقال. أمرته ببيعها، فقال:(إن الذي حرم شربها حرم بيعها)، قال: فَفَتح المزادة حتى ذهب ما فيها (6).
7 -
عن جابر رضي الله عنه: أن رجلا قدم من جيشان -وجيشان من اليمن- فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة، يقال له المِزْر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أوَمسكر هو)؟ قال: نعم، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(كل مسكر حرام، إن على اللَّه عز وجل عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)، قالوا: يا رسول اللَّه وما طينة الخبال؟ قال: (عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار)(7).
(1) سورة المائدة، آية (93).
(2)
صحيح البخاري 2332)، وصحيح مسلم، (رقم: 1980).
(3)
البخاري (رقم: 4343)، مسلم (رقم: 3032).
(4)
البخاري (رقم: 4340).
(5)
الراوية: وعاء يكون فيه الماء. انظر: تاج العروس (38/ 139)، المعجم الوسيط (1/ 384).
(6)
صحيح مسلم (رقم: 1579).
(7)
صحيح مسلم (رقم: 2002).