الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث الأصل في مشروعية حد السرقة
قطع يد السارق كان معمولًا به في الجاهلية، وكان أول من حَكَمَ به في الجاهلية الوليد ابن المغيرة (1).
فأقر اللَّه تعالى ذلك الحكم في الإسلام، وأمر به، وحذّر من التهاون فيه.
وكان أول سارق قطع من الرجال في الإسلام الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف (2).
أما من النساء فمُرَّة بنت سفيان بن عبد الأسد من بني مخزوم (3)(4).
والأصل في مشروعية حد السرقة الكتاب والسنة والإجماع:
• أولًا: من الكتاب: يدل على حد السرقة من الكتاب قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (5).
(1) هو أبو عبد شمس، الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو ابن مخزوم، من قضاة العرب في الجاهلية، ومن زعماء قريش، ومن زنادقتها، يقال له "العدل" لأنه كان عدل قريش كلها: كانت قريش تكسو "البيت" جميعها، والوليد يكسوه وحده، وهو والد سيف اللَّه خالد بن الوليد، كان ممن حرم الخمر في الجاهلية، وضرب ابنه هشامًا على شربها، أدرك الإسلام وهو شيخ هرم، فعاداه وقاوم دعوته، ولد سنة (95) قبل الهجرة توفي سنة (1) هـ. انظر: الكامل في التاريخ 2/ 26، الأعلام 8/ 122.
(2)
بكسر الخاء من الخيار، رجل من قريش ليس له ترجمة، له ابن اسمه عدي، قتل كافرًا، قبل الفتح، وله حفيد مختلف في صحبته اسمه عبيد اللَّه بن عدي بن الخيار، وآخر اسمه عبد الرحمن. انظر: تاريخ دمشق 38/ 45، الإصابة 5/ 44، الطبقات لابن خياط 1/ 231.
(3)
لم أجد لها ترجمة في كتب التراجم، أو السير، أو غيرهما، وإنما يذكرونها باسمها وأنها أول من قطع من النساء في الجاهلية.
(4)
انظر: الحاوي الكبير للماوردي (13/ 266)، تفسير القرطبي (6/ 160)، تفسير ابن كثير (3/ 107).
(5)
سورة المائدة، آية (38).
• ثانيًا: من السنة:
1 -
عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: "أن قريشًا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد (1) حب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأتي بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلون وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: (أتشفع في حد من حدود اللَّه)؟ فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول اللَّه، فلما كان العشي، قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فاختطب فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: (أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها" متفق عليه (2).
2 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقطع السارق في ربع دينار فصاعدًا" متفق عليه (3). وفي لفظ لمسلم (4) أيضًا عن عائشة رضي اللَّه
(1) هو أبو زيد، وقيل أبو محمد، أمامة بن زيد بن حارثة، حِب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ومولاه وابن مولاه، كان أسود البشرة، خفيف الروح، شجاعًا، رباه النبي صلى الله عليه وسلم، وأحبه، وقد اختلف في سنه يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: ابن عشرين، وقيل: ابن تسع عشرة، وقيل: ابن ثماني عشرة، كان ممن اعتزل الفتنة بعد موت عثمان، مات في آخر خلافة معاوية، سنة (54 هـ). انظر: الطبقات لابن سعد 4/ 61، أسد الغابة لابن حجر 1/ 79، الإصابة 1/ 49.
(2)
صحيح البخاري (رقم: 3288)، وصحيح مسلم (رقم: 1688).
(3)
صحيح البخاري (رقم: 647)، وصحيح مسلم (رقم: 1684).
(4)
هو أبو الحسين، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، النيسابوري، إمام، محدث، حافظ، من كتبه:"الصحيح"، وهو من أصح الكتب المصنفة في الحديث، كما قال أبو علي النيسابوري:"ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم" و"التمييز"، و"الكنى" وغيرها، ولد سنة (204 هـ)، وتوفي سنة (261 هـ). انظر: تاريخ بغداد (13/ 100)، الكاشف للذهبي (2/ 258)، تهذيب التهذيب (10/ 126).
عنها عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا)(1).
3 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن (2) قيمته ثلاثة دراهم" متفق عليه (3).
4 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه (4) عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن اللَّه السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده) متفق عليه (5).
والأدلة في هذا الباب كثيرة جدًا، سيأتي جملة منها فيما يأتي من هذا الباب.
ثالثًا: الإجماع: أجمع أهل العلم على وجوب حد السرقة، على خلاف بينهم في الضابط الذي يعتبر السارق فيه ممن يجب عليه الحد، وقد نقل الإجماع جماعة من أهل العلم منهم ابن حزم حيث قال:"وجب القطع في السرقة بنص القرآن، ونص السنة، وإجماع الأمة"(6).
(1) صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب: حد السرقة ونصابها، (رقم: 1684).
(2)
المجن: هو ما يستتر به الشخص في المعارك، ويقال له: التُّرس. انظر: المخصص، كتاب: السلاح (2/ 47)، لسان العرب، مادة:(مجن)(13/ 400).
(3)
صحيح البخاري (رقم: 6411)، صحيح مسلم (رقم: 1686).
(4)
هو الصحابي الإمام الحافظ محدث الإسلام الدوسي اليماني، اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافًا كثيرًا، على أكثر من ثلاثين قولًا، وأصح الأقوال أنه عبد الرحمن بن صخر، أكثر أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تحديثًا عنه، كان مقدمه وإسلامه في أول سنة سبع عام خيبر، صحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أربع سنين، ولي إمرة المدينة، وكان أكثر الصحابة حفظا للحديث، بلغ مسنده خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثًا، اتفق الشيخان على ستة وعشرين وثلاثمائة منها، وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين حديثًا، ومسلم بثمانية وتسعين حديثًا. انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 4/ 325، سير أعلام النبلاء 2/ 578، الإصابة 7/ 425.
(5)
صحيح البخاري، (رقم: 6401)، صحيح مسلم (رقم: 1687).
(6)
المحلى (12/ 300).
وقال أبو الوليد الباجي (1): "وبه قال جماعة العلماء"(2). وقال القرطبي: "لا خلاف فيه"(3). وقال النووي: "أجمع المسلمون على قطع السارق في الجملة وإن اختلفوا في فروع منه"(4). وقال ابن قدامة: "أجمع المسلمون على وجوب قطع السارق في الجملة"(5). وقال العراقي: "وجوب قطع السارق في الجملة، وهو مجمع عليه"(6).
وإجماعات أهل العلم في بعض مسائل السرقة التي سترد في هذا الباب، تدخل في الإجماع على وجوب الحد في السرقة من حيث العموم.
(1) هو أبو الوليد، سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب التجيبي، القرطبي، الفقيه، الأصولي، المفسر، المتكلم، الأديب، الشاعر، برع في الحديث وعلله ورجاله، والفقه وغوامضه، والكلام ومضايقه، له مصنفات كثيرة منها:"شرح الموطأ"، و"الجرح والتعديل"، و"تفسير القرآن"، ولد سنة (403 هـ)، ومات سنة (474 هـ). انظر: طبقات المفسرين للسيوطي 1/ 41، فوات الوفيات 2/ 62، سير أعلام النبلاء 18/ 536.
(2)
المنتقى شرح الموطأ للباجي (7/ 156).
(3)
تفسير القرطبي (6/ 160).
(4)
شرح النووي (11/ 181).
(5)
المغني (9/ 93).
(6)
طرح التثريب للعراقي (8/ 23).