الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
أن الإفساد حاصل بكل نوع من أنواع القتل والسلب، وكما أن من قاتل المسلمين من الكفار بأي نوع كان من أنواع القتال فهو حربي، ومن قاتل الكفار من المسلمين بسيف، أو رمح، أو سمهم، أو حجارة، أو عصي، فهو مجاهد في سبيل اللَّه، فكذا المحارب إذا قاتل بأي نوع من السلاح فهو محارب عليه حد الحرابة (1).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لخلاف ابن حزم، وابن تيمية، والحنفية في رواية، وجماعة من الفقهاء.
بل نسب ابن تيمية القول بعدم اشتراط حمل السلاح للجمهور، فقال:"ولو حاربوا بالعصي والحجارة المقذوفة بالأيدي، أو المقاليع ونحوها، فهم محاربون أيضًا، وقد حكي عن بعض الفقهاء لا محاربة إلا بالمحدد، وحكى بعضهم الإجماع على أن المحاربة تكون بالمحدد والمثقل، وسواء كان فيه خلاف أو لم يكن، فالصواب الذي عليه جماهير المسلمين: أن من قاتل على أخذ المال بأي نوع كان من أنواع القتال فهو محارب قاطع"(2)، واللَّه تعالى أعلم.
[32/ 2] المسألة الثانية والثلاثون: من قُتل من المحاربين كان دمه هدرًا
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الهدر: قال ابن فارس: "الهاء والدال والراء يدلُّ على سقوطِ شيء وإسقاطه، وعلى جنسٍ من الصَّوت، وهَدَرَ السُّلطانُ دمَ فلانٍ هَدْرًا: أباحَه، وبنو فلان هَدَرَةٌ: أي ساقطون"(3).
وقال الأزهري: "الهدْر: ما يبطل، تقول: هدَر دمه يهدِر هَدَارًا، وأهدرْته أنا إهدارًا"(4).
وهذا المعنى اللغوي هو المراد به في المعنى الاصطلاحي؛ إذ المراد بالهدر في المسألة أن دم المحارب مباح، والدية فيه ساقطة لا شيء فيها.
(1) انظر: مجموع الفتاوى (28/ 316).
(2)
مجموع الفتاوى (28/ 316).
(3)
مقاييس اللغة (6/ 39).
(4)
تهذيب اللغة (6/ 107).
• ثانيًا: صورة المسألة: إذا صال قطاع الطريق المكلَّف على شخص ولم يستطع الدفع إلا بالقتل، فإن دم القاطع الطريق حال الحرابة هدر، لا قود فيه ولا دية.
ويتبين مما سبق أنه الصائل لو كان غير مكلَّف، أو كان مكلفًا لكن قتْله كان بعد فعل الحرابة أو قبلها، فكل ذلك غير مراد.
• من نقل الإجماع: قال أبو بكر الجصاص (370 هـ): "لا نعلم خلافًا أن رجلًا لو شهر سيفه على رجل ليقتله بغير حق أن على المسلمين قتله"(1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "أجمع المسلمون على جواز مقاتلة قطاع الطريق. . . فالقطاع إذا طلبوا مال المعصوم لم يجب عليه أن يعطيهم شيئًا باتفاق الأئمة، بل يدفعهم بالأسهل فالأسهل، فإن لم يندفعوا إلا بالقتال فله أن يقاتلهم، فإن قتل كان شهيدًا، وإن قتل واحدًا منهم على هذا الوجه كان دمه هدرًا، وكذلك إذا طلبوا دمه كان له أن يدفعهم ولو بالقتل إجماعًا"(2).
وقال الصنعاني (1182 هـ): "الإجماع على أن من شهر على آخر سلاحًا لقتله فدفع عن نفسه، فقتل الشاهر أنه لا شيء عليه"(3).
• مستند الإجماع: يدل على إهدار دم المحارب الصائل على النفس والعرض:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: (فلا تعطه مالك) قال: أَرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله)، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (فأنت شهيد) قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (هو في النار)(4).
2 -
عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل دون ماله
(1) أحكام القرآن (2/ 564).
(2)
الفتاوى الكبرى (3/ 255 - 256)، وانظر: مجموع الفتاوى (6/ 387).
(3)
سبل السلام (2/ 380).
(4)
مسلم (رقم: 140).
فهو شهيد" (1).
وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد)(2).
• وجه الدلالة من الحديثين: أن المحارب صائل، وقد دل الحديثين أن للإنسان دفع الصائل ولو بمقاتلته، وأنه إن قُتل فهو شهيد.
3 -
عن عبد اللَّه بن الزبير رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (من شهر سيفه ثم وضعه فدمه هدر)(3).
4 -
عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حمل علينا السلاح فليس منا)(4).
• وجه الدلالة من الحديثين: فيه تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بأن حمل السلاح فإنه ليس من فعل المسلمين، وأن دمه هدر.
(1) البخاري (رقم: 2348)، مسلم (رقم: 142).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 190)، وأبو داود (رقم: 4772)، والترمذي (رقم: 1421)، والنسائي (رقم: 4095).
(3)
أخرجه النسائي (رقم: 4097)، وأخرجه موقوفًا (رقم: 4099).
وقد اختلف أهل العلم في رفع الحديث ووقفه، فصححه الحاكم مرفوعًا، حيث قال في "المستدرك" (2/ 171):"حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وقال ابن حزم في المحلى (12/ 282) بعد ذكر روايات الحديث المرفوعة والموقوفة:"هذا كله حق، وآثار صحاح، لا يضرها إيقاف من أوقفها".
وقال ابن المديني في الرواية المرفوعة: "منكر ضعيف" كما نقله عنه ابن حجر في تهذيب التهذيب (8/ 257)، وصحح جماعة الحديث موقوفًا منهم البخاري، كما في "علل الترمذي الكبير"(237)، والألباني في تعليقه على "سنن النسائي"(7/ 117)، وصحيح الجامع الصغير (2/ 1083).
(4)
صحيح البخاري (رقم: 6659)، وصحيح مسلم (رقم: 100).