الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• المخالفون للإجماع: خالف الظاهرية في مسألة الباب وذهبوا إلى أن الحد لا يدرأ بالشبهات، وهذا هو مذهب الظاهرية، كما بينه ابن حزم فقال: "ذهب قوم إلى أن الحدود تدرأ بالشبهات، فأشدهم قولًا بها واستعمالًا لها أبو حنيفة وأصحابه، ثم المالكيون، ثم الشافعيون.
وذهب أصحابنا إلى أن الحدود لا يحل أن تدرأ بشبهة، ولا أن تقام بشبهة، وإنما هو الحق للَّه تعالى ولا مزيد، فان لم يثبت الحد لم يحل أن يقام بشبهة؛ لقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام)(1)، وإذا ثبت الحد لم يحل أن يدرأ بشبهة؛ لقول اللَّه تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا} (2) " (3).
وعليه فمذهب الظاهرية أن من سرق من مال أبيه، أو مال ابنه، فإن عليه الحد إذا توفرت فيه شروط القطع، ولا يدرأ الحد بالشبهة حينئذ (4).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة من حيث العموم ليست محل إجماع متحقق، لكن ينبه إلى أن بعض الصور المندرجة تحت القاعدة قد تكون محل إجماع، لا لكونها شبهة تدرأ به الحد، بل لدليل آخر يكون نصًا في المسألة، واللَّه تعالى أعلم.
[47/ 1] المسألة السابعة والأربعون: لا يشترط لإقامة الحد مطالبة صاحب المال المسروق بالحد
.
• المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص، لكن صاحب المال المسروق لم يطالب بالحد، فإنه يجب إقامة الحد حينئذٍ، ولا عبرة بمطالبة صاحب المال المسروق بإقامة الحد من عدمه في إقامة حد السرقة.
(1) صحيح البخاري (رقم: 67)، صحيح مسلم (رقم: 1679).
(2)
سورة البقرة، آية (229).
(3)
المحلى (12/ 57 - 58).
(4)
المحلى (12/ 335).
ويتنبه إلى أن ثمة مسألة وهي مطالبة صاحب المال المسروق بماله، وهذه مسألة أخرى محل خلاف ليست مسألة الباب، ومسألة الباب هي فيما لو ثبت الحد، فهل يشترط مطالبة صاحب المال المسروق بإقامة الحد أم لا.
• من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "وإن كان الفقهاء قد اختلفوا في قطع يد السارق: هل يفتقر إلى مطالبة المسروق بماله؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره، لكنهم يتفقون على أنه لا يحتاج إلى مطالبة المسروق"(1)، أي مطالبته بالحد.
• مستند الإجماع: مما يدل على مسألة الباب:
1 -
قول اللَّه تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (2).
• وجه الدلالة: عموم الآية، وليس في نصوص الشريعة دليل على اشتراط مطالبة صاحب المال المسروق، وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم أقام حد السرقة وكذا الصحابة بعده، ولم يرد عن أحد منهم اشتراط مطالبة صاحب المال المسروق بالحد.
2 -
حديث عائشة رضي الله عنها في شأن المرأة المخزومية التي سرقت صلى الله عليه وسلم، فأمر بتلك بها فقطعت يدها (3).
• وجه الدلالة: أن حد السرقة حد للَّه عز وجل، فإذا ثبت عند الإمام وجب إقامته، ولا يملك صاحب المال المسروق إقامته أو إبطاله بالعفو.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
(1) مجموع الفتاوى (28/ 279).
(2)
سورة المائدة، آية (38).
(3)
صحيح البخاري (رقم: 3288)، صحيح مسلم (رقم: 1688).