الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[45/ 1] المسألة الخامسة والأربعون: من سرق من بيت دار غير مشتركة السكنى، لا يقطع حتى يخرج من الدار
.
• المراد بالمسألة: لو سرق شخص من دار خاصة لرجل، وقبض عليه وهو لم يخرج منها فإنه لا يقطع.
ويتحصل من هذا أمران:
الأول: أن الدار لو كانت مشتركة، كالفنادق والشقق، وخرج من باب غرفة الفندق، أو من باب الشقة إلى الممر العام، فإن هذه غير مسألة الباب، والقطع فيها حكاه القرطبي بغير خلاف (1).
الثاني: لو كانت الدار خاصة وقُبض عليه قبل أن يخرج منها، فإن هذه غير مسألة الباب، إذ قد سبق الكلام عليها في أول الكتاب (2).
• من نقل الإجماع: قال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "وأما الحرز عند الذين أوجبوه فإنهم اتفقوا منه على أشياء واختلفوا في أشياء. . . مثل اتفاقهم على من سرق من بيت دار غير مشتركة السكنى أنه لا يقطع حتى يخرج من الدار"(3).
وقال المطيعي (1404 هـ): "وأما الحرز عند الذين أوجبوه فإنهم اتفقوا منه على أشياء واختلفوا في أشياء. . . مثل اتفاقهم على من سرق من بيت دار غير
(1) انظر: تفسير القرطبي (6/ 170)، حيث قال:"لا خلاف أن الساكنين في دار واحدة كالفنادق التي يسكن فيها كل رجل بيته على حدة، يقطع من سرق منهم من بيت صاحبه إذا أخذ وقد خرج بسرقته إلى قاعة الدار وإن لم يدخل بها بيته ولا خرج بها من الدار. ولا خلاف في أنه لا يقطع من سرق منهم من قاعة الدار شيئًا، وإن أدخله بيته أو أخرجه من الدار؛ لأن قاعتها مباحة للجميع للبيع والشراء، إلا أن تكون دابة في مربطها أو ما يشبهها من المتاع"
(2)
انظر: المسألة الثانية عشرة تحت عنوان: "إذا دخل البيت ولم يخرج بالمتاع لا يُقطع".
(3)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 449).
مشتركة السكنى أنه لا يقطع حتى يخرج من الدار" (1).
ويمكن أن يضاف لهذه النقولات ما ذكرناه في المسألة الثانية عشرة بعنوان: "السارق إذا دخل البيت ولم يخرج بالمتاع لا يُقطع"، فإنها تدل على أن من أخذ المال من الدار المحرزة ولم يخرج المال من الحرز فلا قطع عليه.
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: (ما أصاب من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق شيئًا منه بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع، ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة)(2).
وفي رواية أخرى للنسائي أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سُئل في كم تقطع اليد؟ قال: (لا تقطع اليد في ثمر معلق، فإذا ضمه الجرين قطعت في ثمن المجن، ولا تقطع في حريسة الجبل، فإذا آوى المراح قطعت في ثمن المجن)(3).
• وجه الدلالة: أن الشارع جعل من شرط القطع أن يكون المال محرزًا، وذلك يدل على أن من شرط القطع هتك الحرز وإخراج المتاع منه (4).
2 -
من النظر: أن من لم يخرج من الحرز لا يعد سارقًا حقيقة، وإنما هو كمن وضع بين يديه خمرًا ليشربها، ولم يفعل، أو كرجل جلس بين يدي امرأة يريد أن يصيبها، ثم لم يفعل، فليس على أحد من هؤلاء حد، والمقصود
(1) المجموع (20/ 100).
(2)
خرجه أحمد (11/ 273)، والترمذي (رقم: 1289)، وأبو داود (رقم: 4390)، والنسائي (رقم: 4958).
(3)
أخرجه النساني، (رقم: 4957).
(4)
انظر: المغني (9/ 103).
بالسرقة هو إخراج المال، لا هتك الحرز، فإذا لم يتحقق المقصود فلا يعد الشخص سارقًا حقيقة (1).
• المخالفون للإجماع: خالف الظاهرية في مسألة الباب (2)، حيث ذهبوا إلى وجوب القطع بناءً على أن الحرز غير شرط في القطع، ونقل ابن حزم هذا القول عن عائشة رضي الله عنها، والنخعي، وسعيد بن المسيب، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، والحسن البصري (3).
• دليل المخالف: علل ابن حزم لمسألة الباب بأنه ليس من شرط القطع في السرقة أن يأخذه من حرز، وليس في نصوص الشارع نص صريح صحيح على اشتراط الحرز، كما أنه ليس في لغة العرب ما يدل على أن الحرز معتبر في السرقة، بل نقل الإجماع على أن السرقة تطلق على الآخذ بخفية، وليس في لغة العرب أن يكون المال محرزًا، فقال:"أما الإجماع فينه لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له، وأن السارق هو المختفي بأخذ ما ليس له، وأنه لا مدخل للحرز فيما اقتضاه الاسم، فمن أقحم في ذلك اشتراط الحرز فقد خالف الإجماع على معنى هذه اللفظة في اللغة، وادعى في الشرع ما لا سبيل له إلى وجوده، ولا دليل على صحته"(4).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لوجود الخلاف من الظاهرية.
(1) انظر: المبسوط (9/ 139)، أحكام القرآن للجصاص (2/ 605)، المنتقى شرح الموطأ (7/ 186).
(2)
انظر: المحلى (12/ 302).
(3)
انظر: المحلى (12/ 302).
(4)
المحلى (12/ 311).