الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[20/ 4] المسألة العشرون: مال المرتد الذي اكتسبه حال اسلامه لورثته من المسلمين
.
• المراد بالمسألة: لو ثبتت الردة على شخص، ثم قتل على ردته، فإن المال الذي كان قد اكتسبه حال كونه مسلمًا، يكون لورثته من المسلمين.
ويخرج من المسألة المرتد لو تاب عن الردة، ثم لم يقتل، وكذا لو تاب ثم مات، بأن كان القاضي لا يرى قبول توبة المرتد مثلًا، وكذا ما كسبه بعد الردة، وكذا ما ظفر عليه المسلمون من ماله بعد ردته، فكل ذلك غير مراد في المسألة.
• من نقل الإجماع: قال الكاساني (587 هـ): "لا خلاف بين أصحابنا رضي الله عنهم في أن المال الذي اكتسبه في حالة الإسلام يكون ميراثًا لورثته المسلمين إذا مات أو قتل، قال الشافعي رحمه الله: هو فيء، ولنا: ما روي أن سيدنا عليًا رضي الله عنه قتل المستورد العجلي بالردة، وقسم ماله بين ورثته المسلمين، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم ينقل أنه أنكر منكر عليه، فيكون إجماعًا من الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم"(1).
• مستند الإجماع: استدل القائلون بأن مال المرتد الذي اكتسبه حال إسلامه لورثته المسلمين، بأدلة منها:
1 -
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى علق حكم الإرث بوقت هلاك الموروث،
(1) بدائع الصنائع (7/ 138) باختصار يسير.
(2)
سورة النساء، آية (176).
والمرتد هالك بردته؛ لأنه ارتكب جريمة استحق بها نفسه فيكون هالكًا.
2 -
كما استدلوا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن عبد اللَّه بن أبي ابن سلول لما مات جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ماله لورثته المسلمين (1).
3 -
كما استدلوا بأن هذا هو فعل الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم، فإن عليًا رضي الله عنه "قتل المستورد العجلي على الردة، وقسم ماله بين ورثته المسلمين"(2)، ولم ينكر عليه ذلك أحد من الصحابة، بل جاء عن بعض الصحابة كابن مسعود، ومعاذ بن جبل، ما يوافق هذا الفعل، فكان إجماعًا (3).
4 -
أما من النظر: فبينه السرخسي حيث قال: "المعنى فيه أنه كان مسلمًا مالكًا لماله، فإذا تم هلاكه يخلفه وارثه في ماله، كما لو مات المسلم، وتحقيق هذا الكلام أن الردة هلاك، فإنه يصير به حربًا، وأهل الحرب في حق المسلمين كالموتى، إلا أن تمام هلاكه حقيقة بالقتل أو الموت، فإذا تم ذلك استند التوريث إلى أول الردة، وقد كان مسلمًا عند ذلك فيخلفه وارثه المسلم في ماله، ويكون هذا توريث المسلم من المسلم، وهذا لأن الحكم عند تمام سببه يثبت من أول السبب، كالبيع بشرط الخيار إذا أجيز يثبت الملك من وقت العقد حتى يستحق المبيع بزوائده المتصلة والمنفصلة جميعًا، فعلى هذا الطريق يكون فيه توريث المسلم من المسلم"(4).
• المخالفون للإجماع: المخالفون في المسألة على قولين:
القول الأول: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن المرتد إذا أبي أن يسلم وقتل
(1) انظر: بدائع الصنائع (7/ 138).
(2)
أخرجه البيهقي في سننه الكبرى (6/ 254)، وابن حزم في المحلى (8/ 338).
(3)
بدائع الصنائع (7/ 138) باختصار يسير.
(4)
المبسوط (10/ 100 - 101).
على الردة فإن ماله الذي اكتسبه حال إسلامه يكون فيئًا لبيت المال، وهو مذهب المالكية (1)، والشافعية (2)، ورواية عند الحنابلة (3). وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنه، وبه قال زيد بن ثابت، وربيعة، وابن أبي ليلى، وأبو ثور، وابن المنذر (4).
القول الثاني: ذهب آخرون إلى أن المرتد إن مات على الردة فماله لأهل دينه الذي ارتد إليهم، وهو مذهب الظاهرية (5)، ورواية عن الإمام أحمد (6). وبه قال قتادة، وسعيد بن أبي عروبة، وعلقمة، وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز (7).
• دليل المخالف: أما الفريق الأول: فعلل القائلون بأن ماله فيء للمسلمين بأن المرتد كافر فلا يرثه المسلم، للنهي الصريح في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم)(8).
• وجه الدلالة: أن الحديث صريح في أن المسلم لا يرث الكافر، وهو عام سواء كان كافرًا أصليًا أو مرتدًا.
2 -
أن المرتد لا يرثه أهل ملته، كما هو قول عامة أهل العلم، بل حكي الإجماع عليه (9).
(1) انظر: التمهيد (9/ 169).
(2)
انظر: الأم (1/ 294)، المجموع (16/ 59).
(3)
انظر: المغني (6/ 250).
(4)
انظر: أحكام القرآن للجصاص (2/ 148)، المغني (6/ 250)، المجموع (16/ 59).
(5)
انظر: المحلى (12/ 122 - 123)، وحكى ابن حزم الإجماع على ذلك كما سبق بيانه في المسألة الرابعة عشرة تحت عنوان:"كل ما لم يظفر به المسلمون من مال المرتد حتى قتل أو مات مرتدًا، فلورثته من الكفار".
(6)
انظر: المغني (6/ 250).
(7)
انظر: المحلى (12/ 122 - 123)، المغني (6/ 250)، المجموع (16/ 59).
(8)
البخاري (رقم: 6383)، مسلم (رقم: 1614).
(9)
وقد سبق بيان ذلك في المسألة السادسة عشرة تحت عنوان: "المرتد لا يرثه ورثته من الكفار".