الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفُهُود والأنثى فَهْدةُ" (1).
• ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان المسروق كلبًا لا يباح اتخاذه، أو فهدًا، فإنه لا قطع على السارق حينئذ.
ويتحصل مما سبق أن الكلب إن كان مما يباح اتخاذه ككلب الصيد والماشية والزرع فذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن الهمام (861 هـ): "لا قطع في سرقة كلب ولا فهد بالإجماع"(2).
• مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن الكلب والفهد مما لا يتمول، وما لا قيمة له شرعًا فلا قطع فيه.
وعند من يقول بصحة بيعه وتموله، فإن قوة القول بكونه لا يتمول يورث شبهة في القطع، والحدود تدرأ بالشبهات (3).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[77/ 1] المسألة السابعة والسبعون: لو أخذ شاة فذبحها ثم أخرجها مذبوحة لم يقطع
.
• المراد بالمسألة: لو أتلف السارق المسروق في حرزه، فصار مما لا قطع فيه، إما لأنه نقص عن قيمة النصاب، أو لعلة أخرى جعلته مما لا قطع فيه، ثم
(1) المخصص (2/ 288)، وانظر: تاج العروس، مادة:(فهد)، (8/ 512)، المصباح المنير، مادة:(فهد)، (483).
ومن صفات الفهد الظاهرة أنه ليس شيءٌ في مثل جِسْم الفَهد إلّا والفَهد أثقلُ منه، والفهد أنْوَم الخلق، وليس نومه كنوم الكلب لأن الكلب نومه نعاس واختلاس، والفهد نومه مُصْمَت، وعِظام السِّباع تشتهي ريَحه، وتستدلُّ برائحته على مكانهِ، وتُعجَب بلحمه كثيرًا، وقد يصادُ بأساليب منها: الصَّوت الحسَن؛ فإنّه يُصغِي إليه إصغاءً شديدًا، ويمكن تعليمه، واستخدامه في الصيد، وكباره أقبَل في التعليم من صغاره. انظر: الحيوان (6/ 471)، حياة الحيوان الكبرى (3/ 306).
(2)
فتح القدير (5/ 372) بتصرف يسير.
(3)
انظر: العناية شرح الهداية (5/ 371).
أخرجه من الحرز، فإنه لا قطع؛ إذ العبرة بالمسروق حين إخراجه من الحرز، ومثال ذلك: ما لو وجد شخص شاة تبلغ نصابًا في حرز، فذبحها في الحرز، ونقصت قيمتها عن النصاب بعد ذبحها، ثم أخرجها من الحرز، فلا قطع لأنها لم تبلغ نصابًا، وكذا على قول من يرى أن سرقة ما يتسارع إليه الفساد لا قطع فيه، فإن الشاة بعد ذبحها تكون لحمًا، وسرقة اللحم لا قطع فيه لأنه مما يتسارع إليه الفساد.
ومثل هذه المسألة ما لو وجد ثوبًا يبلغ نصابًا، فشقه نصفين، فنقصت قيمته عن النصاب، ثم أخرجه من الحرز.
يتبين مما سبق أنه لو أتلف المسروق في حرزه لكنه لم ينقص عن قيمة النصاب، كما لو كانت الشاة تبلغ نصابًا بعد ذبحها، فذلك غير مراد في مسألة الباب (1).
كذا لو صار المسروق بعد تلفه مما لا قطع فيه، كالشاة مثلًا لو ذبحها ثم أخرجها لحمًا، فعند من يرى أن اللحم لا قطع في سرقته لأنه مما يتسارع إليه الفساد، يكون في هذه الصورة مما لا قطع فيه، لأن العبرة بالمسروق حين إخراجه من الحرز.
• من نقل الإجماع: هذه المسألة يُعبر عنها الفقهاء بأن المعتبر في السرقة حين إخراجه من الحرز، لا حين أخذه من الحرز، وقد ذكر الإجماع في المسألة جماعة من أهل العلم:
قال السرخسي (483 هـ): "وإذا سرق ثوبًا فشقه في الدار نصفين ثم أخرجه فإن كان لا يساوي عشرة دراهم بعدما شقه لم يقطع بالاتفاق"(2).
قال الكاساني (587 هـ): "لو أخذ شاة فذبحها، ثم أخرجها مذبوحة
(1) وقد سبق بيان هذه المسألة في المسألة الثانية والستون تحت عنوان: "من سرق ثوبًا فشقه في الدار قبل أن يخرجه نصفين، ثم أخرجه وهو يساوي عشرة دراهم بعد الشق، قُطع".
(2)
المبسوط (9/ 163).
لا يقطع بالإجماع" (1). وقال ابن الهمام (861 هـ): "من سرق ثوبًا فشقه في الدار قبل أنا يخرجه من الحرز نصفين ثم أخرجه، وهو يساوي عشرة بعد الشق قطع. . . وإن كان لا يساوي عشرة بعده لم يقطع بالاتفاق" (2).
• مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بما يلي:
1 -
أن المعتبر كمال النصاب عند تمام السرقة وتمامه بالإخراج من الحرز، فإذا لم تكن قيمته نصابًا عند الإخراج، أو كان مما لا حد فيه، لم يلزمه القطع.
2 -
علل فقهاء الحنفية مسألة الشاة بأن الشاة بعد ذبحها يكون المسروق لحمًا، واللحم لا قطع فيه؛ لأنه مما يتسارع إليه الفساد، وعلى هذا الرأي فلا قطع في الشاة المذبوحة ولو بلغت نصابًا (3).
• المخالفون للإجماع: يتبين مما سبق أن المسألة مبنية على اشتراط الحرز، واشتراط إخراج المسروق من الحرز، أما من لا يرى اشتراط الحرز، أو لا يرى شرطية إخراج المال المسروق من الحرز، كما هو منقول عن عائشة رضي الله عنها، والنخعي، وسعيد بن المسيب، وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، والحسن البصري، وهو مذهب الظاهرية، فكل هؤلاء يخالفون في مسألة الباب (4).
• دليل المخالف: استدل المخالف بأنه لا دليل صريح على اشتراط الحرز، أو اشتراط إخراج المال المسروق من الحرز، وبيَّن ذلك ابن حزم فقال: "لا خلاف بين أحدا من الأمة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له، وأن السارق هو المختفي بأخذ ما ليس له، وأنه لا مدخل للحرز فيما اقتضاه الاسم، فمن أقحم في ذلك اشتراط الحرز فقد خالف الإجماع على معنى هذه اللفظة في اللغة، وادعى في الشرع ما لا سبيل له إلى وجوده، ولا دليل على صحته، وأما قول الصحابة فقد أوضحنا أنه لم يأت قط عن أحد منهم اشتراط
(1) بدائع الصنائع (7/ 70).
(2)
فتح القدير (5/ 417).
(3)
انظر: المبسوط (9/ 163 - 165).
(4)
انظر: المحلى (12/ 302).