الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[97/ 4] المسألة السابعة والتسعون: المرتد إذا أسلم فإنه يقبل إسلامه ويكون من الفائزين
.
• المراد بالمسألة: المسلم إذا ارتد فإنه يكون من الخاسرين الخالدين في جهنم، فإن عاد للإسلام صار مسلمًا من الفائزن الرابحين، بنجاته من الخلود في النار، وكونه من أهل الإيمان الموعودين بالجنة.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا خلاف بين أحد من الأمة في أن المرتد إذا راجع الإسلام ليس من الخاسرين، بل من المربحين المفلحين الفائزين"(1).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)} (2).
• وجه الدلالة: دلت الآية على أن من أشرك فإنه يكون من الخاسرين، مما يدل على أن المؤمن ليس من الخاسرين، وأنه من الرابحين (3).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[98/ 4] المسألة الثامنة والتسعون: تارك الصلاة كافر
.
• المراد بالمسألة: إذا ترك شخص الصلاة بالكلية، فلا يصلي الجمعة، ولا غيرها من الصلوات، مع اعتقاده بوجوبها (4) فإنه يكون كافرًا.
ويتبين مما سبق أن الشخص إن كان يصلي أحيانًا ويترك أحيانًا فإنه لا يدخل في مسألة الباب.
(1) المحلى (5/ 322)، باختصار يسير.
(2)
سورة الزمر، آية (65).
(3)
انظر: المحلى (5/ 322).
(4)
أما إن كان غير معتقد لوجوها فإنه يكفر سواء صلاها أو لم يصلها، كما سبق بيان ذلك مع الأدلة في المسألة الثانية والتسعون تحت عنوان:"من لم يعتقد وجوب الصلاة كفر".
• من نقل الإجماع: قال عبد اللَّه بن شقيق (108 هـ)(1): "لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة"(2)، ممن نقله ابن تيمية (3). وقال أيوب السختياني (131 هـ):"ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه"(4).
وقال إسحاق بن راهوية (238 هـ): "كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا: أن تارك الصلاة عمدًا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر، وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر"(5)، وممن نقله ابن عبد البر (6). وقال ابن القيم (751 هـ):"دل على كفر تارك الصلاة: الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة"(7).
• مستند الإجماع: يدل على كفر تارك الصلاة ما يلي:
على وجوب الصلاة فمن ذلك:
1 -
قال تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ
(1) هو أبو عبد الرحمن، عبد اللَّه بن شَقِيق العُقيلي البصري، من مشاهير التابعين وثقاتهم، سمع عليًا، وعثمان، وعائشة، وغيرهم، ثقة، توفي سنة (108 هـ). انظر: الكاشف 2/ 96، الجرح والتعديل 5/ 371، تهذيب التهذيب 5/ 253.
(2)
أخرجه الترمذي (2622)، الحاكم (1/ 48)، تعظيم قدر الصلاة (2/ 904 - 905)، قال النووي في "المجموع" (3/ 16):"بإسناد صحيح"، وقال الألباني في "الثمر المستطاب" (52):"هو صحيح الإسناد".
(3)
انظر: مجموع الفتاوى (22/ 48).
(4)
تعظيم قدر الصلاة (2/ 925).
(5)
تعظيم قدر الصلاة (2/ 929)، التمهيد (4/ 225). ومنهم من يرويه عن إسحاق بلفظ:"كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا: أن تارك الصلاة عمدًا من غير عذرٍ حتى يذهب وقتها كافر، إذا أبى من قضائها، وقال: لا أصليها"، كما نقله ابن عبد البر في "التمهيد"(4/ 225 - 226).
(6)
انظر: التمهيد (4/ 225).
(7)
الصلاة وحكم تاركها (53).
فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)} (1).
2 -
قال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)} (2).
• وجه الدلالة من الآيتين: أن اللَّه علق أُخوتهم للمؤمنين بفعل الصلاة، فإذا لم يفعلوا لم يكونوا إخوة المؤمنين.
3 -
قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (3).
• وجه الدلالة: أنه سبحانه علق حصول الرحمة لهم بفعل هذه الأمور، فلو كان ترك الصلاة لا يوجب تكفيرهم وخلودهم في النار، لكانوا مرحومين بدون فعل الصلاة، والرب تعالى إنما جعلهم على رجاء الرحمة إذا فعلوها (4).
4 -
• وجه الدلالة: دلت الآية على كفر تارك الصلاة من وجهين:
الأول: أن اللَّه تعالى وعد تارك الصلاة بالغي، والغي هو بئر في قعر جهنم، كما هو مروي عن جماعة من الصحابة كابن مسعود وعائشة وغيرهما (6)، واختاره القرطبي (7)، ولو كان هذا الوعيد لعصاة المسلمين لكانوا في الطبقة العليا من طبقات النار، لا في أسفلها.
الثاني: قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} فدل على أنهم حين إضاعتهم
(1) سورة التوبة، آية (5).
(2)
سورة التوبة، آية (11).
(3)
سورة النور، آية (56).
(4)
انظر: الصلاة وحكم تاركها (54).
(5)
سورة مريم، آية (59 - 60).
(6)
انظر: تفسير ابن كثير (5/ 245)، تفسير القرطبي (11/ 125)، زاد المسير (5/ 247)، أضواء البيان (3/ 445).
(7)
انظر: تفسير القرطبي (11/ 125).
للصلاة لم يكونوا مؤمنين، فلو كان مضيع الصلاة مؤمنًا لم يشترط في توبته الإيمان، وإلا لكان تحصيل حاصل (1).
5 -
عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)(2).
6 -
عن بريده بن الحصيب رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)(3).
• وجه الدلالة من الحديثين: الحديثان صريحان بأن ترك الصلاة كفر، وأن الصلاة هي الفارق بين الإسلام والكفر.
7 -
عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن نكر سلم، ولكن من رضي وتابع) قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: (لا، ما صلوا)(4).
• وجه الدلالة من الحديث: الحديث في منابذة الولاة وقتالهم بالسيف إذا لم يقيموا الصلاة، وقد ثبت أنه لا تجوز منازعة الولاة وقتالهم إلا إذا أتوا كفرًا صريحًا، عندنا فيه برهان من اللَّه تعالى فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:
(1) الصلاة وحكم تاركها (58)، وقد ذكر ابن القيم في هذه الرسالة عشرة أدلة من القرآن على كفر تارك الصلاة، اقتصرت على أصرحها، واكتفيت بالإشارة لما بقي من باب الاختصار.
(2)
صحيح مسلم (رقم: 82).
(3)
أخرجه أحمد (38/ 20)، والترمذي (رقم: 2830)، وقال:"حديث حسن صحيح غريب"، النسائي، كتاب: الصلاة، باب: الحكم في ترك الصلاة، (رقم: 467)، ابن ماجه (رقم: 1132)، قال الحاكم في "المستدرك" (1/ 48):"هذا حديث صحيح الإسناد لا تعرف له علة بوجه من الوجوه. . . ولهذا الحديث شاهد صحيح على شرطهما جميعًا"، وقال الذهبي في التلخيص:"صحيح لا تعرف له علة"، وصححه النسائي والعراقي، نقله عنهما الشوكاني في "نيل الأوطار"(1/ 363)، وصححه ابن تيمية أيضًا في "مجموع الفتاوى"(22/ 48)، والألباني في تحقيقه لـ "مشكاة المصابيح":(1/ 126).
(4)
صحيح مسلم (رقم: 1854).
"دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحًا عندكم من اللَّه فيه برهان"(1).
وعلى هذا فيكون تركهم للصلاة الذي علق عليه النبي صلى الله عليه وسلم، منابذتهم وقتالهم بالسيف كفرًا بواحًا عندنا فيه من اللَّه برهان.
8 -
ما جاء في قصة قسم النبي صلى الله عليه وسلم للذهب الذي أتى به علي رضي الله عنه من اليمن: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا محمد اتق اللَّه. قال صلى الله عليه وسلم: (ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي اللَّه)، ثم ولَّى الرجل، فقام خالد بن الوليد رضي الله عنه، -وفي بعض الروايات: عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: دعني أضرب عنقه يا رسول اللَّه.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لعله أن يكون يصلي) قال: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس بقلبه، قال عليه الصلاة والسلام:(إني لم أُومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم. . . الحديث)(2).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم علل امتناع قتل ذي الخويصرة بكونه ممن يصلي، فدل على أن لفعل الصلاة أثر في إباحة الدم من عصمتها، وإلا لم يكن لتعليله صلى الله عليه وسلم بالصلاة فائدة.
9 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رضي الله عنه، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر رضي الله عنه: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فمن قالها
(1) البخاري (رقم: 6647)، مسلم (رقم: 1709).
(2)
البخاري (رقم: 6995)، مسلم (رقم 1064).
فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللَّه. . .) الحديث (1).
• وجه الدلالة: أن الصديق احتج على قتال المرتدين بإباحة قتال تاركي الصلاة، وتقدير كلامه أنه قال: ألستم متفقين على قتال تارك الصلاة، فكذلك أقاتل تارك الزكاة، ولا فرق.
10 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فإذا قالوها وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه)(2).
11 -
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على اللَّه)(3).
• وجه الدلالة من الحديثين: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل من أسباب عصمة الدم والمال إقامة الصلاة، فدل على أن تركها كفر يبيح ذلك.
12 -
عن عبد اللَّه بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يومًا فقال: (من حافظ عليها كانت له نورًا، وبرهانًا، ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور، ولا برهان، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون، وهامان، وأبي بن خلف)(4).
(1) البخاري (رقم: 1335)، مسلم (رقم: 20).
(2)
البخاري (رقم: 385).
(3)
البخاري (رقم: 25).
(4)
أخرجه أحمد (11/ 141 - 142)، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 21):"رجال أحمد ثقات"، وقال ابن عبد الهادي الحنبلي في "تنقيح التحقيق" (2/ 614):"إسناد هذا الحديث جيد"، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (1/ 217):"رواه أحمد بإسناد جيد"، وجوَّد =
• وجه الدلالة: الحديث صريح بكفر تارك الصلاة، بكونه مع قارون وفرعون أمي بن خلف، وقد تحقق أن هؤلاء من أهل النار.
13 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع، فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك)(1)
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّق الفلاح والخسران يوم القيامة بالصلاة، وجعلها سببًا في الحكم بمصير العبد يوم القيامة، وعلَّق الخسران بتركها.
• المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم عدم كفر تارك الصلاة، وبه قال محمد بن شهاب الزهري، ومكحول، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وهو رواية عن الإمام أحمد (2).
ونسب العراقي هذا القول للجمهور حيث قال: "ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يكفر بترك الصلاة إذا كان غير جاحد لوجوبها"(3).
= إسناده أيضًا الذهبي في "تنقيح التحقيق"(1/ 300). وقال الألباني في "الثمر المستطاب"(53): "سنده حسن"، وصححه في تحقيقه على مشكاة المصابيح (1/ 127)، ثم تراجع عن ذلك وضعفه في "ضعيف الترغيب والترهيب"(1/ 80).
(1)
أخرجه الترمذي (رقم: 413)، وقال:"حديث حسن غريب من هذا الوجه"، النسائي (رقم: 465)، ابن ماجه، (رقم: 1425)، وقال الحاكم في "المستدرك" (4/ 153):"حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وواففه الذهبي، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي"(1/ 237).
(2)
انظر: تعظيم قدر الصلاة (2/ 936)، المغني (3/ 355)، المجموع (3/ 17)، التمهيد (4/ 225 - 228)، مجموع الفتاوى (7/ 615 - 618)، كتاب الصلاة لابن القيم ضمن مجموعة الحديث (466)، فتح الباري لابن رجب (1/ 18 - 26).
(3)
طرح التثريب (2/ 147).
بل حكى جماعة من أهل العلم الإجماع على عدم كفر تاركها ومن ذلك:
قال ابن عبد البر في صلاة الجمعة: "أجمعوا أنه من تركها وهو قادر على إتيانها ممن تجب عليه أنه غير كافر بفعله ذلك، إلا أن يكون جاحدًا لها مستكبرًا عنها"(1).
وقال النووي: "ولم يزل المسلمون يورثون تارك الصلاة، ويورثون عنه، ولو كان كافرًا لم يغفر له، ولم يرث، ولم يورث"(2).
وقال ابن قدامة في ترجيح القول بعدم كفر تارك الصلاة: "ذلك إجماع المسلمين؛ فإنَّا لا نعلم في عصر من الأعصار عن أحد من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه"(3).
• دليل المخالف: استدل القائلون بعدم كفر تارك الصلاة بما يلي:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رضي الله عنه، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر رضي الله عنه: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على اللَّه. . .) الحديث (4).
• وجه الدلالة: النبي صلى الله عليه وسلم علق عصمة الدم والمال على قول "لا إله إلا اللَّه"، فمن قالها تحققت في حقه العصمة، ولم يشترط النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في ذلك.
2 -
عن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة)(5).
(1) الاستذكار (2/ 56).
(2)
المجموع (3/ 17).
(3)
المغني (3/ 357).
(4)
البخاري (رقم: 1335)، مسلم (رقم: 20).
(5)
البخاري (رقم: 6484)، مسلم (رقم: 1676).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح دم المسلم بثلاث خصال، وترك الصلاة ليس واحدًا من هذه الخصال، مما يدل على عصمة دم من ترك الصلاة، وأنه مسلم.
3 -
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف أنت إذا كنت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها) قلت: فما تأمرني؟ قال: (صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلِّ، فإنها لك نافلة)(1).
• وجه الدلالة: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء الأمراء يفوتون الصلاة عن وقتها، ومع ذلك لم يكفروا بتركها حتى يخرج الوقت، ولو كان ترك الصلاة إلى خروج وقتها كفرًا لَما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة خلف هؤلاء الأئمة؛ لأن الكافر لا تصح الصلاة خلفه لا فرضًا ولا نفلًا (2).
4 -
من النظر:
أ - أن من ثبت إسلامه بيقين، فلا يزول عنه الإسلام إلا بيقين، وليس ثمة دليل صريح صحيح على كفر من ترك الصلاة.
ب- أن الصلاة من الشرائع العملية، فلا يقتل بتركها، كالصيام، والزكاة، والحج (3).
5 -
عمل المسلمين على ذلك بغير نكير، كما نقله النووي وابن قدامة (4).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف مشهور بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيه عن الزهري، ومكحول، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وهو رواية عن الإمام أحمد، بل نُسب للجمهور، وحُكي الإجماع على ذلك.
(1) صحيح مسلم (رقم: 648).
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (22/ 61).
(3)
انظر: الصلاة وحكم تاركها (31).
(4)
المجموع (3/ 17)، المغني (3/ 357)، وقد سبق نص كلامهما في معرض ذكر المخالفين للإجماع.