الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد
المبحث الأول: تعريف الردة لغة واصطلاحًا:
• أولًا: تعريف الردة لغةً: الرِّدة -بكسر الراء المشدَّدة- مصدر للفعل ردَّ يَرُدُّ رَدًّا ورِدَّة، وهو بمعنى الرجوع عن الشيء، والتحول عنه، قال ابن فارس:"الراء والدال أصلٌ واحدٌ مطّردٌ منقاس، وهو رَجْع الشَّيء، تقول: ردَدْتُ الشَّيءَ أرُدُّه ردًّا، وسمِّي المرتدُّ لأنّه ردّ نفسَه إلى كُفْره"(1).
ومن هذا الباب: إطلاق الرِّدة على عماد الشيء الذي يُرجع إليها، وكذا على امتلاء الضرع من اللبن قبل النتاج، وكأنها لم تكن ذات لبن فرجع إليها لبنها (2).
• ثانيًا: تعريف الردة اصطلاحًا: تنوعت عبارات الفقهاء في حد الردة، وإن كانوا لا يختلفون كثيرًا في المؤدَّى:
فعند الحنفية: قال الكاساني: "الردة عبارة عن الرجوع عن الإيمان"(3). وعند المالكية: قال ابن عرفة: "الردة: كفر بعد إسلام"(4). وعند الشافعية: قال النووي: "الردة: قطع الإسلام بنية، أو قول كفر، أو فعل، سواء قاله استهزاء، أو عنادًا، أو اعتقادًا"(5). وعند الحنابلة: قال البهوتي: "الذي يكفر بعد إسلامه نطقًا، أو اعتقادًا، أو شكًا، أو فعلًا"(6).
وقبل بيان التعريف المختار للردة أذكر شروط الرّدة عند أهل العلم على
(1) مقاييس اللغة (2/ 387)، وانظر: تهذيب اللغة (14/ 46).
(2)
انظر: تهذيب اللغة (14/ 46)، الصحاح (3/ 35)، لسان العرب، مادة:(ردد)، (3/ 172).
(3)
بدائع الصنائع (7/ 134).
(4)
شرح حدود ابن عرفة (490).
(5)
تحفة المحتاج شرح المنهاج (9/ 80).
(6)
كشاف القناع عن متن الإقناع (6/ 167 - 168).
وجه الإجمال، ثم أذكر التعريف الذي يمكن أن يكون شاملًا للتعاريف السابقة.
من شروط الردة عند الفقهاء ما يلي:
1 -
الإسلام، فالكافر إذا تلفظ بالكفر، لا ينطبق عليه حكم المرتد، وهذا محل اتفاق من جهة اللغة والشرع.
2 -
العقل، فالمجنون لا تصح ردته، وهذا محل إجماع بين أهل العلم كما نقله جماعة من أهل العلم منهم: ابن المنذر (1)، وابن قدامة (2)، وشمس الدين ابن قدامة (3)، وشيخ الإسلام ابن تيمية (4)، وابن الهمام (5)(6).
3 -
الاختيار، فالمُكْره لا يحكم بردّته، وحكى عليه الإجماع جماعة من أهل العلم منهم: ابن المنذر (7)، وابن بطال (8)، وابن حزم (9)، وابن العربي (10)، والقرطبي (11)، وابن تيمية (12)، وابن القيم (13).
ومما سبق يُمكن تعريف الردة اصطلاحًا بأن يقال: "هي قطع الإسلام إلى الكفر، بالقول، أو الفعل، أو الاعتقاد، أو الشك، من مسلم، عاقل، مختار"(14).
(1) الإجماع (122).
(2)
المغني (9/ 17).
(3)
الشرح الكبير (10/ 79).
(4)
مجموع الفتاوى (14/ 115).
(5)
فتح القدير (6/ 98)، وانظر: الموسوعة الكويتية (22/ 181) حيث نقل فيه اتفاق الفقهاء على ذلك.
(6)
انظر إلى نقل إجماعات أهل العلم، مع الأدلة في المسألة الثلاثون بعد المائة تحت عنوان:"لا تصح الردة من المجنون".
(7)
انظر: فتح الباري (12/ 413).
(8)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (8/ 291).
(9)
مراتب الإجماع (109).
(10)
أحكام القرآن (3/ 160).
(11)
تفسير القرطبي (10/ 182).
(12)
الفتاوى الكبرى (3/ 212)، وانظر:(6/ 86).
(13)
إعلام الموقعين (3/ 141).
(14)
وقد شرط بعض الفقهاء للردة شرطًا رابعًا وهو البلوغ، إلا أن الجمهور من الحنفية، والمالكية، والحنابلة في المشهور على صحة ردة الصبي إذا كان يعقِل، فلا يصح نكاحه، ولا ذبيحته، لكن لا يُقتل إلا بعد البلوغ، ولقوة الخلاف في المسألة لم أعتبره من الشروط. انظر: تبيين الحقائق (3/ 292)، التاج والإكليل لمختصر خليل (3/ 70)، تحفة المحتاج (9/ 93)، الإنصاف (10/ 331).
ويتبيَّن مما سبق أن الكفر يحصل بأحد أربعة أمور:
أولًا: الردة بالقول، مثل: الاستهزاء باللَّه أو برسوله صلى الله عليه وسلم أو بدينه.
ثانيًا: الردة باالفعل، مثل السحر، أو التقرب لغير اللَّه بسجود أو ذبحٍ ونحو ذلك.
ثالثًا: الردة بالاعتقاد، مثل: اعتقاد الشريك له تعالى، أو بغض النبي صلى الله عليه وسلم، أو بغض شريعته، أوإنكار أمرٍ معلومٍ من الدين بالضرورة؛ كإنكار البعث، أو الجنة، أو النار، وكاستباحة الزنا، أو الخمر، ونحو ذلك.
رابعًا: الردة بالشك، ومنها: الشك في ربوبية اللَّه أو ألوهيته، والشك في نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، أو في الأخبار الواردة في القرآن.