الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[120/ 4] المسألة العشرون بعد المائة: من شك في كفر الكافر كفر
.
• صورة المسألة: جاءت نصوص الشريعة بالنص على كفر أشخاص وأنهم من أهل النار كفرعون وهامان، فمن نص الشرع على كفره وجب الجزم بأنه كافر من أهل النار، ومن شك في كفره فإنه كافر إذا توفرت فيه الشروط وانتفت الموانع.
وينبه هنا إلى أن من قام فيه موجب الكفر بعمل أو قول كفري، فإن عدم تكفير ذلك الشخص أو الشك في كفره غير مراد في مسألة الباب (1).
• من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "كُفْر فرعون، وموته كافرا، وكونه من أهل النار هو مما علم بالاضطرار من دين المسلمين، بل ومن دين اليهود والنصارى، فإن أهل الملل الثلاثة متفقون على أنه من أعظم الخلق كفرًا، ولهذا لم يذكر اللَّه تعالى في القرآن قصة كافر كما ذكر قصته في بسطها وتثنيتها، ولا ذكر عن كافر من الكفر أعظم مما ذكر من كفره واجترائه وكونه أشد الناس عذابًا يوم القيامة.
ولهذا كان المسلمون متفقين على أن من توقف في كفره وكونه من أهل النار فإنه يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافرًا مرتدًا" (2).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن نصوص الشريعة جاءت بالنص على كفر جملة من أعيان الناس ومن ذلك:
1 -
قول اللَّه تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)} (3).
2 -
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ
(1) وهذا يتعلق بمسألة أخرى في هذا الباب في المسألة الثالثة والعشرون بعد المائة تحت عنوان: "التكفير المطلق لا يلزم منه تكفير المعيَّن إلا إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع".
(2)
جامع المسائل (1/ 203 - 204).
(3)
سورة المسد.
وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25)} (1).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى نص على كفر أبي لهب (2) وامرأته (3) في الدليل الأول، وفي الدليل الثاني نص على كفر فرعون وهامان وقارون، فمن شك في كفر هؤلاء فقد شك في القرآن.
3 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل كعب بن الأشرف؛ لأنه آذى اللَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى اللَّه ورسوله)؟ فقال محمد بن مسلمة: يا رسول اللَّه أتحب أن أقتله، قال:(نعم)، قال: ائذن لي فلْأقل، قال:(قل)، فأتاه فقال له -وذكر ما بينهما- وقال: إن هذا الرجل قد أراد صدقة، وقد عنانا، فلما سمعه قال: وأيضًا واللَّه لتملنه، قال: إنا قد اتبعناه الآن، ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره، قال: وقد أردت أن تسلفني سلفًا، قال: فما ترهنني، قال: ما تريد، قال: ترهنني نساءكم، قال: أنت أجمل العرب أنرهنك نساءنا؟ قال له: ترهنوني أولادكم، قال: يُسب ابن أحدنا فيقال رُهن
(1) سورة غافر، آية (23 - 25).
(2)
هو أبو لهب، عبد العزى بن عبد المطلب، كان شديد الأذية للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين، ومن ذلك أنه كان يطرح العذرة والنتن على باب النبي صلى الله عليه وسلم، كني بأبي لهب لحسن كان في وجهه، مات بمكة عند وصول الخبر بانهزام المشركين ببدر بمرض يعرف بالعدسة. انظر: الكامل في التاريخ (1/ 592).
(3)
هي أم جميل، أروى بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان، قيل: اسمها العوراء، وقيل: هو وصف لها، كانت على رأي زوجها أبي لهب، شديدة العداوة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهي التي سماها اللَّه تعالى {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4]، لأنها كانت تحمل الشوك، فتضعه في طريق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. انظر: البداية والنهاية (3/ 41)، فتح الباري (3/ 9).
في وسقين من تمر، ولكن نرهنك اللْأمة -يعني السلاح-، قال: فنعم، وواعده أن يأتيه بالحارث، وأبي عبس بن جبر، وعباد بن بشر، قال: فجاءوا فدعوه ليلًا، فنزل إليهم، فقالت له امرأته: إني لأسمع صوتًا كأنه صوت دم، قال: إنما هذا محمد بن مسلمة، ورضيعه وأبو نائلة، إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلًا لأجاب، قال محمد: إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه، فإذا استمكنت منه فدونكم، قال: فلما نزل نزل وهو متوشح، فقالوا: نجد منك ريح الطيب، قال: نعم، تحتي فلانة هي أعطر نساء العرب، قال: فتأذن لي أن أشم منه، قال: نعم فشُم، فتناول فشَم ثم قال: أتأذن لي أن أعود، قال: فاستمكن من رأسه ثم قال: دونكم، قال: فقتلوه" (1).
4 -
سعيد بن المسيب عن أبيه (2) أنه أخبره أنه لما حضرت أبا طالب (3) الوفاة، جاءه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل بن هشام (4)، وعبد اللَّه بن أمية بن
(1) صحيح البخاري (رقم: 3811)، وصحيح مسلم (رقم: 1801).
(2)
هو المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن محزوم القرشي المخزومي، له ولأبيه صحبة، كان ممن بايع تحت الشجرة. انظر: الاستيعاب 3/ 1400، معرفة الصحابة 5/ 2578، الإصابة 6/ 121.
(3)
هو أبو طالب، عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، عم النبي صلى الله عليه وسلم، كفل النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة جده عبد المطلب، كان من أشد الناس دفاعًا ونصرة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع ما هو عليه من الكفر، فلما توفي نالت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يجترؤا عليه في حياة أبي طالب، توفي بمكة سنة عشر من البعثة النبوية، قبل الهجرة بثلاث سنين. انظر: الاستيعاب 1/ 37/ 38، البداية والنهاية 3/ 122، الإصابة 7/ 235.
(4)
هو عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي المخزومي، أحد صناديد قريش وأئمة الكفر الذين آذوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كناه النبي صلى الله عليه وسلم أبا جهل، لأنه كان يكنى قبل ذلك بأبي الحكم، قُتل مشركًا يوم بدر. انظر: السيرة النبوية لابن هشام 3/ 266، تاريخ ابن الوردي 1/ 110.
المغيرة (1)، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأبي طالب:(يا عم قل لا إله إلا اللَّه كلمة أشهد لك بها عند اللَّه) فقال أبو جهل وعبد اللَّه بن أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعودان بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا اللَّه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(أما واللَّه لأستغفرن لك ما لم أنه عنك) فأنزل اللَّه تعالى فيه: {مَا كَاَنَ لِلنِبيِّ. . .} [التوبة: 113] الآية (2).
• وجه الدلالة: الأحاديث جاءت صريحة صحيحة بكفر أناس معيَّنين، فالحديث الأول نص على كفر كعب بن الأشرف، والحديث الأول نص على كفر أبي طالب، فمن شك في كفر هؤلاء فقد شك الأحاديث الصحيحة، وهذا قدح في الشرع، وتكذيب له.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة لذا يظهر لي واللَّه أعلم أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
(1) هو عبد اللَّه بن أَبي أُمية بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة المخزومي، هو أَخو أُم سلمة التي تزوجها النبي بعد ذلك، كان كافرًا يوم موت أبي طالب، ثُم أَسلم عبد اللَّه يوم الفتح واستشهد في تلك السنة في غزاة حنين. انظر: معجم الصحابة 3/ 533، تعجيل المنفعة لابن حجر 211.
(2)
صحيح البخاري (رقم: 1294)، وصحيح مسلم (رقم: 24).