الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السرقة، وليس ثمة دليل يدل على إخراج ما سرقه كل الأصل من الفروع، الشبهة منتفية في السرقة، فيجب إقامة الحد.
أما ابن حزم فسبق أنه لا يعتبر الشبهات دارئة للحد أصلًا.
النتيجة:
يتحصل مما سبق أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لثبوت الخلاف فيها، ولذا لما ساق ابن قدامة المسألة قال:"الوالد لا يقطع بالسرقة من مال ولده، وإن سفل وسواء في ذلك الأب والأم والابن والبنت، والجد والجدة من قبل الأب والأم، وهذا قول عامة أهل العلم"(1)، ثم ذكر المخالف في المسألة، وهو كما قال، واللَّه تعالى أعلم.
[70/ 1] المسألة السبعون: الرقيق إذا سرق من مال سيده فلا قطع
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الرقيق لغةً واصطلاحًا:
• الرقيق لغةً: قال ابن منظور: "الرَّقِيقُ نقيض الغَلِيظ والثَّخِينِ، والرِّقَّةُ ضدُّ الغِلَظ، رَقَّ يَرِقُّ رِقَّة فهو رَقِيقٌ، ورُقاقٌ، وأَرَقَّه ورَقَّقه، والأُنثى رَقيقةٌ، ورُقاقةٌ، . . . والرِّقُّ -بالكسر-: المِلك والعُبوديَّةُ، والجمع: أرقَّاء"(2).
• الرقيق اصطلاحًا: الرِّق: هو عجز حكمي شُرع في الأصل جزاء عن الكفر (3). وبيان ذلك:
أما أنه عجز: فلأنه لا يملك ما يملكه الحر من الشهادة، والقضاء، وغيرهما.
وأما أنه حكمي: فلأن العبد قد يكون أقوى في الأعمال الحسيَّة من الحر.
أما كونه جزاء عن الكفر: فلأن أساس موجبه أن يُسبى الشخص -ذكرًا أو
(1) المغني (9/ 115 - 116).
(2)
لسان العرب، مادة:(رقق)، (10/ 121).
(3)
انظر: فتح القدير (8/ 283)، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (4/ 281)، أسنى المطالب (3/ 16).
أنثى- وهو كافر (1).
والحاصل: أن لفظ الرقيق يطلق على الواحد والجمع، وهو الشخص المملوك لغيره، فاقد التصرف بذاته ومكاسبه. ويسمى بالرقيق، والعبد، والقِن، والمملوك.
• ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان السارق رقيقًا غير آبق قد سرق من مال سيده، فإنه لا قطع حينئذٍ.
ويتحصل مما سبق أن العبد إن كان آبقًا من سيده الذي سرق منه، أو سرق من غير سيده، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا على أن لا قطع على العبد إذا سرق من مولاه"(2). وقال ابن عبد البر (463 هـ): "الجمهور من العلماء الذين هم حجة على من شذ عنهم أجمعوا على أن العبد لا يقطع في ما سرق من مال سيده وسيدته، وكذلك الأمة لا قطع عليها في ما سرقت من مال سيدها وسيدتها مما يؤتمن عليه ومما لا يؤتمنون عليه. . . ثبت عن عمر بمحضر من الصحابة قوله: "خادمكم سرق متاعكم" فجعلوا العلة المانعة من القطع في الغلام الذي شكا بن الحضرمي وهو غلامه أنه سرق مرآة امرأته قوله: "خادمكم سرق متاعكم"، وثبت عن ابن مسعود أنه قال في عبد سرق من مال سيده: "مالك سرق بعضه بعضًا"، ولا أعلم لعمر وابن مسعود مخالفًا من الصحابة، ولا من التابعين بعدهم، إلى ما ذكرنا من اتفاق العلماء أئمة الفتوى بالأمصار على ذلك"(3).
وقال ابن العربي (543 هـ): "إذا سَرق العبدُ من مال سيده، أو السيد من
(1) انظر: التعريفات (48)، التوقيف على مهمات التعاريف (370)، القاموس الفقهي، حرف: الراء، (152).
(2)
الإجماع (111).
(3)
الاستذكار (7/ 557 - 558).
عبده: فلا قطع بحال؛ لأن العبد وماله لسيده، فلم يقطع أحدٌ بأخذ مال عبده لأنه أخْذٌ لماله، وإنما إذا سَرَق العبدُ يسقط القطع بإجماع الصحابة" (1).
وقال الكاساني (587 هـ): "لا يقطع عبد في سرقة من مولاه مكاتبًا كان العبد، أو مدبرًا، أو تاجرًا عليه دين، أو أم ولد سرقت من مال مولاها: لأن هؤلاء مأذونون بالدخول في بيوت ساداتهم للخدمة، فلم يكن بيت مولاهم حرزًا في حقهم، وذكر في الموطأ أن عبد اللَّه ابن سيدنا عمر، والحضرمي جاءا إلى عمر رضي الله عنه بعبد له فقال: اقطع هذا فإنه سرق فقال: وما سرق قال: مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهمًا، فقال سيدنا عمر رضي الله عنه: أرسله ليس عليه قطع، خادمكم سرق متاعكم، ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر: فيكون إجماعًا"(2).
وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "العبد يسرق مال سيده، فإن الجمهور من العلماء على أنه لا يقطع. . . ويدرء الحد، قال عمر رضي الله عنه وابن مسعود ولا مخالف لهما من الصحابة"(3). وقال ابن قدامة (620 هـ): "أما العبد إذا سرق من مال سيده، فلا قطع عليه في قولهم جميعًا -أي الأئمة الأربعة- ووافقهم أبو ثور فيه، وحكي عن داود أنه يقطع؛ لعموم الآية، ولنا ما روى السائب بن يزيد قال: "شهدت عمر بن الخطاب، وقد جاءه عبد اللَّه بن عمرو بن الحضرمي بغلام له فقال: إن غلامي هذا سرق، فاقطع يده، فقال عمر: ما سرق؟ قال: سرق مرآة امرأتي، ثمنها ستون درهما، فقال: أرسله، لا قطع عليه، خادمكم أخذ متاعكم، ولكنه لو سرق من غيره قطع"، وفي لفظ قال: "مالكم سرق بعضه بعضا، لا قطع عليه" رواه سعيد، وعن ابن مسعود: "أن رجلا جاءه فقال: عبد لي سرق قباء لعبد لي آخر، فقال: لا قطع؛ مالك سرق
(1) أحكام القرآن (3/ 110).
(2)
بدائع الصنائع (7/ 75).
(3)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 383).
مالك"، وهذه قضايا تشتهر، ولم يخالفها أحد، فتكون إجماعا، وهذا يخص عموم الآية، ولأن هذا إجماع من أهل العلم؛ لأنه قول من سمينا من الأئمة ولم يخالفهم في عصرهم أحد، فلا يجوز خلافه يقول من بعدهم، كما لا يجوز ترك إجماع الصحابة يقول واحد من التابعين"(1)، ونقله عنه ابن قاسم (2).
وقال القرطبي (671 هـ): "لا يقطع العبد إن سرق من مال سيده. . . وسقط قطع العبد بإجماع الصحابة"(3). وكذا قال ابن قدامة (682 هـ) نفس أحرف ابن قدامة (4). وقال ابن الهمام (861 هـ) بعد أن نقل أثر عمر رضي الله عنه: "وعن ابن مسعود مثله، ولم ينقل عن أحد من الصحابة شيء خلافه، فحل محل الإجماع"(5). وقال ابن حجر الهيتمي (973 هـ): "لا قطع بسرقة من فيه رق ولو مبعضًا ومكاتبًا مال سيد، أو أصله، أو فرعه، أو نحوهما، من كل من لا يقطع السيد بسرقة ماله إجماعًا"(6). وقال المطيعي (1404 هـ): "واختلفوا إذا سرق العبد من مال سيده، فالجمهور على أنه لا يقطع. . . قال عمر وابن مسعود ولا مخالف لهما من الصحابة"(7).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
ما أخرجه مالك وعبد الرزاق (8). . .
(1) المغني (9/ 116).
(2)
انظر: حاشية الروض المربع (7/ 368).
(3)
تفسير القرطبي (6/ 167).
(4)
الشرح الكبير (10/ 276 - 277).
(5)
فتح القدير (5/ 383).
(6)
تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 130)، وانظر: مغني المحتاج (5/ 471).
(7)
المجموع (20/ 101).
(8)
هو عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري، مولاهم، أبو بكر الصنعاني، من حفاظ الحديث الثقات، من أهل صنعاء، كان يحفظ نحوًا من سبعة عشر ألف حديث من كتبه:"الجامع الكبير"، قال عنه الذهبي:"هو خزانة علم"، وله كتاب في تفسير القرآن، ولد سنة (126) هـ، وتوفي سنة (211) هـ. انظر: انظر: البداية والنهاية 10/ 265، تذكرة الحفاظ 1/ 364، تهذيب التهذيب 6/ 310.
عن السائب بن يزيد (1): "أن عبد اللَّه بن عمرو ابن الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له: اقطع يد غلامي هذا؛ فإنه سرق، فقال له "عمر: ماذا سرق؟ فقال: سرق مرآة لامرأتي ثمنها ستون درهمًا، فقال عمر: أرسله فليس عليه قطع؛ خادمكم سرق متاعكم" (2).
• وجه الدلالة: أن عمر رضي الله عنه لم يقطع العبد حين سرق من مال سيده، ولم ينكر عليه ذلك أحد (3).
2 -
أنه مروي عن جماعة من الصحابة ولا مخالف لهم، كما سبق في كلام ابن قدامة، وابن عبد البر، وابن العربي، والكاساني.
2 -
من النظر:
أ- لئلا يجتمع على السيد عقوبتان، ضياع ماله، وقطع غلامه (4).
ب- لشبهة استحقاق النفقة، والحدود تدرأ بالشبهات (5).
• المخالفون للإجماع: حكي عن داود، وأبي ثور أن العبد يقطع إن سرق من مال سيده (6).
إلا أن ابن عبد البر قال في نقل أبي ثور: "قال أبو ثور: يقطع العبد إذا سرق من سيده إلا أن يمنع منه إجماع"(7).
(1) السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة ويقال: عائذ بن الأسود الكندي أو الأزدي، توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن تسع سنين تقريبًا، له ولأبيه صحبة، استعمله عمر على سوق المدينة، مات سنة (82) هـ، وقيل: بعد التسعين، قال بن أبي داود:"هو آخر من مات بالمدينة من الصحابة". انظر: الكاشف 1/ 347، البداية والنهاية 9/ 83، الإصابة 3/ 26.
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (1321)، وعبد الرزاق في المصنف (10/ 210).
(3)
انظر: المغني (9/ 116)، فتح القدير (5/ 383).
(4)
انظر: حاشية الدسوقي (4/ 345).
(5)
انظر: تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 130).
(6)
انظر: المغني (9/ 116)، الأحكام السلطانية (284)، البحر الزخار (6/ 172).
(7)
الاستذكار (7/ 557).