الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وجه الدلالة من هذه الآيات: في هذه الآيات أوجب اللَّه تعالى على عباده اتباع أمر اللَّه تعالى وأمر رسوله، وطاعة اللَّه ورسوله، وحقيقة استحلال ما حرمه اللَّه أو تحريم ما أحله اللَّه ينافي هذا الاتباع.
10 -
من النظر: أن المستحل لما حرمه الشرع، أو المحرم لما أباحه الشرع هو في حقيقة فعله مكذب للقرآن أو السنة، ومكذب بشرع محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو يزعم بهذا الفعل جواز التشريع بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وتبديل شرع محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا كفر مخرج من الملة؛ لأن اللَّه تعالى قد أخبر بأنه أكمل لنا الدين فقال سبحانه:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1)، ونهى عليه الصلاة والسلام إحداث شيء في الشرع بلا دليل، كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)(2).
وفي رواية لمسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)(3).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[89/ 4] المسألة: التاسعة والثمانون: السجود للعلماء ولو كانوا محدثين حرام
.
• المراد بالمسألة: إذا سجد الإنسان لشخص من باب تعظيمه سجود تعظيم، فإن ذلك حرام، كما لو سجد لعالم من العلماء، أو سجد لوالده، أو سجدت المرأة لزوجها، أو العبد لسيده، أو غير ذلك، فكله حرام منهي عنه في الشرع. ويتبين مما سبق أنه لو سجد سجود عبادة، أي: بنية العبادة، فمسألة أخرى ليست مرادة في الباب.
(1) سورة المائدة، آية (3).
(2)
البخاري (رقم: 2550)، مسلم (رقم: 1718).
(3)
مسلم (رقم: 1718)
• من نقل الإجماع: قال النووي (676 هـ): "أما ما يفعله عوام الفقراء وشبههم من سجودهم بين يدي المشايخ، وربما كانوا محدثين، فهو حرام بإجماع المسلمين"(1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "أجمع المسلمون على أن السجود لغير اللَّه محرم"(2).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السجود لغير اللَّه تعالى في أحاديث منها:
1 -
عن معاذ رضي الله عنه أنه قدم اليمن -أو قال الشام- فرأى النصارى تسجد لبطارقتها (3) وأساقفتها (4)، فرأى في نفسه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم، فلما قدم قال: يا رسول اللَّه رأيت النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها، فرأيت في نفسي أنك أحق أن تعظم، فقال صلى الله عليه وسلم:(لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولا تؤدي المرأة حق اللَّه عز وجل عليها كله حتى تؤدي حق زوجها عليها كله)(5).
(1) المجموع (2/ 79).
(2)
مجموع الفتاوى (4/ 358).
(3)
الأسقُف: هو عظيم النصارى ورئيسهم، وجمعه: أساقفة. انظر: تهذيب اللغة (8/ 315)، المحيط في اللغة (5/ 293)، المعجم الوسيط (1/ 61).
(4)
البطريق: هو القائد بلغة أهل الووم، وهو معرب، وجمعه: بطارقة. انظر: المخصص (1/ 323)، تهذيب اللغة (3/ 309)، الصحاح (5/ 136).
(5)
أخرجه أحمد (36/ 318)، وابن ماجه (رقم: 1853). وأخرجه الترمذي (رقم: 1159) ثم قال: "وفي الباب عن معاذ بن جبل، وسراقة بن مالك بن جعشم، وعائشة، وابن عباس، وعبد اللَّه بن أبى أوفى، وطلق بن علي، وأم سلمة، وأنى، وابن عمر. قال أبو عيسى: حديث أبى هريرة حديث حسن غريب". قال الحاكم في "المستدرك"(4/ 195). "حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، وصححه الألبانى في إرواء الغليل (7/ 54). بينما ضعفه ابن حزم فقال في المحلى (10/ 160 - 161) بعد ذكره بعض طرق الحديث: "كل هذا باطل، أما حديث بريدة ففيه عبيد من إسحاق يعرف بعطار المطلقات، كوفي يحدث بالباطل ليس بشيء، وأما حديث معاذ فمنقطع لأن أبا ظبيان لم يلق معاذًا ولا أدركه، وأما حديث أنس =
2 -
عن قيس بن سعد قال: أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان (1) لهم، فقلت: رسول اللَّه أحق أن يسجد له، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فأنت يا رسول اللَّه أحق أن نسجد لك؛ قال:(أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له)، قال: قلت: لا، قال:(فلا تفعلوا؛ لوكنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن؛ لما جعل اللَّه لهم عليهن من الحق)(2).
3 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول اللَّه الرجل منَّا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: (لا)، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: (لا)، قال أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال:(نعم)(3).
4 -
من النظر: لأن اللَّه تعالى جعل السجود أحد أنواع العبادة التي يتقرب بها إليه تعالى، ولا ويجوز صرف شيء من العبادات لغيره سبحانه.
= ففيه حفص بن أخى أنس ولا يعرف لأنس ابن أخ اسمه حفص، ولا أخ لأنس إلا البراء بن مالك من أبيه، وعبد اللَّه بن أبى طلحة من أمه ولا يعرف لواحد منهما ولد اسمه حفص، وخلف بن خليفة ليس بالحافظ، وأما حديث سراقة ابن جعشم فمنقطع؛ لأن على بن رباح لم يدرك سراقة قط، وأما حديث قيس بن سعد ففيه شريك بن عبد اللَّه القاضى وهو مدلس يدلس المنكرات عمن لا خير فيه إلى الثقات".
(1)
المِرزِبان: رئيس الفرس، أو الفارس الشجاع المقدم على القوم، وهو دون الملك في الرتبة، ومرزبان القوم: هو رئيسهم وكبيرهم. انظر: المعجم الوسيط (1/ 341).
(2)
أخرجه أبو داود (رقم: 2140)، قال الحاكم في المستدرك (2/ 204):"حديث صحيح الأسناد ولم يخرجاه"، وقال التذهبي في تعليقه:"صحيح"، وقال الألباني في "إراواء الغليل" (7/ 57):"صحيح دون جملة القبر"، بينما ضعفه ابن حزم كما سبق بيانه في الحديث السابق.
(3)
أخرجه أحمد (20/ 340)، والترمذي (رقم: 2728)، وابن ماجه (رقم: 3702)، قال الترمذي (5/ 75):"حديث حسن"، وصححه ابن القيم في "زاد المعاد"(4/ 145). بينما أشار البيهقي إلى ضعفه؛ حيث قال في سننه الكبرى (7/ 100)"تفرد به حنظلة السدوسي، وكان قد اختلط، تركه يحيى القطان لاختلاطه". وقال الرافعي في التلخيص (3/ 311): "حسنه الترمذي، واستنكره أحمد لأنه من رواية السدوسي وقد اختلط، وتركه يحيى القطان".