الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في أن حكم المرتد المقدور عليه ليس هو الصلب، ولا قطع اليد والرجل، ولا النفي من الأرض" (1). وقال أبو بكر الجصاص (370 هـ):"لا خلاف أن أحدًا لا يستحق قطع اليد والرجل بالكفر"(2).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن اللَّه تعالى ذكر الصلب والقطع من خلاف في حد الحرابة كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (3).
أما المرتد فإنما حده السيف، كم سيأتي بيانه (4).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[3/ 2] المسألة الثالثة: التفريق بين البغاة والخوارج
.
• المراد بالمسألة: الخوارج الذين خرجوا في زمن الصحابة رضوان اللَّه عليهم، فيهم بغي من حيث أنهم خرجوا على الإمام بتأويل سائغ، كما أن الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم حصل من بعضهم ما يسمى بالبغي حين خرج معاوية وأتباعه على علي رضي الله عنه بتأول منه، وصار بينهما قتال الجمل وصفين، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم بالفئة الباغية، كما ثبت عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمار رضي الله عنه (5): . . .
(1) المحلى (12/ 280).
(2)
أحكام القرآن (2/ 572).
(3)
سورة المائدة، آية (33).
(4)
انظر: المسألة الأربعون في باب حد الردة تحت عنوان: "وجوب قتل المرتد".
(5)
هو أبو اليقظان، عمار بن ياسر بن مالك بن كنانة العنسي ثم المذحجي، قال ابن عبد البر: "كان عمار وأمه سمية ممن عُذِّب في اللَّه، ثم أعطاهم عمار ما أرادوا بلسانه واطمأن بالإيمان قلبه، =
(تقتلك الفئة الباغية)(1)، وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار)(2)، ولكن بغاة الخوارج لا يُعطون أحكام الصحابة الذين بغوا على علي رضي الله عنه، فبينهما فرق.
فالمقصود بالمسألة التفريق فيما حصل في زمن الصحابة رضي الله عنهم بين فعل من بغى على علي رضي الله عنه، وفعل الخوارج.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "فليس يختلف أحد في أن حكم الباغي غير حكم المحارب، وبالتفريق بين حكمهما جاء القرآن"(3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "قتال مانعي الزكاة والخوارج ونحوهم ليس كقتال أهل الجمل وصفين، وهذا هو المنصوص عن جمهور الأئمة المتقدمين، وهو الذي يذكرونه في اعتقاد أهل السنة والجماعة، وهو مذهب أهل المدينة: كمالك وغيره، ومذهب أئمة الحديث كأحمد وغيره، وقد نصوا على الفرق بين هذا وهذا في غير موضع. . . وبالجملة فهذه الطريقة هي الصواب المقطوع به، فإن النص والإجماع فرق بين هذا وهذا، وسيرة علي رضي الله عنه تفرق بين هذا وهذا، فإنه قاتل الخوارج بنص رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وفرح بذلك، ولم ينازعه فيه أحد من الصحابة، وأما القتال يوم صفين فقد ظهر منه من كراهته والذم عليه ما ظهر"(4).
= فنزلت فيه: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان وهذا مما اجتمع أهل التفسير عليه"، هاجر إلى أرض الحبشة، وصلى القبلتين، وهو من المهاجرين الأولين، ثم شهد بدرًا والمشاهد كلها وأبلى ببدرٍ بلاءً حسنًا، ثم شهد اليمامة، ويومئذ قطعت أذنه، قتل في صفين. انظر: الطبقات الكبرى 3/ 246، سير أعلام النبلاء 1/ 354، الإصابة 4/ 575.
(1)
صحيح مسلم، (رقم: 2916).
(2)
صحيح البخاري (رقم: 436).
(3)
المحلى (11/ 338).
(4)
مجموع الفتاوى (28/ 516)، وانظر: مجموع الفتاوى (28/ 487).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن الشارع ندب إلى قتال الخوارج، وحث عليه صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الخوارج:(تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وقراءتكم مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنَّهم قتل عاد)(1)، وفي رواية:(قتل ثمود)(2)، وفي رواية:(لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قُضي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لاتَّكلوا عن العمل)(3)، وفي رواية:(أينما لقيتوهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة)(4).
بخلاف قتال الصحابة رضي الله عنهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على الحسن بن علي رضي الله عنهما (5) بكونه يصلح بين ما جرى من قتال بين الصحابة رضوان اللَّه عليهم، كما أخرج ذلك البخاري في صحيحه عن الحسن رضي الله عنه قال: لقد سمعت أبا بكرة رضي الله عنه (6) يقول: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن
(1) صحيح البخاري (رقم: 6995)، وصحيح مسلم (رقم 1064).
(2)
صحيح البخاري (رقم: 4099)، وصحيح مسلم، كتاب: الزكاة، باب: ذكر الخوارج وصفاتهم (2064) عن أبي سعيد رضي الله عنه.
(3)
صحيح مسلم، كتاب: الزكاة، باب: التحريض على قتل الخوارج، (رقم: 1066).
(4)
صحيح البخاري (رقم: 3415)، وصحيح مسلم (رقم: 1066) عن علي رضي الله عنه.
(5)
هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي، سبط رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وريحانته، وأحد سيدي شباب الجنة، وقد صحبه وحفظ عنه، كان عاقلًا، حليمًا، محبًا للخير، فصيحًا، من أحسن الناس منطقًا وبديهة، كان من أشبه الناس برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولد في المدينة في السنة الثالثة للهجرة، وقيل الرابعة، ومات شهيدًا بالسم سنة (49 هـ). انظر: وفيات الأعيان 2/ 65، سير أعلام النبلاء 3/ 246، الإصابة 2/ 68.
(6)
هو أبو بكرة الثقفي الطائفي، مولى النبي صلى الله عليه وسلم، اسمه نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج بن أبي سلمة، وقيل: نفيع بن مسروح وبه جزم ابن سعد، وكان أبو بكرة ينكر أنه ولد الحارث، ويقول: أنا نفيع بن مسروح، وهو أخو زياد لأمه، مشهور بكنيته، تدلى في حصار الطائف =
علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة، وعليه أخرى، ويقول:(إن ابني هذا سيد، ولعل اللَّه أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)(1).
وقد أجمع الصحابة ومن بعدهم على قتال الخوارج، وإنما اختلف أهل العلم في حكمهم هل يأخذون أحكام المرتدين أم لا، بخلاف واقعة الجمل وصفين، فقد كان الصحابة فيها على ثلاث طوائف، فطائفة مع علي رضي الله عنه، وطائفة مع معاوية رضي الله عنه، وطائفة اعتزلت، والمقاتلين إنما قاتلوا من باب دفع الصائل، فلا يقتل الأسير، ولا يجهز على الجريح.
كما اتفق أهل العلم على أن البغاة يراد من قتالهم كف شرهم فلا يبدؤون بالقتال إذا لم يقاتلوا، بخلاف الخوارج فذهب طائفة منهم ابن قدامة إلى مشروعية بدأهم بالقتال (2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "من سوَّى بين قتال الصحابة الذين اقتتلوا بالجمل وصفين وبين قتال ذي الخويصرة التميمي وأمثاله من الخوارج المارقين والحرورية المعتدين كان قولهم من جنس أقوال أهل الجهل والظلم المبين، ولزم صاحب هذا القول أن يصير من جنس الرافضة والمعتزلة الذين يكفرون أو يفسقون المتقاتلين بالجمل وصفين، كما يقال مثل ذلك في الخوارج المارقين، فقد اختلف السلف والأئمة في كفرهم على قولين مشهورين، مع اتفاقهم على الثناء على الصحابة المقتتلين بالجمل وصفين، والإمساك عما شجر بينهم،
= ببكرة، وفرَّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم على يده، وأعلمه أنه عبد فأعتقه، وكناه بأبي بكرة، سكن البصرة، وكان من فقهاء الصحابة وفضلائهم، اعتزل الفريقين في وقعة الجمل، مات سنة (51) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 3/ 5، تهذيب التهذيب 10/ 418، الإصابة 3/ 571.
(1)
صحيح البخاري، كتاب: الصلح، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما، (رقم: 2557).
(2)
انظر: المغني (9/ 5)، مجموع الفتاوى (28/ 518).