الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحمد رواية بأن الحد يسقط بالتوبة مطلقًا، ولو بعد الترافع للحاكم، وردَّ ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وقرر في كتابه "الصارم المسلول" أن مذهب الإمام أحمد في المسألة على التفصيل الآتي:
أولًا: أن يتوب بعد ثبوت الحد عند الإمام، فهنا لا يسقط قولًا واحدًا عن الإمام أحمد.
ثانيًا: أن يتوب قبل أن يقر بالحد، بأن يجيء للإمام تائبًا، فهذه لا حد فيها عند الإمام أحمد.
ثالثًا: أن يتوب بعد أن يقر، بأن يقر ثم يتوب، ففي هذه الحال روايتان عن أحمد، فكان يقول بسقوط الحد عنه، ثم رجع وقال بعدم سقوط الحد (1).
الحال الثانية: إن رد السارق المسروق مع غير توبة، فكون الحد لا يسقط محل إجماع، واللَّه تعالى أعلم.
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع فيما إذا رد المسروق بلا توبة، أما مع التوبة فالإجماع فيها غير محقق كما سيأتي -إن شاء اللَّه تعالى- (2).
[22/ 1] المسألة الثانية والعشرون: السرقة لغة هي أخذ الإنسان ما ليس له عن طريق الخفية، ولا يشترط الحرز في السرقة من جهة اللغة
.
• المراد بالمسألة: المراد بالمسألة أن اسم السرقة في لغة العرب إنما يطلق على من أخذ الشيء عن طريق الخفية، أما باقي شروط القطع كاشتراط الحرز أو النصاب أو غيرها فإنها مما لا يمكن اعتمادها إلا بدليل شرعي، لا بمقتضى اللغة.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "أما الإجماع فإنه لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له، والسارق
(1) انظر: الصارم المسلول (1/ 507).
(2)
انظر: المسألة الخامسة والثمانون تحت عنوان: "حد السرقة لا يسقط بالتوبة بعد الرفع".
هو المختفي بأخذ ما ليس له" (1).
وقال: "باللغة يدري كل أحد يدري اللغة أن من سرق -من حرز أو من غير حرز- فإنه سارق، وأنه قد اكتسب سرقة، لا خلاف في ذلك"(2).
• مستند الإجماع: يدل على ذلك أن أهل اللغة ذكروا السرقة على أنها الأخذ عن طريق الخفية، فقال ابن فارس:"السين والراء والقاف أصلٌ يدلُّ على أخذ شيء في خفاء وسِتر، يقال سَرَقَ يَسْرق سَرِقَةً، والمسروق سَرَقٌ، واستَرَقَ السَّمع، إذا تسمَّع مختفيًا"(3).
• المخالفون للإجماع: نقل ابن منظور، والزبيدي، أن السارق عند العرب:"من جاء مُسْتَتِرًا إلى حِرْزٍ فأخذ منه ما ليس له"(4). وقال الفيروزآبادي: "سرق منه الشيء يسرق سَرَقًا. . .: جاء مستترًا إلى حرز فأخذ مالًا لغيره"(5). وقال التهانوي: "سرق منه شيئًا: أي جاء مستترًا إلى حرز فأخذ مال غيره"(6).
كما ذكر الصنعاني في الاستدلال لكون الحرز معتبر في قطع السارق: "الإحراز مأخوذ في مفهوم السرقة، فإن السرقة والاستراق هو المجيء مستترًا في خفية؛ لأخذ مال غيره من حرز، كما في القاموس وغيره، فالحرز مأخوذ في مفهوم السرقة لغة، ولذا لا يقال لمن خان أمانته: سارق"(7).
وقال الشوكاني: "مما يؤيد اعتباره قول صاحب القاموس: "السرقة والاستراق: المجيء لأخذ مال غيره من حرز"، فهذا إمام من أئمة اللغة جعل الحرز جزءًا من مفهوم السرقة"(8).
(1) المحلى (12/ 312).
(2)
المحلى (12/ 300).
(3)
معجم مقاييس اللغة، مادة:(سرق)، (3/ 120).
(4)
لسان العرب، مادة:(سرق)، (10/ 155).
(5)
القاموس المحيط (1153).
(6)
كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم (1625).
(7)
سبل السلام (2/ 437).
(8)
نيل الأوطار (7/ 155).