الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن كثير في تفسير الآية: "أي: ولا يأمركم بعبادة أحد غير اللَّه، لا نبي مرسل ولا ملك مُقَرَّب، {أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} أي: لا يَفْعَل ذلك؛ لأنَّ من دعا إلى عبادة غير اللَّه فقد دعا إلى الكفر، والأنبياء إنما يأمرون بالإيمان، وهو عبادة اللَّه وحده لا شريك له"(1).
4 -
قال القرطبي في تفسير الآية: "قوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ} أي في تحليل الميتة {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}، فدلت الآية على أن من استحل شيئًا مما حرم اللَّه تعالى صار به مشركًا، وقد حرم اللَّه سبحانه الميتة نصًا، فإذا قبل تحليلها من غيره فقد أشرك"(3).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[80/ 4] المسألة الثمانون: استحلال مباشرة الأمرد والنظر إليه بشهوة زعمًا أن ذلك سبيل إلى محبة اللَّه كفر
.
• المراد بالمسألة: المراد بالأمرد هنا هو الشاب الوسيم، ذو الوجه الحسن.
قال ابن منظور: "المَرَدُ: نَقاءُ الخدين من الشعر، ونَقاء الغُصْن من الوَرَق، والأَمْرَدُ الشابُّ الذي بلغَ خروج لِحْيته، وطَرَّ شاربه، ولم تبد لحيته"(4).
فمن المعلوم ضرورة إباحة نظر الرجل للرجل، لكن هذا مقيد بألا يكون النظر لشهوة، فإن كان لشهوة فهو حرام، ومن استحل النظر للأمرد بشهوة، وزعم أن هذا النظر من الأعمال التي تقرب إلى اللَّه تعالى، فإنه يكفر بذلك،
(1) تفسير ابن كثير (2/ 67).
(2)
سورة الأنعام (121).
(3)
تفسير القرطبي (7/ 77).
(4)
لسان العرب، مادة:(مرد)، (3/ 400).
بخلاف من فعل ذلك دون استحلال فإن ذلك معصية لا تصل للكفر.
ويتبين مما سبق أن من كرر النظر للأمرد لا لشهوة، فإن ذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "ومن هؤلاء من يستحل بعض الفواحش، كاستحلال مؤاخاة النساء الأجانب، والخلو بهن؛ زعمًا منه أنه يحصل لهن البركة بما يفعله معهن، وإن كان محرمًا في الشريعة.
وكذلك من يستحل ذلك من المردان، ويزعم أن التمتع بالنظر إليهم ومباشرتهم هو طريق لبعض السالكين، حتى يترقى من محبة المخلوق إلى محبة الخالق، ويأمرون بمقدمات الفاحشة الكبرى، وقد يستحلون الفاحشة الكبرى، كما يستحلها من يقول إن التلوط مباح بملك اليمين، فهؤلاء كلهم كفار باتفاق المسلمين" (1). وقال في موضع آخر: "وأما من نظر إلى المردان ظانًا أنه ينظر إلى مظاهر الجمال الإلهي، وجعل هذا طريقًا له إلى اللَّه، كما يفعله طوائف من المدعين للمعرفة، فقوله هذا أعظم كفرًا من قول عباد الأصنام، ومن كفر قوم لوط.
فهؤلاء من شر الزنادقة المرتدين الذين يجب قتلهم بإجماع كل أمة" (2)، ونقله عنه المرداوي (3)، والسفاريني (4)(5).
(1) مجموع الفتاوى (11/ 405).
(2)
مجموع الفتاوى (15/ 423).
(3)
انظر: الإنصاف (8/ 30).
(4)
هو أبو عون، محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي، شمس الدين، عالم بالحديث، والأصول، والأدب، رحل إلى دمشق، فأخذ عن علمائها، ثم عاد إلى نابلس فدرس وأفتى، من تصانيفه:"غذاء الألباب شرح منظومة الآداب"، ولوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية المضية في عقد أهل الفرقة المرضية"، و"تحبير الوفا في سيرة المصطفى"، ولد في سفارين -من قرى نابلس- سنة (1114)، ومات بها سنة (1188 هـ). انظر: الأعلام 6/ 14، معجم المؤلفين 8/ 262، معجم المطبوعات 1028.
(5)
غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/ 98).
وقال ابن مفلح: "ويحرم النظر بشهوة -أي إلى الأمرد-، ومن استحله كفر إجماعًا"(1).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
أن النظر إلى الأمرد بشهوة طريق للوقوع في فاحشة اللواط، وإذا كان اللَّه تعالى نهى عما يقرب للزنى في قوله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (2)، فتحريم ما يدعوا للواط من باب أولى؛ لأن اللواط أقبح منه (3).
2 -
أن النظر للأمرد بشهوة داخل ضمن قول اللَّه تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} (4).
3 -
الإجماع على تحريم النظر للأمرد بشهوة، كما نص عليه جماعة من أهل العلم منهم: ابن الحاج (5)(6)، والنفراوي (7)، والشربيني (8)، والرملي (9)، وابن حجر الهيتمي (10)، وشيخ الإسلام ابن تيمية (11)، وجماعة (12).
(1) الفروع (5/ 174).
(2)
سورة الإسراء، آية (32).
(3)
وقد بين ابن القيم في إعلام الموقعين (3/ 110 - 115) أن الشيء المباح في نفسه قد يكون محرمًا، وذلك إن كان يؤدي إلى محرم، وذكر على ذلك بضعًا وثلاثين دليلًا.
(4)
سورة النور، آية (30).
(5)
هو أبو عبد اللَّه، محمد بن محمد بن محمد العبدري، الفاسي، الشهير بابن الحاج، فقيه مالكي، الزاهد، القدوة، ولد بفاس، وتفقه بها، ثم قدم مصر، وكف بصره في آخر عمره، من كتبه:"شموس الأنوار وكنوز الأسرار"، و"مدخل الشرع الشريف على المذاهب الأربعة"، توفي بالقاهرة سنة (737) هـ، وقد عاش بضعًا وثمانين سنة. انظر: الدرر الكامنة 5/ 507، هدية العارفين 2/ 25، معجم المؤلفين 11/ 284.
(6)
انظر: المدخل (2/ 8).
(7)
انظر: الفواكه الدواني شرح رسالة أبي زيد القيرواني (2/ 276).
(8)
انظر: مغني المحتاج (4/ 212).
(9)
انظر: نهاية المحتاج (6/ 192).
(10)
انظر: تحفة المحتاج (7/ 198).
(11)
انظر: مجموع الفتاوى (11/ 543)، (21/ 248).
(12)
انظر: رد المحتار على الدر المختار (1/ 407).