الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومستلب، ومنتهب، ومحترس، فإن منع مما في يديه فهو غاصب" (1).
بل حكاه ابن حزم إجماعًا فقال: "أما الإجماع فإنه لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في أن السرقة هي الاختفاء بأخذ الشيء ليس له، وأن السارق هو المختفي بأخذ ما ليس له"(2).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم، وسيأتي مزيد توضيح للمسألة في الكلام على المنتهب، والمختلس، إن شاء اللَّه تعالى.
[15/ 1] المسألة الخامسة عشرة: حد السرقة لا يقبل الفداء
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف الفداء: قال الجرجاني: "الفداء: البدل الذي يتخلص به المكلف عن مكروه توجه إليه"(3).
ثانيًا: صورة المسألة: إذا ثبتت السرقة عند الإمام على شخص بما يوجب القطع، فأراد أن يفتدي بمبلغ من المال أو غيره، لأجل ترك قطع يده، أو يقيم غيره مكانه لتقطع يده دونه، فهنا لا يقبل منه الفداء.
ويتبين مما سبق أن الفداء إن كان قبل بلوغ الأمر للحاكم فمسألة أخرى ليست مرادة في الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "قد أجمع المسلمون على أن تعطيل الحد بمال يؤخذ، أو غيره لا يجوز، وأجمعوا على أن المال المأخوذ من الزاني، والسارق والشارب، والمحارب، وقاطع الطريق ونحو ذلك لتعطيل
(1) لسان العرب مادة: (سرق)، (10/ 155).
(2)
المحلى (12/ 311).
(3)
التعريفات (217)، وانظر: التوقيف على مهمات التعاريف (552)، وقال العسكري في الفروق اللغوية (399):"الفرق بين الفداء والعدل: أن الفداء ما يجعل بدل الشيء لينزل على حاله التي كان عليها، وسواء كان مثله أو أنقص منه، والعدل ما كان من الفداء مِثلا لما يفدى، ومنه قوله تعالى: {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: 123]، وقال تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} [المائدة: 95] أي مثله".
الحد، مال سحت خبيث" (1)، وهذا الكلام من ابن تيمية وإن لم يكن فيه التصريح بالفداء، إلا أنه عام لكل مال مأخوذ لإسقاط الحد سواء كان عن طريق الفداء، أو غيره. وقال ابن حجر (852 هـ): "الحد لا يقبل الفداء وهو مجمع عليه في الزنا والسرقة والحرابة وشرب المسكر" (2).
ولهذا السبب منع أهل العلم الكفالة في الحدود، كما نقله ابن المنذر إجماعًا حيث قال:"أجمعوا على أنه لا يجوز الكفالة في الحدود"(3)؛ وذلك لأن الحدود لا تستوفى من الكفيل عند تعذر إقامتها على المكفول، وإن كان ما نقله ابن المنذر ليس محل إجماع متحقق، فقد أجاز الكفالة في الحدود طائفة، كأبي يوسف (4) ومحمد (5) صاحبي أبي حنيفة (6)، لكن محل الجواز هو في كونه
(1) مجموع الفتاوى (28/ 303).
(2)
فتح الباري (12/ 141).
(3)
الإجماع (114).
(4)
هو أبو يوسف، يعقوبُ بن إبراهيم الأنصاري الكوفي، تفقه على الإمام أبي حنيفة، كان فقيهًا، عابدًا، كريمًا، وتولى القضاء ببغداد أيام المهدي والهادي والرشيد، كان واسع العلم بالفقه والحديث والتفسير والمغازي وأيام العرب، قال المزني:"أبو يوسف أتبع القوم للحديث"، وقال ابن معين:"ليس في أصحاب الرأي أحد أكثر حديثًا ولا أثبت منه" من كلام أبي يوسف أنه قال: "من طلب غرائب الحديث كذب ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ومن طلب الدين بالكلام تزندق"، مات سنة (182) هـ انظر: تاريخ بغداد 14/ 242، البداية والنهاية 10/ 180، الجواهر المضية ص 220 - 222.
(5)
هو أبو عبد اللَّه، محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، مولاهم، الكوفي المنشأ، ولد بواسط، وتفقه على أبي حنيفة، سكن بغداد واختلف الناس إليه، وولاه الرشيد القضاء بعد أبي يوسف، وكان إمامًا مجتهدا من الأذكياء الفصحاء، قال أبو عبيد:"ما رأيت أعلم بكتاب اللَّه منه"، وقال الشافعي:"لو أشاء أن أقول تنزل القرآن بلغة محمد بن الحسن لقلت لفصاحته" وضعفه في الحديث جماعة من المحدثين، ولد سنة (132) هـ، وتوفي سنة (189) هـ انظر: البداية والنهاية 10/ 202، تاريخ بغداد 2/ 172، الإيثار بمعرفة رواة الآثار لابن حجر 162.
(6)
انظر: تفسير القرطبي (9/ 234)، المجموع (14/ 6).