الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
من النظر: أن أهل البغي داخلون في دائرة الإسلام، والمقصود من قتالهم دفع شرهم، وكف أذاهم، وتحصيل ذلك بالصلح أولى منه بالقتال.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[28/ 3] المسألة الثامنة والعشرون: المفارق للجماعة كالخوارج وغيرهم إذا لم يكن محاربًا لم يجز قتله إذا أسر
.
• المراد بالمسألة: لو أن طائفة رأت الخروج على الإمام، سواء كانوا خوارج يحملون معتقدًا بدعيًا مع خروجهم، أو كانوا بغاة لا يحملون المعتقد الخارجي، لكن هذه الطائفة مع كونها ترى الخروج لم تخرج، أو خرجت وكان من أفرادها من لم يخرج، فإن من ترك الخروج للحرب لا يجوز قتله، سواء كان قبل أسره، أو بعده.
وينبه إلى أن المراد بالمفارق للجماعة هو من فارق جماعة المسلمين بما لا يكون مخرجًا من الملة، أما من فارق المسلمين بكونه مرتدًا فهذا غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن حجر (852 هـ): "لو أُسِر -أي المفارق للجماعة- لم يجز قتله صبرًا، اتفاقًا في غير المحاربين"(1).
= "الضعفاء" وقال في "الميزان": وأما الترمذي فروى من حديثه: "الصلح جائز بين المسلمين"، وصححه فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي"، وقال ابن حجر في "بلوغ المرام" (257): "رواه الترمذي وصححه، وأنكروا عليه؛ لأن راويه كثير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف ضعيف، وكأنه اعتبره بكثرة طرقه".
وقال في فتح الباري (4/ 451): "كثير بن عبد اللَّه ضعيف عند الأكثر لكن البخاري ومن تبعه كالترمذي وابن خزيمة يقوون أمره".
وأخرجه أحمد (14/ 389)، وأبو داود، كتاب: الأقضية، باب: في الصلح، (رقم: 3594)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(1)
انظر: فتح الباري (12/ 202).
• مستند الإجماع: استدل المانعون من قتل من لم يقاتل مع البغاة بأدلة منها:
1 -
عموم قول اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} (1).
• وجه الدلالة: أن الآية صريحة في تحريم قتل النفس المعصومة، حتى يرد الدليل على إباحة تلك النفس، ولا دليل على إباحة قتل من بغى ولم يقاتل.
2 -
عموم الأحاديث الدالة على تحريم قتل المسلم بغير حق، ومنها:
أ- ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات) قالوا: يا رسول اللَّه، وما هن؟ قال:(الشرك باللَّه، والسحر، وقتل النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)(2).
ب- عن أنس رضي الله عنه قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر، قال:(الإشراك باللَّه، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور)(3).
• وجه الدلالة من الأحاديث: أن الأحاديث نص في تحريم قتل النفس بغير حق، ومن لم يدخل مع البغاة في حربهم فهو داخل ضمن هذه الأحاديث الدالة على تحريم قتل النفس بغير حق؛ فإن الباغي إنما شرع قتاله لدفع شره، ومن لم يقاتل مع البغاة ليس لديه شر يدفع فيبقى على الأصل في تحريم دمه.
3 -
من النظر: إذا كان أهل العلم قد حرموا قتل مدبر البغاة، والإجهاز على جريحهم، مع أنهم إنما تركوا القتال عجزًا عنه، ومتى ما قدووا عليه عادوا إليه، فمن لا يقاتل تورعًا عنه مع قدرته عليه، ولا يُخاف منه القتال بعد ذلك أولى (4).
(1) سورة النساء، آية (93).
(2)
البخاري (رقم: 2615)، مسلم (رقم: 89).
(3)
البخاري (رقم: 2510)، مسلم (رقم: 88).
(4)
انظر: المغني (9/ 6).
• المخالفون للإجماع: ذهب بعض أهل العلم إلى جواز قتل من حضر القتال ولو لم يقاتل، وهذا الرأي وجه عند الشافعية (1)، وهو قول الهادوية (2).
لكن الظاهر أن مرادهم غير النساء والصبيان والشيوخ الذين نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلهم في حرب الكفار، ممن ليس له في الحرب رأي ولا قتال.
• دليل المخالف: استدل أصحاب هذا القول بأثر عن علي رضي الله عنه أنه نهى أصحابه عن قتل محمد بن طلحة السجاد (3)، وقال:"إياكم وصاحب البرنس"، فقتله رجل، وأنشأ يقول:
وأشعث قوَّام بآيات ربه
…
قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
هتكت له بالرمح جيب قميصه
…
فخر صريعًا لليدين وللفم
على غير شيء غير أن ليس تابعًا
…
عليًا ومن لم يتبع الحق يظلم
يناشدني (حم) والرمح شاجر
…
فهلا تلا (حم) قبل التقدم.
وكان السجاد حامل راية أبيه، ولم يكن يقاتل، فلم ينكر علي قتله (4).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف بعض الشافعية في المسألة.
(1) انظر: المجموع (19/ 201).
(2)
انظر: البحر الزخار (6/ 419).
(3)
هو محمد بن طلحة بن عبيد اللَّه القرشي التيمي، المعروف بالسجاد؛ لشدة عبادته، أمه حمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش، قال ابن عبد البر:"أتى به أبوه طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فمسح رأسه وسماه محمدًا، وكناه بأبي القاسم، وقد قيل: كنيته أبو سليمان، والصحيح أبو القاسم"، قُتل محمد بن طلحة يوم الجمل مع أبيه، قتله عصام النصري. انظر: الثقات لابن حبان 3/ 364، سير أعلام النبلاء 4/ 368، الإصابة 3/ 376.
(4)
انظر: المجموع (19/ 201).