الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[18/ 4] المسألة الثامنة عشرة: المرتد لا تؤكل ذبيحته
.
• المراد بالمسألة: من ثبتت ردته شرعًا عن الإسلام إلى الكفر، فإن ذبيحته حرام لا يحل أكلها، ما لم يكن ارتداده إلى دين أهل الكتاب.
ويتحصل مما سبق أن المسلم لو ارتد إلى اليهودية أو النصرانية، فمسألة أخرى هي محل خلاف، وليست مرادة في مسألة الباب (1).
وكذا لو كانت ردته لم تثبت شرعًا، كما لو ارتد حال جنونه، أو حال كونه لم يبلغ، أو ارتد مكرهًا -على رأي من لا يرى صحة ردة البالغ أو المكره-، أو غير ذلك من الصور.
• من نقل الإجماع: حكى ابن حزم (456 هـ) الإجماع على أنه لا تؤكل ذبيحة المرتد، وذلك في معرض الرد على من قال بأن المرتد إذا أسلم فإنه لا يضمن ما أتلفه قياسًا على الكافر، فبيَّن أن بين الكافر والمرتد فرق وقال:"إجماعكم معنا على أن المرتد لا يقر على ردته بخلاف المشرك الكتابي الذي يقر على كفره إذا أدى الجزية صاغرًا وتذمم. . . وأنبما لا تؤكل ذبيحة المرتد بخلاف المشرك الكتابي"(2).
وحكاها اتفاقًا جماعة من الحنفية منهم السرخسي (483 هـ)(3)، والمرغيناني (593 هـ)(4)، ودامان (1087)(5).
(1) استثناء المرتد إلى دين الكتاب في مسألة الباب لا يعني حل ذبيحته، فإن عامة أهل العلم على تحريم ذبيحة المرتد إلى دين أهل الكتاب، ولم يخالف فيه إلا طائفة يسيرة من أهل العلم كالأوزاعي وإسحاق والثوري، واللَّه تعالى أعلم.
(2)
المحلى (12/ 33)، باختصار يسير.
(3)
انظر: المبسوط (10/ 104).
(4)
انظر: فتح القدير (6/ 82).
(5)
انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (684).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب قول اللَّه تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} (1).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى بين إباحة طعام أهل الكتاب، أي ذبائحهم، مما يدل على تحريم ذبيحة غيرهم من غير المسلمين.
قال ابن قدامة في بيان الآية: "فمفهومه تحريم طعام غيرهم من الكفار، ولأنهم لا كتاب لهم، فلم تحل ذبائحهم كأهل الأوثان"(2).
وقال ابن كثير: "فدل بمفهومه -مفهوم المخالفة- على أن طعام من عداهم من أهل الأديان لا يحل"(3).
ولأن المرتد لا يُقر على دينه الذي ارتد له، فهو في حكم الكافر والمجوسي، وقد استقرت نصوص الشريعة بتحريم ذبيحة غير المسلم، وأهل الكتاب (4).
• المخالفون للإجماع: نقل ابن حزم خلافًا في المسألة فقال: "وعن بعض الفقهاء: أكل ذبيحته إن ارتد إلى دين صابئ"(5).
• دليل المخالف: لم أجد من نص على دليل لمن أباح ذبيحة من ارتد، ولعلَّ علة القائلين به أن المرتد كان مسلمًا تحل ذبيحته، فلا يزول الحكم عنه بالردة.
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم،
(1) سورة المائدة، آية (5).
(2)
المغني (9/ 313)، وانظر: كشاف القناع (6/ 205).
(3)
تفسير ابن كثير (3/ 41).
(4)
انظر: بدائع الصنائع (5/ 45)، المغني (9/ 22).
(5)
المحلى (12/ 33)، وقد جاء عن جماعة من التابعين حل ذبيحة المجوسي، كسعيد بن المسيب، وقتادة، وأبو ثور، كما نقله ابن حزم عنهم في المحلى (6/ 146). فيحتمل أن أصحاب هذا القول يبيحون ذبيحة المرتد إلى دين المجومية، لكن لا يجزم به، ولم أجد من صرح به من أهل العلم، لذا لم أجعله في المخالفين.