الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينقل في هذا الباب أقوالًا بالتكفير بناء على أنه من الأمور المشهورة عند أئمة المسلمين، فمخالفه كافر، لا بناء عن نقولات من السلف، وإلا فمن المعلوم أن من خالف نص الحديث الصريح الصحيح في مسألة معينة فإنه لا يكفر، فالحاكم مثلًا إن جاءه سارق وهو يعلم شرع اللَّه تعالى في قطع يده، لكنه تركه رحمة به أو مراعاة لنسب بينهما أو نحو ذلك فلا يقال بكفر مثل هذا.
والمقصود أن ما ذكره ابن حزم ليس بدقيق، واللَّه تعالى أعلم.
[57/ 4] المسألة السابعة والخمسون: من استجاز الصلاة إلى غير القبلة كَفَر
.
• المراد بالمسألة: من أجاز صلاة الفريضة إلى جهة مخالفة لجهة القبلة لغير عذر، فقد كفر باللَّه تعالى، إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع.
ويتبين مما سبق أنه لو أجاز صلاة النافلة، أو أجاز الصلاة إلى الجهة ولم يشترط عين القبلة، أو أجاز الصلاة إلى القبلة مع الانحراف اليسير عن عينها، أو استجاز الصلاة لغير القبلة لعذر كصلاة الخوف مثلًا، أو للجهل، أو نحوهما، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب.
كما ينبه إلى أن مجرد الصلاة إلى غير القبلة عامدًا، غير مراد في مسألة الباب، وإنما المراد من فعل ذلك مجيزًا ومستحلًا له.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "لا خلاف بين أحد من الأمة في أن امرءًا لو كان بمكة بحيث يقدر على استقبال الكعبة في صلاته فصرف وجهه عامدًا عنها إلى أبعاض المسجد الحرام من خارجه أو من داخله فإن صلاته باطلة، وأنه إن استجاز ذلك كافر"(1).
• مستند الإجماع: يدل على وجوب استقبال القبلة في الصلاة نصوص متوافرة من الكتاب والسنة والإجماع وكذا عمل الناس على وجوب استقبال القبلة فمنها:
(1) المحلى (2/ 257).
• أولًا: من الكتاب: يدل عليه من القرآن قول اللَّه تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)} (1).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بالصلاة إلى المسجد الحرام وهي الكعبة، قال القرطبي:"قوله تعالى: {فَوَلِّ} أمر، {وَجْهَكَ شَطْرَ} أي ناحية، {الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} يعني الكعبة، ولا خلاف في هذا"(2).
• ثانيًا: من السنة: يدل عليه من السنة أدلة منها:
1 -
عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده -أو قال أخواله- من الأنصار، وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن صلى معه، فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد باللَّه لقد صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قِبَل مكة، فداروا كما هم قِبَل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلمَّا ولَّى وجهه قِبَل البيت أنكروا ذلك (3).
2 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة اللَّه وذمة رسوله، فلا تخفروا اللَّه في ذمته)(4).
3 -
عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه قال: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته
(1) سورة البقرة، آية (144).
(2)
تفسير القرطبي (2/ 159).
(3)
صحيح البخاري (رقم: 40)، واللفظ (رقم: 525).
(4)
صحيح البخاري (رقم: 384).
حيث توجهت، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة" (1).
4 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا دخل المسجد ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالس في ناحية المسجد، فصلى، ثم جاء فسلم عليه، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(عليك السلام ارجع فصل، فإنك لم تصل) فرجع فصلى، ثم جاء فسلم، فقال:(وعليك السلام، فارجع فصل فإنك لم تصل) فقال في الثانية أو في التي بعدها: علمني يا رسول اللَّه، فقال:(إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبر، ثم اقرأ بما تبسر معك من القرآن. . . الحديث)(2).
• ثالثًا: من الإجماع: أجمع أهل العلم على فرضية استقبال القبلة لصلاة الفرض، كما نقله غير واحد من أهل العلم، قال ابن عبد البر:"وأجمعوا على أنه فرض واجب على من عاينها وشاهدها استقبالها بعينها، وأنه إن ترك استقبالها وهو معاين لها فلا صلاة له"(3).
• وجه الدلالة من هذه الأدلة على مسألة الباب: إذا تقرر هذا فإن من خالف وأجاز الصلاة لغير القبلة فقد خالف صريح الكتاب والسنة والإجماع، في أمر هو معلوم من الدين بالضرورة، وإنكار ما هو معلوم في الدين الضرورة كفر كما نقله غير واحد من أهل العلم، منهم ابن تيمية حيث قال:"فإن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة هو من أعظم أصول الإيمان وقواعد الدين، والجاحد لها كافر بالاتفاق"(4).
وقال القاري: "إنكار وجوب المجمع عليه إذا كان معلومًا من الدين بالضرورة كفر اتفاقًا"(5).
(1) صحيح البخاري (رقم: 391).
(2)
صحيح البخاري (رقم: 724)، وصحيح مسلم (رقم: 397).
(3)
انظر: الاستذكار (2/ 455).
(4)
مجموع الفتاوى (12/ 496).
(5)
انظر: مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 247).