الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[43/ 1] المسألة الثالثة والأربعون: من شرط إقامة حد السرقة أن يكون المسروق بلغ حد النصاب
.
• المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، فإنه لا يحد السارق إلا إذا كان المسروق بلغ نصابًا، ومقدار النصاب محل خلاف بين أهل العلم سبق بيانه (1).
• من نقل الإجماع: الإجماع في هذه المسألة نقل على وجهين:
الوجه الأول: أن الإجماع كان في عصر الصحابة رضوان اللَّه تعالى عليهم: قال الكاساني (587 هـ): "وأما الإجماع فإن الصحابة -رضوان اللَّه عليهم- أجمعوا على اعتبار النصاب، وإنما جرى الاختلاف بينهم في التقدير، واختلافهم في التقدير إجماع منهم على أن أصل النصاب شرط"(2).
وقال ابن قدامة (620 هـ) في سياق شروط القطع في السرقة: "الشرط الثاني: أن يكون المسروق نصابًا ولا قطع في القليل في قول الفقهاء كلهم، إلا الحسن، وداود، وابن بنت الشافعي، والخوارج، قالوا: يقطع في القليل والكثير. . . ولنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدًا) متفق عليه (3)، وإجماع الصحابة"(4).
قال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "لا يجب القطع بسرقة دون النصاب في قول الفقهاء كلهم، إلا الحسن، وداود، وابن بنت الشافعي، والخوارج، فإنهم قالوا: يقطع في القليل والكثير. . . ولنا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقطع اليد إلا
(1) انظر: المسألة الخامسة تحت عنوان: "لو اشترك جماعة في سرقة ما يوجب القطع، وكان المال لو قُسِّم على الشركاء لم يبلغ لكل واحد نصابًا، فإنه لا قطع حينئذٍ على أحد منهم".
(2)
بدائع الصنائع (7/ 77).
(3)
صحيح البخاري (رقم: 647)، وصحيح مسلم (رقم: 1684).
(4)
المغني (9/ 94).
في ربع دينار فصاعدًا) متفق عليه (1)، وإجماع الصحابة" (2).
وقال ابن مفلح المقدسي (884 هـ): "لا قطع بسرقة دون النصاب. . . وهو إجماع الصحابة"(3). وقال ابن قاسم (1392 هـ) في معرض الكلام على شروط القطع: "أن يكون المسروق نصابًا. . . فلا قطع بسرقة ما دون ذلك عند عامة الفقهاء المعتد بقولهم، ولإجماع الصحابة"(4).
الوجه الثاني: أن اشتراط النصاب محل إجماع، ولم يقيد بزمن دون غيره:
فهذا حكاه الطحاوي (321 هـ) حيث قال: "أجمعوا أن اللَّه عز وجل لم يعن بذلك كل سارقٍ، وأنه إنما عنى به خاصًا من السراق لمقدار من المال معلوم.
فلا يدخل فيما قد أجمعوا عليه أن اللَّه تعالى عنى به خاصًا إلا ما قد أجمعوا أن اللَّه تعالى عناه" (5). وقال الطرابلسي (844 هـ) (6): "لا خلاف في أن النصاب في باب السرقة شرط لوجوب القطع" (7)، ونقل الإجماع على ذلك في موضع آخر (8). وقال ابن قاسم (1392 هـ): "اتفق أهل العلم أن من سرق نصابًا وجب قطعه بشرطه" (9).
(1) صحيح البخاري (رقم: 647)، وصحيح مسلم (رقم: 1684).
(2)
الشرح الكبير (10/ 249).
(3)
المبدع شرح المقنع (9/ 107).
(4)
حاشية الروض المربع (7/ 359).
(5)
شرح معاني الآثار (3/ 167)، وكذا نقله ابن القطان بنحو هذا الحرف كما في "الإقناع في مسائل الإجماع"(2/ 260)، وحكاه أيضا أبو محمد المنبجي في كتابه اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (2/ 749).
(6)
هو أبو الحسن، علي بن خليل الطرابلسي، علاء الدين، فقيه حنفي، كان قاضيًا بالقدس، من تصانيفه:"معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام"، توفي سنة (844 هـ). انظر: الأعلام 4/ 286، معجم المطبوعات 2/ 1236، معجم المؤلفين 87/ 88.
(7)
معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام (185).
(8)
معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام (186).
(9)
حاشية الروض المربع (7/ 359).
• مستند الإجماع: من الأدلة على اشتراط النصاب:
1 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقطع السارق في ربع دينار فصاعدًا"(1).
وفي لفظ لمسلم أيضا عن عائشة رضي الله عنها عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا)(2).
2 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم (3).
• المخالفون للإجماع: خالف في اشتراط النصاب جماعة من أهل العلم، فذهب الحسن البصري، وابن بنت الشافعي (4)، وعليه مذهب الظاهرية، إلى قطع السارق في القليل والكثير (5).
كذا نقله غير واحد من أهل العلم.
إلا أن التحقيق في مذهب ابن حزم أنه يرى القطع في كل ما له قيمة، سواء قلت قيمته أو كثرت، باستثناء الذهب فاشترط أن يبلغ ربع دينار بوزن مكة.
وعلى هذا فابن حزم لا يرى القطع في سرقة التافه الذي لا قيمة له، وقد نص على ذلك في كتابه "المحلى"(6).
(1) البخاري (رقم: 647).
(2)
مسلم (رقم: 1684).
(3)
البخاري (رقم: 6411)، مسلم (رقم: 1686).
(4)
هو أبو محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن، أحمد بن محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب ابن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف المطلبي، الشافعي نسبًا ومذهبًا، وأمه زينب بنت الإمام الشافعي، كان إمامًا مبرزًا، لم يكن في آل شافع بعد الشافعي مثله. انظر: تهذيب الأسماء 2/ 175، طبقات الشافعية الكبرى 2/ 186، طبقات الشافعية لابن قاضى شهبة 1/ 75.
(5)
انظر: المحلى (12/ 344 - 348)، المغني (9/ 94)، إحكام الأحكام (2/ 245).
(6)
المحلى (12/ 346 - 347). وقد حكى ابن المرتضى الإجماع على أنه لا قطع في التافه فقال في كتابه "البحر الزخار"(6/ 176): "لا قطع في التافه إجماعًا، كبصلة وقشرة بيضة ومدة قلم لاستحقاره".
وإذا تقرر هذا فإن ما أطلقه بعض الفقهاء من القول بأن ابن حزم يرى القطع في القليل والكثير فيه توسع.
• دليل المخالف: استدل القائلون بعدم اشتراط النصاب بما يلي:
1 -
قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} (1).
• وجه الدلالة: أن الآية عامة في وجوب قطع السارق، وليس ثمة ما يدل على تحديد النصاب، وحديث ابن عمر وعائشة في النصاب يدل على القطع في ربع دينار أو ثلاثة دراهم، لا على عدم القطع فيما دون ذلك.
2 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن اللَّه السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده)(2).
• وجه الدلالة: في الحديث إشارة إلى وجوب القطع في سرقة البيضة، أو الحبل، ومن المعلوم أن قيمة البيضة، أو الحبل، لا يساوي ما حده الفقهاء من النصاب.
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم، ومن حكى إجماع الصحابة فهو من قبيل الإجماع غير القطعي المجزوم به، فإن الوارد عن الصحابة أنهم قطعوا فيما قيمته ثلاثة دراهم، أو درهمين، أو نحو ذلك، لا أنه لا قطع في أقل من نصاب معين، وقد ثبت الخلاف عمن بعد
= ويدل عليه قوله عائشة رضي الله عنها: "أن يد السارق لم تكن تقطع في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه" أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 466)، المحلى لابن حزم (12/ 347)، من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها. وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى (8/ 255)، وابن أبي شيبة أيضًا (6/ 466) من كلام عروة بن الزبير، وهو الذي اختاره البيهقي أنه من كلام عروة. بينما اختار ابن حزم وصله وأنه من كلام عائشة رضي الله عنها، واللَّه تعالى أعلم.
(1)
سورة المائدة، آية (38).
(2)
البخاري (رقم: 6401)، مسلم (رقم: 1687).