الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس مسائل الإجماع فيما لا يوجب حد السرقة
[63/ 1] المسألة الثالثة والستون: لا قطع على المضارب إذا سرق من مال مضاربه
.
• المراد بالمسألة: أولا: تعريف المضاربة: المضاربة لغة: المضاربة مصدر ضارب، قال ابن منظور: "ضَرَبَ في الأَرضِ يَضرِبُ ضَرْبًا وضَرَبانًا ومَضْرَبًا -بالفتح-: خرج فيها تاجِرًا، أَو غازِيًا، وقيل: أَسْرَعَ، وقيل: ذَهَب فيها، وقيل: سارَ في ابْتِغاءِ الرزق. . . وضَرَبْتُ في الأَرض: أَبْتَغِي الخَيْرَ من الرزق، قال اللَّه عز وجل:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} (1) أَي سافرتم، وقوله تعالى:{لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} (2)، يقال ضَرَبَ في الأَرض إِذا سار فيها مسافرًا، فهو ضارِبٌ.
والضَّرْبُ يقع على جميع الأَعمال إِلا قليلًا، ضَرَبَ في التجارة، وفي الأَرض، وفي سبيل اللَّه، وضارَبه في المال: من المُضارَبة، وهي القِراضُ، والمُضارَبةُ: أَن تعطي إِنسانًا من مالك ما يَتَّجِرُ فيه على أَن يكون الربحُ بينكما، أَو يكونَ له سهمٌ معلومٌ من الرّبْح، وكأَنه مأخوذ من الضَّرْب في الأَرض لطلب الرزق، قال اللَّه تعالى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (3). . . وعلى قياس هذا المعنى يقال للعامل ضارِبٌ لأَنه هو الذي يَضْرِبُ في الأَرضِ، وجائز أَن يكون كل واحد من رب المال ومن العامل يسمى مُضاربًا؛ لأَنَّ كل واحد منهما يُضارِبُ صاحِبَه" (4).
• المضاربة اصطلاحًا: هو عقد يتضمن دفع مال خاص -وما في معناه-،
(1) سورة النساء، آية (101).
(2)
سورة البقرة، آية (273).
(3)
سورة المزمل، آية (20).
(4)
لسان العرب، مادة:(ضرب)، (1/ 543).
معلوم قدره، ونوعه، وصفته، من جائز التصرف، لعاقل مميز رشيد، يتجر فيه، بجزء مشاع معلوم من ربحه له (1).
قال النووي: "سُمِّيت مضاربة لأن كل واحد منهما يضرب في الربح بسهم، وقيل: لما فيه من الضرب بالمال والتقليب"(2)
• ثانيًا: صورة المسألة: إذا كان بين اثنين شراكة في مال، وكان المال بينهما على الشيوع، فسرق أحد الشريكين من حرز شريكه أو من حرزه مالًا من مال الشراكة بينهما، بقدر نصيبه، فإنه لا قطع حينئذ على السارق.
ويتحصل مما سبق أن الشريك لو سرق من شريكه من غير مال الشراكة، أو سرق من المال المشترك بينهما قدرًا زائدًا عن نصيبه، أو كانت أموال الشراكة مميزة غير شائعة، أو كان المال ليس في حرز شريكه، بل كان مودعًا عند شخص آخر أجنبي، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب.
(1) ولشرح مفردات التعريف يقال: "عقد" يشمل على كل عقد بين اثنين أو أكثر. "يتضمن دفع" أي تسليم المال للعامل، لا دين في ذمة المضارب. "وما في معناه" أي معنى الدفع كالوديعة، والعارية، والمغصوب، إذا قال ربها لمن هي بيده: ضارب بها. "معلوم قدره ونوعه وصفته" أي قدر المال المدفوع، كقوله: خذ عشرين ألف ريال سعودي ضارب بها. "من جائز التصرف" وهو البالغ العاقل المالك للمال، أو من ينوب عنه، وكذا المميز المأذون له في التجارة. "لعاقل مميز رشيد" فلا تصح من مجنون، ولا صبي غير مميز، ولا سفيه. "يتجر فيه" بالبيع والشراء. "بجزء مشاع معلوم" النسبة كنصف أو ثلث كائن. "من ربحه" أي ربح المال. "له" أي العامل.
وتسمية المضاربة بهذا الاسم هو لغة أهل العراق، أما أهل الحجاز فيسمون عقد المضاربة قراضًا أو مقارضةً، ولهذا اختار الحنفية والحنابلة التسمية بالمضاربة، واختار المالكية والشافعية التسمية بالمقارضة. انظر: العناية شرح الهداية (8/ 445 - 446)، التاج والإكليل لمختصر خليل (7/ 444)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج (6/ 82)، كشاف القناع (3/ 507).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (3/ 173).
• من نقل الإجماع: قال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع العلماء أنه لا قطع على المضارب من مال مضاربه، وكذلك المودع عنده الوديعة"(1).
وقال الكاساني: "لا خلاف في أنه إذا كان فيهم شريك المسروق منه أنه لا قطع على أحد"(2).
• مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن المال المسروق ملك الشريكين على الشيوع، فما سرقه الشريك له فيه حق، وهذا يعد شبهة دارئة للحد، والحدود تدرأ بالشبهات (3)، ولذا كان من شروط القطع عند بعض الفقهاء هو أن يكون الملك تامًا قويًا لا شبهة فيه (4).
• المخالفون للإجماع: خالف ابن حزم في المسألة فذهب إلى أن من سرق من شريكه مالًا فإن عليه القطع (5).
• دليل المخالف: علل ابن حزم ذلك بأن أخذ الشريك من مال شريكه حرام، وليس له فعل ذلك، فكان أخذه للمال سرقة تجب فيها القطع، وقد أوجب اللَّه قطع يد السارق، ولم يستثن سرقة الشريك من شريكه، وليس ثمة دليل على عدم القطع، أما كونه حد يدرأ بالشبهات فقد سبق أن الظاهرية لا يرون درأ الحدود بالشبهات (6).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق، واللَّه تعالى أعلم؛ لخلاف ابن حزم.
(1) الاستذكار (7/ 542).
(2)
بدائع الصنائع (7/ 67).
(3)
انظر: بدائع الصنائع (7/ 67)، تبيين الحقائق (3/ 218).
(4)
انظر: التاج والإكليل (8/ 418)، أسنى المطالب (4/ 139)، دقائق أولي النهى (3/ 376).
(5)
المحلى (12/ 312 - 313).
(6)
المحلى (12/ 312 - 313).