الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الأرض وإخافة أهل الطريق، سواء حمل قاطع الطريق معه السلاح أو لا (1).
وإليه ذهب بعض الحنابلة منهم شيخ الإسلام ابن تيمية (2).
ونقله المرداوي في الإنصاف عن بعض الحنابلة فقال: "قال في البلغة وغيرها: لم غصبوهم بأيديهم من غير سلاح كانوا من قطاع الطريق"(3).
• دليل المخالف: استدل من قال بأن الحرابة لا يُشترط فيها حمل السلاح بما يلي:
1 -
عموم ما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه)(4).
• وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم عمَّم الحكم بكل من ضرب البر والفاجر، ولم يقيده بالسلاح أو عدمه (5).
2 -
أن الإفساد حاصل بكل نوع من أنواع القتل والسلب، فكما أن من قاتل المسلمين من الكفار بأي نوع كان من أنواع القتال فهو حربي، ومن قاتل الكفار من المسلمين بسيف، أو رمح، أو سهم، أو حجارة أو عصي، فهو مجاهد في سبيل اللَّه، فكذا القول في المحارب (6).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم؛ لخلاف ابن حزم، وابن تيمية، وبعض الحنابلة في المسألة.
[28/ 2] المسألة الثامنة والعشرون: قاطع الطريق إذا رفع إلى ولي الأمر، ثم تاب بعد ذلك لم يسقط عنه الحد
.
• المراد بالمسألة: إذا ثبتت الحرابة على شخص أو جماعة، وثبتت محاربتهم بالإقرار، ثم تابوا بعد رفع أمرهم للإمام، فإن التوبة لا تسقط عنهم حد الحرابة.
(1) انظر: المحلى (12/ 282 - 283).
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (28/ 316).
(3)
الإنصاف (10/ 291).
(4)
صحيح مسلم (رقم: 1848).
(5)
المحلى (12/ 282 - 283).
(6)
انظر: مجموع الفتاوى (28/ 316).
ويتبين مما سبق أن التوبة لو كانت قبل الرفع للإمام، أو كان ثبوت المحاربة بإقرار، فكل ذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال القرطبي (671 هـ): "لا خلاف فيما أعلمه أن التوبة لا تسقط حدًا"(1). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "اتفق العلماء فيما أعلم على أن قاطع الطريق واللص ونحوهما إذا رفعوا إلى ولى الأمر ثم تابوا بعد ذلك لم يسقط الحد عنهم بل تجب إقامته وإن تابوا"(2)، ونقله عنه ابن قاسم (3).
وقال ابن القيم (751 هـ): "الحدود لا تسقط بالتوبة بعد القدرة اتفاقًا"(4). وقال ابن الهمام (861 هـ): "للإجماع على أن التوبة لا تسقط الحد في الدنيا"(5).
• مستند الإجماع: يدل على أن توبة المحارب بعد القدرة عليه لا تدفع عند الحد النص والنظر:
1 -
أما النص: فقول اللَّه تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} (6).
• وجه الدلالة: أن تقييد التوبة بما إذا كان قبل القدرة عليه، يدل على أن التوبة بعد القدرة لا تدفع الحد، وإلا لما كان للقيد فائدة (7).
2 -
وأما من النظر:
أ - لأن المحارب إذا تاب قبل القدرة فالظاهر أنها توبة إخلاص، أما بعد القدرة عليه فقد تكون تقية من إقامة الحد عليه (8).
ب - لأن في قبول توبته وإسقاط الحد عنه قبل القدرة ترغيبًا في توبته،
(1) تفسير القرطبي (5/ 91).
(2)
الفتاوى (28/ 300).
(3)
حاشية الروض المربع (7/ 384).
(4)
إعلام الموقعين (3/ 105).
(5)
فتح القدير (5/ 211).
(6)
سورة المائدة، آية (34).
(7)
انظر: المجموع (20/ 106)، أسنى المطالب (4/ 156).
(8)
انظر: المغني (9/ 130).
فناسب ذلك الإسقاط عنه، وأما بعدها فلا حاجة إلى ترغيبه؛ لأنه قد عجز عن الفساد والمحاربة (1).
ج- أن قبول توبة المحارب بعد القدرة عليه يفضي إلى انتهاك المحارم، وسد باب العقوبة؛ من جهة كونه ذريعة لكل مجرم قُبض عليه أن يتظاهر بالتوبة، مما ينتج عنه تعطيل حد اللَّه تعالى في الحرابة (2).
• المخالفون للإجماع: ثمة قول عند الشافعية أن من تاب بعد القدرة عليه فإن الحد يسقط عنه (3).
وسبق أن السارق إذا تاب بعد القدرة عليه فعند طائفة من أهل العلم أن الحد يدفع عنهم بالتوبة، وعلى قياس هذا القول فإن توبة المحارب بعد القدرة عليه تدفع الحد.
لكن يمكن أن يقال بأن هذا القياس غير لازم، فإن ثمة قولًا عن الإمام أحمد بأن توبة السارق مسقطة لحد السرقة دون الحرابة، فلا يلزم من القول بإسقاط حد السرقة أو غيره من الحدود بالتوبة أن يطرد ذلك في الحرابة.
وإذا تقرر هذا فالأصل بقاء المسألة على الأصل المتفق عليه، وهو أن توبة المحارب بعد بلوغ الأمر للحاكم لا تسقط الحد، وهذا هو الظاهر، واللَّه تعالى أعلم.
• دليل المخالف: نقل الزركشي دليل القائلين بإسقاط الحد على المحارب إذا تاب بعد القدرة عليه فقال: "وقع في "الوسيط" في باب قطاع الطريق حيث احتج للقول الصائر إلى أنه لو تاب بعد القدرة عليه يسقط عنه الحد، قال: لأنه تعالى خصَّص هذا بقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (4)، وأطلق في آية السرقة قوله:{فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ} (5) اهـ، وفي هذا حمل المقيد على
(1) انظر: المغني (9/ 130).
(2)
انظر: أسنى المطالب (4/ 156).
(3)
انظر: معنى المحتاج (5/ 404)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 201).
(4)
سورة المائدة، آية (34).
(5)
سورة المائدة، آية (39).