الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول مسائل الإجماع العامة في حد قطاع الطريق
[1/ 2] المسألة الأولى: من شهر السلاح وقطع السبيل خارج المدن فهو محارب
.
• المراد بالمسألة: أولًا: تعريف السبيل: قال ابن الأثير: "السَّبيلُ في الأصل: الطَّريقُ. . . وسبيلُ اللَّه عامٌّ يقعُ على كل عَمل خالِصٍ سُلك به طَريق التقرُّب إلى اللَّه تعالى بأداءِ الفَرَائض، والنَّوافل، وأنْواع التَّطوعُّات، وإذا أُطْلق فهو في الغالِب واقعٌ على الجهَاد، حتى صار لكَثْرة الاسْتِعْمال كأنه مقصورٌ عليه"(1).
قال الفيومي: "السَّبِيلُ: الطريق، ويُذكَّر ويؤنث. . . والجمع على التأنيث "سُبُولٌ" كما قالوا: عنوق، وعلى التذكير "سُبُلٌ" و"سُبْلٌ" وقيل للمسافر: ابن السبيل؛ لتلبسه به قالوا: والمراد بابن السبيل في الآية من انقطع عن ماله، و"السَّبِيلُ" السبب، ومنه قوله تعالى: {يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} (2) أي سببًا وصلة، و"السَّابِلَةُ" الجماعة المختلفة في الطرقات في حوائجهم، و"سَبَّلْتُ" الثمرة -بالتشديد-: جعلتها في "سُبُلِ" الخير وأنواع البرّ"(3).
والمراد بالسبيل في المسألة: الطريق، وقاطع السبيل هو من من جعل الطريق مخوفًا يخاف أهله من السير عليه؛ لوجود من يتعرض لهم بالقتل أو النهب.
• ثانيًا: صورة المسألة: لو أن شخصًا أو جماعة من المسلمين كانوا في حرابتهم حاملين للسلاح، وقطعوا السبيل عليهم، وكان فعلهم ذلك في الصحراء، خارج المدينة، فإن هؤلاء تطبق عليهم حد الحرابة.
(1) النهاية في غريب الأثر، مادة:(سبل)، (1/ 290).
(2)
سورة الفرقان، آية (27).
(3)
المصباح المنير، مادة:(سبل)، (265)، وانظر: المعجم الوسيط (1/ 415).
ويتبين من هذا أن المراد حمل السلاح معهم سواء أشهروه في وجه من قطعوا عليه الطريق أو لا.
كما يتبين أن هذا الفعل لو كان داخل المدينة، أو لم يكونوا مسلمين بل كانوا حربيين أو أهل ذمة فكل ذلك غير مراد فى مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "واتفقوا على أن من برَزَ، وشهر السلاح، مخيفًا للسبيل، خارج المصر، بحيث لا يدركه الغوث، فإنه محارب قاطع للطريق، جارية عليه أحكام المحاربين"(1)، ونقله عنه ابن قاسم (2).
وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "فأما الحرابة: فاتفقوا على أنها إشهار السلاح، وقطع السبيل، خارج المصر"(3).
ومعلوم أن مراد ابن هبيرة وابن رشد بالاتفاق: هو اتفاق الأئمة الأربعة، وموجب تخصيص هذا القول بالاتفاق دون الإجماع أن ثمة خلافًا في المراد بالمحارب في قول اللَّه تعالى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (4).
فالجمهور من أهل العلم على أن الآية نزلت في النفر الذين قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم من عكل (5) أو عرينة، وقصتهم في الصحيحين، ولفظ مسلم عن
(1) الإفصاح (2/ 217).
(2)
حاشية الروض المربع (7/ 377).
(3)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 455).
(4)
سورة المائدة، آية (33).
(5)
عكل: هى قبيلة عدنانية، من تيم الرباب، وأصل عكل: هو اسم امرأة حضنت بني عوف بن وائل بن عبد مناة بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر، فغلبت عليهم وسميت قبيلتهم باسمها، =
أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن ناسأ من عرينة قدموا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة، فاجتووها، فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها)، ففعلوا، فصحُّوا، ثم مالوا على الرعاة، فقتلوهم، وارتدوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث فى أثرهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم في الحرة حتى ماتوا"(1).
وأصحاب هذا الرأي منهم من يرى أن الآية وإن كانت في النفر من عكل وعرينة لكنها عامة في كل من أفسد في الأرض بالحرابة؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر عند أهل الأصول والتفسير (2)، وعلى هذا القول أكثر المفسرين (3).
ومنهم من يرى أن الآية عامة في كل مرتد أفسد في الأرض بالحرابة، ولا يدخل فيها المسلم.
وقيل: نزلت بسبب قوم من أهل الكتاب كان بينهم وبين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عهد، فنقضوا العهد، وقطعوا السبيل، وأفسدوا في الأرض، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، والضحاك.
وعلى القولين الأخيرين تكون الحرابة خاصة بمن أفسد في الأرض من
= قال ابن حجر في فتح الباري (1/ 337): "وزعم ابن التين تبعًا للداودي: أن عرينة هم عكل، وهو غلط، بل هما قبيلتان متغايرتان: عكل من عدنان، وعرينة من قحطان". انظر: معجم البلدان (4/ 143)، معجم قبائل العرب لعمر كحالة (2/ 415).
(1)
البخاري (رقم: 231)، ومسلم (رقم: 1671)، واللفظ له.
(2)
انظر: المحصول (3/ 189)، الأشباه والنظائر للسبكي (2/ 136)، إرشاد الفحول (1/ 332).
(3)
نسبه الألوسي لأكثر المفسرين في "روح المعاني"(6/ 118).