الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مذهب المالكية-، فإنه نص على الخلاف في المسألة، ثم ذكر الخلاف مع تحرير محل النزاع في مذهب المالكية، فقال: "واختلف الفقهاء فيمن سرق شجرة مقلوعة أو غير مقلوعة. . . قال مالك: لا قطع في النخلة الصغيرة ولا الكبيرة إذا قلعها من موضعها.
واختلف أصحابه في الشجرة تقلع وتوضع في الأرض فقال بعضهم: وضعها في الأرض حرز لها إذا كان في موضع محروز، واللَّه أعلم.
وقال بعضهم: لا قطع فيها على حال، ولم يختلفوا في من قلع شيئًا من البقول القائمة والشجر القائمة أنه لا قطع على سارقها" (1)، واللَّه تعالى أعلم.
[69/ 1] المسألة التاسعة والستون: لا تقطع يد الوالد بالسرقة من ولده وإن نزل، وسواء في ذلك الأب، والأم، والابن، والبنت، والجد، والجدة من قبل الأم والأب
.
• المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب القطع، وكان السارق قد سرق من أصوله، كأبيه أو جده من جهة الأم أو الأب، أو من فروعه كابنه، أو بنته فإنه لا قطع حينئذ.
والمراد بالقرابة هنا سواء في الأصول أو الفروع قرابة النسب، فأما إن كان من الرضاع، كالأب أو الأم من الرضاع، أو الابن والبنت من الرضاع فليس ذلك داخلا في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن هبيرة (560 هـ): "اتفقوا على أنه لا يقطع الوالدان وإن علوا فيما سرقوه من مال أولادهم"(2) ونقله عنه ابن قاسم (3).
وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "لإجماعهم على أنه لا يقطع فيما سرق من مال ولده"(4). وقال ابن قدامة (620 هـ): "الوالد لا يقطع بالسرقة من مال ولده، وإن سفل وسواء في ذلك الأب والأم والابن والبنت، والجد والجدة من قبل الأب
(1) الاستذكار (7/ 563).
(2)
الإفصاح (2/ 110).
(3)
انظر: حاشية الروض المربع (7/ 366).
(4)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 433).
والأم، وهذا قول عامة أهل العلم" (1) ونقله عنه ابن قاسم (2). وقال ابن المرتضى (840 هـ):"لا يقطع والد لولده وإن سفل. . . والأم كالأب اتفاقًا"(3).
• مستند الإجماع:
1 -
يدل على منع القطع في سرقة الأصول من الفروع ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصم أباه فقال: يا رسول اللَّه إن هذا قد احتاج إلى مالي؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك)(4).
• وجه الدلالة: دل الحديث أن مال الولد للوالد، ويترتب عليه أن في سرقة الأصل من الفرع شبهة ملك المال، والحدود تدرأ بالشبهات.
2 -
سرقة الفرع من الأصل موجب القول بعدم القطع أنها شبهة، فإن الإنسان غالبًا يتبسط بمال والده وإن علا، فلما وجدت الشبهة درئ الحد بها.
(1) المغني (9/ 116).
(2)
انظر: حاشية الروض المربع (7/ 366).
(3)
البحر الزخار (6/ 172).
(4)
أحمد (11/ 503)، وأبو داود (رقم: 3530)، وابن ماجه (رقم: 2291). والحديث صححه ابن حزم كما في المحلى (8/ 508)، واحتج به ابن حجر بمجموع طرقه فقال في فتح الباري (5/ 211):"هو حديث أخرجه بن ماجة من حديث جابر، قال الدارقطني: غريب تفرد به عيسى بن يونس بن أبي إسحاق ويوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق عن بن المنكدر، وقال بن القطان: إسناده صحيح، وقال المنذري: رجاله ثقات، وله طريق أخرى عن جابر عند الطبراني في الصغير، والبيهقي في الدلائل فيها قصة مطولة، وفي الباب عن عائشة في صحيح بن حبان، وعن سمرة، وعن عمر كلاهما عند البزار، وعن بن مسعود عند الطبراني، وعن بن عمر عند أبي يعلى، فمجموع طرقه لا تحطه عن القوة وجواز الاحتجاج به".
وصححه الألباني كما في "إرواء الغليل"(3/ 323) فقال: "حديث: (أنت ومالك لأبيك) صحيح، وقد ورد من حديث جابر بن عبد اللَّه، وعبد اللَّه بن عمرو، وعبد اللَّه بن مسعود، وعائشة، وسمرة بن جندب، وعبد اللَّه بن عمر، وأبي بكر الصديق، وأنس بن مالك، وعمر بن الخطاب، رضي الله عنهم جميعا".
• المخالفون للإجماع: ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الفرع يقطع بسرقة مال الأصل، فيقطع الولد إذا سرق من مال أبيه أو جده وإن علا، وهو مذهب المالكية (1)، ورواية عن الإمام أحمد (2)، وهي ظاهر قول الخرقي (3)(4).
وتوسع الظاهرية فذهبوا إلى وجوب القطع بسرقة الأصول من الفروع وسرقة الفروع من الأصول (5)، وبه قال أبو ثور وابن المنذر (6). وثمة قول في مذهب أحمد أن عدم القطع خاص بالأب دون غيره (7). ويرى أشهب من المالكية (8) أنه خاص بالأب والأم دون غيرهما، فلا يدخل الجد والجدة (9).
• دليل المخالف: علل المخالف في مسألة الباب أن اللَّه تعالى أوجب حد
(1) انظر: منح الجليل شرح مختصر خليل لابن عليش (9/ 307 - 308).
(2)
انظر: المغني (9/ 115 - 116)، الإنصاف (10/ 278).
(3)
هو أبو القاسم، عمر بن الحسين بن عبد اللَّه بن أحمد، البغدادي، الخرقي -نسبة إلى بيع الثياب والخرق-، الحنبلي، من مصنفاته:"المختصر" الذي اشتغل به أكثر الحنابلة، ولم تظهر مصنَّفاته؛ لأنه خرج من بغداد لمَّا ظهر بها سبُّ الصحابة، وأودع كتبه في دار فاحترقت، مات بدمشق، سنة (334 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 14/ 297، طبقات الفقهاء 72، طبقات الحنابلة 2/ 12.
(4)
انظر: المغني (9/ 115 - 116).
(5)
انظر: المحلى (12/ 334 - 135).
(6)
انظر: المغني (9/ 115 - 116).
(7)
انظر: الإنصاف (10/ 278).
(8)
هو أبو عمرو، أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم القيسي المعافري الجعدي، اسمه مسكين، وأشهب لقب، فقيه حافظ، كان ذا هيبة وجلالة ومال، قال سحنون:"ما كان أحد يناظر أشهب إلا اضطره بالحجة حتى يرجع إلى قوله، ولقد كان يأتينا في حلقة ابن القاسم فيتكلم في أصول العلم، ويفسر ويحتج، وابن القاسم ساكت ما يرد عليه حرفًا"، وقال الشافعي:"ما أخرجت مصر أفقه بن أشهب لولا طيش فيه" صنف كتابًا في الفقه رواه عنه سعيد بن حسان وغيره، ولد سنة (140) هـ، وتوفي بمصر سنة (204) هـ. انظر: تهذيب التهذيب 1/ 359، وفيات الأعيان 1/ 78، الأعلام 1/ 335.
(9)
انظر: منح الجليل شرح مختصر خليل (9/ 307 - 308).