الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد
المبحث الأول: تعريف الحرابة لغة واصطلاحًا:
• أولًا: تعريف الحرابة لغةً: الحرابة -بكسر الحاء- مصدر من حَارَبَ، يُحَارِبُ، مُحَارَبَة، وَحِرَابَةً: أي قاتله وسلبه، والحرب نقيض السلم (1).
وهذه المادة تطلق في اللغة على ثلاثة أصول، قال ابن فارس: "الحاء والراء والباء أصولٌ ثلاثة: أحدها السّلْب، والآخر دوْيبَّة، والثالث بعضُ المجالس.
فالأوَّل: الحَرْب، واشتقاقها من الحَرَب وهو السَّلْب. . . وأما الدوْيبَّة فالحِرباء. . . والثالث: المحراب، وهو صدر المجلس" (2).
والمراد به في هذا الباب المعنى الأول.
وتطلق الحرابة في نصوص الشرع على معنيين:
الأول: العداوة، أو القتل. ومنه قوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (3)، فالحرب هنا بمعنى القتل، كما هو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة، وقيل: العداوة (4).
الثاني: المعصية، أو الكفر، ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي
(1) انظر: شرح حدود ابن عرفة (508)، لسان العرب، مادة:(حرب)، (1/ 302)، معجم لغة الفقهاء (1771).
(2)
مقاييس اللغة (2/ 48).
(3)
سورة البقرة، آية (279).
(4)
انظر: تفسير القرطبي (3/ 363)، تفسير ابن كثير (1/ 716).
الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (1).
قال ابن كثير: "المحاربة: هي المضادة والمخالفة، وهي صادقة على الكفر، وعلى قطع الطريق وإخافة السبيل"(2).
وقال الأزهري: " {يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يعني المعصية"(3).
• ثانيًا: تعريف الحرابة اصطلاحًا: اختلفت المذاهب الفقهية في ضابط الحرابة الشرعية التي توجب الحد على أقوال:
فعند الحنفية: قال الكاساني: "هو الخروج على المارة لأخذ المال على سبيل المغالبة، على وجه يمتنع المارة عن المرور، وينقطع الطريق، سواءٌ كان القطع من جماعة، أو من واحد، بعد أن يكون له قوة القطع، وسواء كان القطع بسلاحٍ أو غيره، من العصا، والحجر، والخشب، ونحوها"(4).
وعند المالكية: قال ابن عرفة "الحرابة: الخروج لإخافة سبيل لأخذ مالٍ محترم بمكابرة قتال، أو خوفه، أو ذهاب عقل، أو قتل خفية، أو لمجرد قطع الطريق، لا لإمرة، ولا نائرة (5)، ولا عداوة"(6).
وعند الشافعية: قال النووي: "هو البروز لأخذ مال، أو لقتل، أو إرعاب،
(1) سورة المائدة، آية (33).
(2)
تفسير ابن كثير (3/ 94).
(3)
تهذيب اللغة (5/ 16)، وانظر: العين، باب: الحاء والراء والباء معهما، (3/ 214)، المحيط في اللغة (3/ 85)، القاموس الفقهي (83).
(4)
بدائع الصنائع (7/ 90).
(5)
قال ابن فارس: "النون والياء والراء كلمة تدل على وضوحِ شيءٍ وبُروزه"، فالنائرة أشد من العداوة، وهي تطلق على الحقد والشحناء والعداوة والفتنة التي تقع بين القوم، وهي مشتقة من النار. انظر: تهذيب اللغة (15/ 170)، تاج العروس (14/ 326).
(6)
انظر: شرح حدود ابن عرفة (503).
مكابرة، اعتمادًا على الشوكة، مع البعد عن الغوث" (1).
وعند الحنابلة: قال الخرقي: "هم الذين يعرضون للناس بالسلاح في الصحراء فيغصبونهم المال مجاهرة"(2).
ويتبيَّن مما سبق من التعاريف أن ثمة أمورًا تتفق عليها التعاريف وهي:
أولًا: المجاهرة من قاطع الطريق اعتمادًا على شوكته ومنعته.
ثانيًا: إرهاب الآدميين وترويعهم، سواء صاحب ذلك أخذ مال، أو قتل، أو لم يحصل شيء من هذا.
وبهذا يتبين الفرق بين الحرابة والسرقة بأن السرقة أخذ المال خفية، أما الحرابة فهي مجاهرة، كما أن السرقة أخذ مال من الحرز، والحرابة قد لا يكون فيها أخذ للمال أصلًا.
والتعريف المختار لدى الباحث أن يقال: هم الذين يترصدون للناس؛ للقتل، أو أخذ المال، أو الإرهاب، بسلاح أو غيره.
تنبيهان: الأول: هذا الباب يُطلق عليه بعض الفقهاء "حد الحرابة"، ويُطلق عليه آخرون "حد قطاع الطريق".
الثاني: أطلق فقهاء الحنفية على الحرابة اسم السرقة الكبرى، وسموها بذلك؛ لأن قاطع الطريق يأخذ المال سرًا ممن إليه حفظ الطريق وهو الإمام الأعظم، وسميت كبرى؛ لأن ضرر قطع الطريق على أصحاب الأموال وعلى عامة المسلمين بانقطاع الطريق، وقد سبق الإشارة إليه في أول باب السرقة (3).
(1) أسنى المطالب شرح روضة الطالب (4/ 154).
(2)
المغني (9/ 124).
(3)
انظر: فتح القدير (5/ 355)، أنيس الفقهاء (178).