الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من خلاف، وصلب، وإذا قتل ولم يأخذ المال قتل، وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، وإذا لم يقتل ولم يأخذ المال نُفي" (1).
• المخالفون للإجماع: خالف المالكية في مسألة الباب فذهبوا إلى أن من أخاف السّبيل فقط فالإمام مخيّر بين قتله، أو صلبه، أو قطعه، أو نفيه، وذلك باعتبار المصلحة، وقد جاء في المدونة:"قال مالك: وإن هو خرج وأخاف السبيل وعلا أمره ولم يأخذ المال، فإن الإمام مخير إن شاء قتله وإن شاء قطع يده ورجله"(2).
وكذا قياس قول من ذهب إلى أن حد الحرابة على التخيير كما هو منقول عن سعيد بن المسيب، وعطاء، ومجاهد، والحسن، والضحاك، والنخعي، وأبي الزناد، وأبي ثور، وداود، فإن النفي لا يكون لازمًا في مسألة الباب.
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع بين أهل العلم؛ لخلاف المالكية في المسألة.
[37/ 3] المسألة السابعة والثلاثون: الحربي إذا أسلم لا يضمن ما فعل في حال كفره من قتل أو إتلاف
.
• المراد بالمسألة: أولا: تعريف الحربي: الحرب في اللغة نقيض السلم (3). والحربي في اصطلاح الفقهاء هو من بيننا وبين بلاده حرب. وكل من حارب المسلمين من الكفار، بأي نوع من أنواع القتال فهو حربي (4).
• ثانيًا: صورة المسألة: لو ثبتت الحرابة على شخص أو جماعة، وكان
(1) مصنف ابن أبي شيبة (7/ 604).
(2)
المدونة (4/ 553).
(3)
انظر: شرح حدود ابن عرفة (508)، لسان العرب، مادة:(حرب)، (1/ 302)، معجم لغة الفقهاء (177)، وقد سبق بيانه في أول حد الحرابة.
(4)
انظر: السياسة الشرعية (112)، شرح مختصر خليل (7/ 81)، القاموس الفقهي لسعدي أبو جيب (84).
المحارب فعل حرابته أثناء كونه كافرًا حربيًا، ثم تاب وأسلم، فإنه لا يؤحذ بما فعل حال كفره من حقوق اللَّه، ولا من حقوق بني آدم مما قد أتلفه.
ويتبين من هذا أن المسلم، أو الكافر غير الحربي، كأهل الذمة، والمرتد، والمعاهد، والمستأمن، وغيرهم، غير داخلين في مسألة الباب.
وكذا ينبه إلى أن ما بقي في يد الحربي بعد ما أسلم ولم يتلف فإنه غير داخل في مسألة الباب.
وكذا مسألة الباب خاصة بما أتلفه الحربي من مال المسلم، أما لو أتلف الحربي مال حربي ثم أسلم فضمان ما أتلفه غير مراد.
• من نقل الإجماع: قال إسماعيل بن إسحاق (282 هـ)(1): "لا أعلم خلافًا بين العلماء في مشركين لو ظهر عليهم وقد قتلوا وأخذوا الأموال فلما صاروا في أيدي المسلمين وهم على حالهم تلك أسلموا قبل أن يحكم عليهم بشيء أنهم لا يحل قتلهم"، نقله عنه ابن بطال (2). وقال ابن حزم (456 هـ):"وقد صح النص والإجماع بإسقاطه، وهو ما أصابه أهل الكفر ما داموا في دار الحرب قبل أن يتذمموا أو يسلموا فقط، فهذا خارج بفعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في كل من أسلم منهم، فلم يؤاخذهم بشيء مما سلف لهم من قتل، أو زنى، أو قذف، أو شرب خمر، أو سرقة، وصح الإجماع بذلك"(3).
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "وقد أجمع علماء المسلمين على أن الكفار
(1) هو أبو إسحاق، إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم الأزدي، المالكي، مولى آل جرير بن أبي حازم، من أهل البصرة، كان فاضلًا، عالمًا، متقنًا، فقيهًا، صنف كتبا عدَّة، واستوطن بغداد قديمًا، وولى القضاء، فلم يزل يتقلده إلى حين وفاته، ولد سنة (200 هـ)، ومات سنة (282 هـ). انظر: تاريخ بغداد 6/ 284، سير أعلام النبلاء 13/ 339، أخبار القضاة للضبي 3/ 380.
(2)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (8/ 418).
(3)
المحلى (12/ 31).
إذا انتهوا وتابوا من كفرهم غفر لهم كل ما سلف، وسقط عنهم كل ما كان لزمهم في حال الكفر، من حقوق اللَّه عز وجل وحقوق المسلمين قبل أن يقدروا عليهم، وبعد أن يقدروا عليهم ويصيروا في أيدي المسلمين فلا يحل قتلهم بإجماع المسلمين، ولا يؤخذ بشيء جنوه في مال أو دم، فدل ذلك على أن الآية تنزل في أهل الشرك والكفر" (1). وقال ابن قدامة (620 هـ):"لا أعلم خلافًا في أن الكافر الحربي، إذا أسلم، أو دخل إلينا بأمان، بعد أن استولى على مال مسلم فأتلفه، أنه لا يلزمه ضمانه"(2).
وقال القرطبي (671 هـ): "أما الكافر الحربي فلا خلاف في إسقاط ما فعله في حال كفره في دار الحرب"(3). وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "لا أعلم خلافًا في أن الكافر الحربي إذا أسلم أو دخل إلينا بأمان بعد أن استولى على مال مسلم فأتلفه أنه لا يلزمه ضمانه"(4).
وقال ابن مفلح المقدسي (884 هـ): "أما الحربي الكافر فلا يؤخذ بشيء في كفره إجماعًا"(5). وقال المرداوي (885 هـ): "أما الحربي الكافر فلا يؤخذ بشيء في كفره إجماعًا"(6).
• مستند الإجماع: استدل أهل العلم على المسألة بعموم قول اللَّه عز وجل: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} (7).
(1) الاستذكار (7/ 551).
(2)
المغني (9/ 225).
(3)
تفسير القرطبي (7/ 401)، وانظر:(6/ 158).
(4)
الشرح الكبير (10/ 481 - 481).
(5)
الفروع (6/ 143).
(6)
الإنصاف (10/ 299).
(7)
سورة الأنفال، آية (38).
قال البغوي في تفسير الآية: "فمن ذهب إلى أن الآية نزلت في الكفار، قال معناه: إلا الذين تابوا من شركهم وأسلموا قبل القدرة عليهم فلا سبيل عليهم بشيء من الحدود ولا تبعة عليهم فيما أصابوا في حال الكفر من دم أو مال"(1).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
(1) معالم التنزيل (3/ 50).