الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وجه الدلالة: الحديث صريح أن المجنون غير مكلف، وأن من شرط التكليف العقل، فإذا عدم الشرط عدم المشروط، وعليه: فإن المجنون لا يؤاخذ بأقواله ولا أفعاله المتعلقة بالتكليف.
2 -
أن الردة تفتقر إلى اعتقاد أونية، والمجنون لا يعتقد ما يقوله، بل لا يعقل ما يقوله فضلًا عن أن يعتقده.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[131/ 4] المسألة الحادية والثلاثون بعد المائة: لا يجوز ترك الصلاة على من مات من المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم وإن كانوا من أصحاب الكبائر
.
• المراد بالمسألة: لو وُجد شخص من أصحاب الكبائر من زنى، أو سرقة، أو غيرها من كبائر الذنوب غير الشرك الأكبر، فإنه إذا مات يجب الصلاة عليه من عامة المسلمين، ولا يجوز ترك الصلاة عليه من أجل كبيرته.
ويتبين مما سبق أن الذنب إن كان من الشرك المخرج من الملة فذلك غير مراد في مسألة الباب، ويتخرج على ذلك أن من قال بكفر تارك الصلاة أو تارك الزكاة أو نحو ذلك، فإن الحكم بترك الصلاة عليه لا تدخل في مسألة الباب، لأن ترك الصلاة عليه مبني على القول بكفره، ومسألة الباب هي فيمن مات من أهل الإسلام فإنه لا تترك الصلاة عليه ما دام أنه محكوم بإسلامه.
كما يتبين أن الإمام أو أهل الفضل إن تركوا الصلاة على أحد من أهل القبلة من باب التغليظ، فإن ذلك غير داخل في مسألة الباب وإنما المراد ترك الصلاة عليه مطلقًا.
وكذا إذا تركت الصلاة لبدعة كالبغاة الخوارج، أو الروافض أو ما أشبه ذلك، فذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن سيرين (110 هـ)(1): "ما أعلم أن أحدًا من أهل العلم من الصحابة ولا التابعين ترك الصلاة على أحد من أهل القبلة تأثمًا"(2). وقال قتادة (117 هـ): "لا أعلم أحدًا من أهل العلم اجتنب الصلاة على من قال لا إله إلا اللَّه"(3).
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "أجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم وإن كانوا أصحاب كبائر"(4).
• مستند الإجماع: يدل على المسألة ما يلي:
1 -
ما رواه الدارقطني من حديث مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا خلف كل بر وفاجر، وصلوا على كل بر وفاجر، وجاهدوا مع كل بر وفاجر)(5).
(1) هو أبو بكر، محمد بن سيرين، البصري، التابعي، إمام في التفسير والحديث والفقه وتعبير الرؤيا، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان رضي الله عنه، وأدرك ثلاثين من الصحابة، وكان يحدث بالحديث على حروفه، وكان ثقة مأمونًا، كثير العلم، له اليد الطولى في تعبير الرؤيا، وكان من أورع التابعين وعبادهم، توفي بالبصرة سنة (110) هـ، وهو ابن سبع وسبعين سنة. انظر: سير أعلام النبلاء 6/ 604، طبقات الفقهاء 1/ 88، وفيات الأعيان 4/ 181.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (3/ 537)، وابن أبي شيبه في المصنف (3/ 230)، وابن حزم في المحلى (3/ 401).
(3)
مصنف عبد الرزاق (3/ 536).
(4)
الاستذكار (3/ 29).
(5)
أخرجه الدارقطني في سننه (2/ 57)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 19)، من طريق مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد حكم عليه الدارقطني والبيهقي بالانقطاع بين مكحول وأبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال البيهقي في سننه الكبرى (4/ 19) حيث قال:(مكحول لم يسمع من أبي هريرة ومن دونه ثقات، قال الشيخ: قد روي في "الصلاة على كل بر وفاجر والصلاة على من قال لا اله إلا اللَّه" أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف، وأصح ما روي في هذا الباب حديث مكحول عن أبي هريرة، وقد أخرجه أبو داود في كتاب السنن إلا أن فيه إرسالًا كما ذكره الدارقطني". وكذا قال السخاوي في المقاصد الحسنة (429) أن جميع الأحاديث التي جاءت في الصلاة على كل بر وفاجر واهية لا تصح حيث قال بعد أن ذكره بعض طرقها: "وكلها واهية كما صرح به غير =
وفي الباب أحاديث تحث على الصلاة على كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى كل من قال لا إله إلا اللَّه، لكن كلها لا تخلو من مقال، بل صرح بعض الأئمة أنه لا يثبت في هذا الباب شيء، منهم الدارقطني في سننه (1).
2 -
أن هؤلاء وإن كانوا أصحاب كبائر لكنهم من جملة المسلمين فهم داخلون في عموم الأحاديث الدالة على الصلاة على المسلم، وليس ثمة في ليل يمنع من الصلاة عليهم، فنبقى على الأصل حتى يرد الدليل المانع من ذلك.
• المخالفون للإجماع: خالف بعض أهل العلم في جملة من صور الباب، فذهب الحنفية إلى أنه لا يصلى على البغاة وقطاع الطريق إذا قُتِلا حال المحاربة (2).
ونقل النووي في "المجموع" عن قتادة القول بأن ولد الزنا لا يصلى عليه (3).
وأما ما حكاه ابن قدامة عن مالك من القول بترك الصلاة على من قتل في حد حيث قال: "قال مالك: لا يصلى على من قتل في حد"(4)، فهذا الحرف فيه توسع في العبارة، فإن مذهب المالكية الصلاة على من قتل في حد أو قصاص، أو مظهر لكبيرة، لكن لا يصلى عليه الإمام وأهل الفضل من باب الردع، أما عموم الناس فيصلون عليهم (5).
• دليل المخالف: استدل الحنفية على ترك الصلاة على البغاة وقطاع الطريق
= واحد، وبعضها في العلل لابن الجوزي، وأصح ما فيه حديث مكحول، عن أبي هريرة على إرسالها.
(1)
انظر: سنن الدارقطني (2/ 57).
(2)
بدائع الصنائع (1/ 312) الفتاوى الهندية (1/ 159).
(3)
المجموع (5/ 230).
(4)
المغني (2/ 220).
(5)
انظر: منح الجليل في شرح مختصل خليل (1/ 513 - 514).
بأن عليًّا رضي الله عنه لم يغسل أهل النهروان ولم يصل عليهم، وكان ذلك بمحضر الصحابة ولم ينكر عليه أحد، فكان كالإجماع، وإذا ثبت هذا في البغاة الذين أفسدوا بتأويل فيلحق بهم قطاع الطريق من باب أولى، لأنهم أفسدوا بلا تأويل (1).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ للخلاف فيه عن قتادة، والحنفية.
(1) انظر: المبسوط (2/ 53)، بدائع الصنائع (1/ 312)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 163).