الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هم شهداء فلا دية لهم- فاتفقوا على قول عمر في ذلك.
وهذا الذي اتفق الصحابة عليه هو مذهب أئمة العلماء" (1).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب أن هذا هو فعل أبي بكر رضي الله عنه، ووافقه عليه الصحابة رضوان اللَّه عليهم، والأثر أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي ولفظه:"عن طارق بن شهاب قال: جاء وفد بزاخة أسد وغطفان إلى أبى بكر رضي الله عنه يسألونه الصلح، فخيرهم أبو بكر رضي الله عنه بين الحرب المجلية أو السلم المخزية، فقالوا: هذا الحرب المجلية قد عرفنا، فما السلم المخزية، قال أبو بكر رضي الله عنه: تؤدون الحلَقة والكراع، وتتركون أقوامًا تتبعون أذناب الإبل، حتى يري اللَّه خليفة نبيه والمسلمين أمرا يعذرونكم به، وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم، وقتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، وتردون ما أصبتم منا، ونغتم ما أصبنا منكم، فقال عمر رضي الله عنه: قد رأيت رأيًا وسنشير عليك، أما أن يؤدوا الحلقة والكراع فنعمَّا رأيت، وأما أن يُتركوا قومًا يتبعون أذناب الإبل حتى يُرِي اللَّه خليفة نبيه والمسلمين أمرًا يعذرونهم به فنعما رأيت، وأما أن نغنم ما أصبنا منهم ويردون ما أصابوا منا فنعما رأيت، وأما أن قتلاهم في النار وقتلانا في الجنة فنعما رأيت، وأما أن يدوا قتلانا فلا، قتلانا قتلوا على أمر اللَّه، فلا ديات لهم، فتتابع الناس على ذلك"(2).
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[2/ 4] المسألة الثانية: تحريم التنجيم
.
• المراد بالمسألة: التنجيم لغة: التنجيم مصدر "نَجَمَ"، المشتق من النجم، وهو الكوكب. والتنجيم: صنعة المنجِّم، وهو الذي ينظر في النجوم، يحسب
(1) مجموع الفتاوى (35/ 158).
(2)
سبق تخريجه قريبًا.
مواقيتها، وسيرها (1).
• التنجيم اصطلاحًا: التنجيم في الاصطلاح الشرعي ضرب من السحر، وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية (2). وهو نوعان:
• النوع الأول: علم التيسير، وهذا النوع غير مراد في مسألة الباب، وينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يستدل بسيرها على المصالح الدينية، كأن يستدل بها على جهة القبلة، وهذا النوع مطلوب شرعًا.
الثاني: أن يستدل بسيرها على المصالح الدنيوية، كمعرفة الجهات الأربعة، والفصول الأربعة ونحو ذلك، فهذا محل خلاف بين السلف (3).
• النوع الثاني: علم التأثير، وهو المراد في مسألة الباب، وأقسامه ثلاثة:
القسم الأول: أن يعتقد أن هذه النجوم مؤثرة فاعلة بذاتها، بمعنى أنها هي التي تخلق الحوادث والشرور، فهذا شرك أكبر؛ وهي كفر بالإجماع (4)؛ لأن من ادعى أن مع اللَّه خالقًا، فهو مشرك شركًا أكبر، وهذا قد جعل المخلوق المسخَّر خالقًا مسخِّرًا.
وهذه الصورة مع الإجماع على تحريمها إلا أنها غير مرادة في مسألة الباب (5).
القسم الثاني: أن يعتقدها سببًا لحدوث الخير والشر، أي أنه إذا وقع شيء
(1) انظر: العين، مادة:(نجم)، (6/ 154)، لسان العرب، مادة:(نجم)، (12/ 568).
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (35/ 192).
(3)
انظر: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد لسليمان بن عبد اللَّه آل الشيخ (392).
(4)
نص على الإجماع عليه ابن قاسم في حاشيته على كتاب التوحيد (223)، والشنقيطي في "أضواء البيان"(4/ 41).
(5)
انظر: تيسير العزيز الحميد (387).
نسبه إلى النجوم، فهذا القسم وإن كان محرمًا، بل هو شرك أصغر، لكنه غير مراد في مسألة الباب.
القسم الثالث: أن يجعلها سببًا يدعي به علم الغيب، فيستدل بحركاتها وتنقلاتها وتغيراتها على أنه سيكون كذا وكذا؛ لأن النجم الفلاني صار كذا وكذا، مثل أن يقول: هذا الإنسان ستكون حياته شقاء؛ لأنه ولد في النجم الفلاني، وهذا حياته ستكون سعيدة لأنه ولد في النجم الفلاني، وصاحب هذه الطريقة هو ما يعرف في الشرع بالمنجِّم أو الكاهن أو العراف، وهذا القسم هو المراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن تيمية (728 هـ): "صناعة التنجيم، وأخذ الأجرة عليها، وبذلها، حرام بإجماع المسلمين"(1).
وقال أيضًا: "التنجيم كالاستدلال بأحوال الفلك على الحوادث الأرضية هو من السحر، ويحرم إجماعًا"(2) ونقله عنه المرداوي (3)، ابن مفلح (4)، والبهوتي (5)، والرحيباني (6)، وابن قاسم (7).
وقال ابن حجر (852 هـ): "حلون الكاهن، وهو حرام بالإجماع، لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل، وفي معناه التنجيم، والضرب بالحصى، وغير ذلك مما يتعاطاه العرافون من استطلاع الغيب"(8).
ويمكن أن يضاف إلى ذلك ما نقله أهل العلم من الإجماع على تحريم حلوان الكاهن، ومن ذلك:
(1) مجموع الفتاوى (5/ 410).
(2)
مجموع الفتاوى (5/ 536).
(3)
الإنصاف (10/ 351 - 352).
(4)
الفروع (6/ 178).
(5)
كشاف القناع (6/ 187).
(6)
مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (6/ 305).
(7)
انظر: حاشية الروض المربع (7/ 413).
(8)
فتح الباري (4/ 427).
قال ابن عبد البر (463 هـ): "أما حلوان الكاهن: فمجتمع أيضًا على تحريمه"(1) وقال البغوي (516 هـ): "اتفق أهل العلم على تحريم حلوان الكاهن"(2)، نقله عنه النووي (3).
وقال ابن العربي (543 هـ): "وأما حلوان الكاهن. . . فمحرم بإجماع الأمة"(4) وقال القاضي عياض (544 هـ): "أجمع العلماء على تحريم حلوان الكاهن"، نقله عنه النووي (5).
وقال أبو العباس القرطبي (656 هـ): "المهر والحلوان محرمان بالإجماع"(6). وقال النووي (676 هـ): "قد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكهان، وتصديقهم فيما يقولون، وتحريم ما يعطون من الحلوان، وهو حرام بإجماع المسلمين"(7).
وقال ابن دقيق العيد (702 هـ) عند كلامه على تحريم حلوان الكاهن ومهر البغي: "والإجماع قائم على تحريم هذين"(8). وقال الأبي (827 هـ)(9):
(1) التمهيد (8/ 399)، وانظر: الاستذكار (6/ 429).
(2)
شرح السنة (8/ 23).
(3)
شرح النووي (5/ 22).
(4)
عارضة الأحوذي (5/ 56).
(5)
شرح النووي (10/ 231).
(6)
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 444).
(7)
شرح النووي (5/ 22).
(8)
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (2/ 126).
(9)
هو محمد بن خلفة بن عمر الأبي، الوشتاني، المالكي، فقيه، محدث، قاض، نسبته إلى "أبة" من قراى تونس، من مصنفاته:"إكمال إكمال المعلم، لفوائد كتاب مسلم"، جمع فيه بين شرح المازري وعياض والقرطبي والنووي، مع زيادات من كلام شيخه ابن عرفة، و"شرح المدونة"، مات بتونس سنة (827 هـ). انظر: الدرر الكامنة 2/ 158، معجم المؤلفين 9/ 278، الأعلام 6/ 349.
"لا خلاف في حرمة ما يأخذه الكاهن"(1).
وقال ابن حجر (852 هـ): "حلوان الكاهن وهو حرام بالإجماع"(2). وقال الصنعاني (1182 هـ): "أجمع العلماء على تحريم حلوان الكاهن"(3).
وحلوان الكاهن هو ما يعطاه الكاهن على كهانته، فيحرم؛ لأنه أخذ للمال بالباطل، والتنجيم نوع من الكهانة، فهو إشارة إلى تحريم التنجيم، قال ابن القيم:"تحريم حلوان الكاهن تنبيه على تحريم حلوان المنجم، والزاجر، وصاحب القرعة التي هي شقيقة الأزلام، وضاربة الحصا، والعرَّاف، والرمَّال، ونحوهم ممن تطلب منهم الأخبار عن المغيبات"(4)، وإذا كان كسبه حرامًا بالإجماع، فالصنعة -أي العمل- محرم كذلك.
• مستند الإجماع: من أدلة تحريم التنجيم:
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (من اقتبس علمًا من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد)(5).
• وجه الدلالة: الحديث ظاهر في أن التنجيم نوع من السحر، ومعلوم أن السحر حرام كما سيأتي نقل الإجماع في ذلك.
2 -
عن أنس رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (أخاف على أمتي بعدي تكذيب بالقدر، وتصديق بالنجوم)(6).
(1) إكمال إكمال المعلم (4/ 250).
(2)
فتح الباري (4/ 427)، وانظر: نيل الأوطار (5/ 171)، تحفة الأحوذي (4/ 238).
(3)
سبل السلام (2/ 7).
(4)
زاد المعاد (5/ 696).
(5)
أخرجه أحمد (3/ 454)، وأبو داود (رقم: 3905)، وابن ماجه (رقم: 3726)، قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (35/ 193):"بإسناد صحيح"، وقال الشوكاني في "النيل" (7/ 215):"رجال إسناده ثقاث"، وصححه الألباني كما في السلسلة الصحيحة (2/ 240).
(6)
أخرجه أبو يعلى في مسنده (7/ 162)، والبزار (2/ 145)، والروياني في مسنده (2/ 300)، وسند ضعيف؛ لأن فيه يزيد الرقاشي، إلا أن له شواهد كثيره، ولذا صححه الألباني بشواهده كما في السلسلة الصحيحة (3/ 118).
• وجه الدلالة: في الحديث تحذير من التصديق بالنجوم، وأنه من الأمور التي يخاف النبي صلى الله عليه وسلم منها على أمته مما يدل على ذمه في الشرع.
3 -
ما أخرجه مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافًا، فسأله عن شيء، لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)(1).
4 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى كاهنًا أو عرافًا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)(2).
5 -
عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر)(3).
(1) صحيح مسلم (رقم: 2230).
(2)
أخرجه أحمد (15/ 331)، وأبو داود (رقم: 3904)، وابن ماجه، كتاب الحائض، (رقم: 639)، وصححه الألباني بشواهد كما في السلسلة الصحيحة (7/ 1156)، وله شاهد أخرجه البزاز في مسنده (9/ 52) من حديث جابر رضي الله عنه قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/ 17):"بإسناد جيد قوي"، كما له شاهد آخر أخرجه البزار في "مسنده"(9/ 53) من حديث عمران رضي الله عنه، قال المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/ 17):"رواه البزار بإسناد جيد" وقال ابن حجر في فتح الباري (10/ 217): "وله شاهد من حديث جابر وعمران بن حصين أخرجهما البزار بسندين جيدين ولفظهما: "من أتى كاهنًا" وأخرجه مسلم من حديث امرأة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ومن الرواة من سماها حفصة بلفظ: "من أتى عرافًا". وأخرجه أبو يعلى من حديث بن مسعود بسند جيد، لكن لم يصرح برفعه ومثله لا يقال بالرأي".
(3)
أخرجه أحمد (32/ 339)، وقال الحاكم في "المستدرك" (4/ 163):"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وصححه الذهبي في تعليقه على "المستدرك". بينما ضعفه الألباني كما في السلسلة الضعيفة (3/ 658)؛ لأن في سنده أبا حريز، واسمه: عبد اللَّه بن الحسين.
وقد اختلف أهل العلم في أبي حريز فقال عنه الإمام أحمد: "منكر الحديث"، وقال أبو داود:"ليس حديثه بشيء". وقال النسائي: "ضعيف" وقال ابن عدي: "عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد". بينما أخذ بحديثه آخرون فقال أبو زرعة: "ثقة"، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو حاتم:"حسن الحديث". وقد خلص ابن حجر إلى أنه حسن الحديث بالمتابعات فقال عنه: "صدوق يخطئ". انظر: الثقات لابن حبان (7/ 24)، الكامل في الضعفاء لابن عدي =