الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحسابهم على اللَّه) (1).
• وجه الدلالة: في الحديث بيان أن من أسلم فإنه لا يجوز التعرض له بشيء، وهو عام فيمن كفره أصلي أو عن ردة، وليس فيه ذكر للتعزير.
3 -
من النظر: علل الفقهاء لمسألة الباب بأن الواجب على المرتد حد القتل، والحد متى استوفي أو سقط لم تجز الزيادة عليه، وقد سقط هنا بالتوبة (2).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع في الجملة، وإن كان ثمة مسائل وقع فيها الخلاف بين أهل العلم، كمن ارتد بسبب سبه للَّه تعالى، أو بسبب سب النبي صلى الله عليه وسلم، أو سبَّ نبيًا مجمعًا على نبوته، فإن جماعة من أهل العلم يرون مع قبول توبته وجوب تعزيره، وآخرون يرون مع قبول توبته، وجوب قتله حدًا لا كفرًا.
لكن التحقيق في مثل هذه المسائل أن القول بوجوب تعزير الإمام فيها أو القتل حدًا، ليس موجبه الردة بذاتها، وإنما اللفظ أو الفعل الموجب للردة، وحينئذ فيمكن أن يتحقق الإجماع الذي حكاه ابن المنذر.
ويُنبَّه إلى أن كلام ابن المنذر منصب على الوجوب، وهذا لا يمنع أن الإمام له أن يعزر من باب الردع، إن رأى المصلحة في ذلك، كأن يتفشى في الناس التهاون في مسألة الردة ثم الإسلام، فيكون التعزير رادعا لهم عن مثل ذلك، وليس ثمة ما يمنع ذلك من نص أو إجماع، واللَّه تعالى أعلم.
[33/ 4] المسألة الثالثة والثلاثون: إباحة دم المرتد
.
• المراد بالمسألة: لو ثبتت الردة على شخص ذكر بما لا يحتمل التأويل، وكان حال ردته صحيحًا، عاقلًا، بالغًا، مختارًا، فإن دم المرتد يكون هدرًا، إذا لم يتب من ردته، وليس على من قتله دية أو قود، والمسألة خاصة بالمرتد الرجل.
(1) البخاري (رقم: 25).
(2)
انظر: الفروع (6/ 188).
ويتحصل مما سبق أن الردة لو كانت من امرأة، أو كان رجلًا لكنه لم يكن عاقلًا، بأن كان مجنونًا، أو معتوهًا، أو سكرانًا، أو نحو ذلك، أو لم يكن بالغًا، أو كان مكرهًا، أو متأولًا، أو تاب من ردته فكل ذلك ليس مرادًا في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن دقيق (702 هـ): "المراد بالجماعة: جماعة المسلمين، وإنما فراقهم بالردة عن الدين، هو سبب لإباحة دمه بالإجماع في حق الرجل"(1)، ونقله عنه ابن حجر (2).
ويضاف للمسألة ما سيأتي من نقل إجماعات أهل العلم في وجوب قتل المرتد، فإنها تدل على هدر دمه (3).
• مستند الإجماع: استدل أهل العلم لمسألة الباب بما يلي:
1 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدل دينه فاقتلوه)(4).
2 -
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين، أحدهما عن يميني، والآخر عن يساري، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يستاك، فكلاهما سأل، فقال:(يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس-)، قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما، وما شعرت أنهما يطلبان العمل، فكأني انظر إلى سواكه تحت شفته قَلَصَت، فقال:(لن أو لا نستعمل على عملنا من أراده، ولكن اذهب أنت يا أبا موسى -أو يا عبد اللَّه بن قيس- إلى اليمن)، ثم أتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: انزل، وإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًا فأسلم، ثم
(1) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (2/ 217).
(2)
انظر: فتح الباري (12/ 202).
(3)
انظر: المسألة الأربعون تحت عنوان: "وجوب قتل المرتد".
(4)
البخاري (رقم: 2854).
تهوَّد، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يُقتل؛ قضاء اللَّه ورسوله، ثلاث مرات، فأَمر به، فقُتل، ثم تذاكرا قيام الليل، فقال أحدهما: أما أنا فأقوم وأنام وأرجو في نومتي ما أرجو في قومتي (1).
• وجه الدلالة من الحديثين: في الحديثين دلالة على أن حكم الشارع في المرتد القتل.
3 -
الإجماع المنقول على قتل المرتد، حيث نقله جماعة من أهل العلم، قال ابن قدامة:"أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد، وروي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاذ، وأبي موسى، وابن عباس، وخالد، وغيرهم، ولم ينكر ذلك، فكان إجماعًا"(2).
وقال النووي: "أجمعوا على قتله -أي المرتد-"(3).
وهذا يدل على أن دمه غير معصوم، وأنه ممن قد أباح الشرع قتله، فلا دية على قاتله، ولا دية.
• المخالفون للإجماع: نقل ابن حزم عن بعض أهل العلم القول بأنه لا قتل على مرتد (4)، ولم ينسبه لأحد من أهل العلم، وأخرج البيهقي وعبد الرزاق عن إبراهيم النخعي أنه قال في المرتد:"يستتاب أبدًا"(5)، قال ابن قدامة:"وهذا يفضي إلى أن لا يقتل أبدًا"(6).
(1) البخاري (رقم: 6525)، مسلم (رقم: 1733).
(2)
المغني (9/ 16).
(3)
شرح النووي (12/ 208)، وثمة غيرها من النصوص الإجماعية على قتل المرتد، سيأتي ذكرها في مسألة مستقلة -إن شاء اللَّه تعالى-، في المسألة الأربعون تحت عنوان:"وجوب قتل المرتد".
(4)
المحلى (12/ 127).
(5)
أخرجه عبد الرازق في المصنف (10/ 166)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 197).
(6)
انظر: المغني (9/ 18).