الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل [الثالث](*) مسائل الإجماع فيما يوجب حد الردة
[49/ 4] المسألة التاسعة والأربعون: الإسلام هو الدين الذي فرضه اللَّه سبحانه وتعالى على الإنس والجن، ولا دين سواه، ومن خالف ذلك كفر
.
• المراد بالمسألة: الإسلام في نصوص الشريعة يطلق ويراد به أحد معنيين:
الأول: الإسلام العام، وهو ما بعث به جميع الأنبياء، من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، من الدعوة إلى توحيده تعالى في ربوبيته، وإلهيته (1)، فهذا دين الأنبياء جميعًا، كما قال تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (2).
الثاني: الإسلام الخاص، وهو دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ضابط تحقيق الإسلام: "والإسلام يجمع معنيين:
أحدهما: الاستسلام والانقياد، فلا يكون متكبرًا.
والثاني: الإخلاص، من قوله تعالى:{وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ} (3)، فلا يكون مشركًا" (4).
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: بالمطبوع (الخامس)، فصححناه
(1)
تكلم أهل العلم على أقسام التوحيد فمنهم من جعلها ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات. ومنهم من ذكرها على قسمين: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية. وتوحيد الأسماء والصفات عند هؤلاء داخل في توحيد الربوبية، لكنهم لم يفصلوه بقسم مستقل؛ لأن الخلاف في الأسماء والصفات لم يكن ظاهرًا حينئذ. وآخرون قسموا التوحيد إلى قسمين: أحدهما: علمي خبري ويشمل توحيد الربوبية والأسماء والصفات، والثاني: إرادي طلبي ويشمل توحيد الألوهية. وآخرون يطلقون على توحيد الربوبية بتوحيد المعرفة والإثبات. وعلى كل فسواء قيل بهذا أو ذاك فإنها مجرد تقسيمات لمعنى واحد، ولا مشاحة في الاصطلاح، والمطلوب من العبد تحقيق توحيد اللَّه تعالى بربوبيته، وإلهيته، وأسمائه وصفاته، كما أمر سبحانه.
(2)
سورة آل عمران، آية (19).
(3)
سورة الزمر، آية (29).
(4)
مجموع الفتاوى (28/ 174).
والمراد بمسألة الباب المعنى الأول، وهو أن دين الإسلام الذي جاء به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هو الذي يجب اتباعه، على جميع الثقلين الجن والإنس، وحقيقته أن يستسلم الإنسان لربه تعالى بتحقيق توحيده في ربوبيته وإلهيته، فهذا الدين هو الذي بحث به جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأنه هو الدين الصحيح فقط، وما سواه باطل، ومن خالف في ذلك فاعتقد صحة اعتناق اليهودية أو غيرها من الأديان، فإن هذا القول يعتبر قولًا كفريًا خارجًا من الملة.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا على أن دين الإسلام هو الدين الذي لا دين للَّه في الأرض سواه، وأن من خالف ذلك ممن بلغه كافر مخلد في النار أبدًا"(1). وقال ابن تيمية (728 هـ): "ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين، وباتفاق جميع المسلمين: أن من سوَّغ اتباع غير دين الإسلام أو اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر"(2).
• مستند الإجماع: المسألة على قسمين:
القسم الأول: أن الإسلام هو الدين الذي فرضه اللَّه تعالى على عباده، وأن الأنبياء والرسل كلهم جاءوا بدين الإسلام الذي هو الاستسلام له تعالى بالطاعة والخلوص من الشرك.
وهذا النوع أدلته منها الخاصة، ومنها العامة، فمن الأدلة الخاصة على أن الأنبياء والرسل بعثوا بدين الإسلام:
1 -
قال اللَّه تعالى عن نوح: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72)} (3).
(1) مراتب الإجماع (267).
(2)
الفتاوى الكبرى (3/ 534).
(3)
سورة يونس، آية (72).
2 -
قال تعالى في حق إبراهيم: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)} (1).
3 -
4 -
قال تعالى عن موسى: {وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84)} (3).
5 -
قال تعالى عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} (4).
6 -
وقال سبحانه: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)} (5)، أي أول المسلمين من أمته صلى الله عليه وسلم.
• ومن الأدلة العامة ما يلي:
1 -
2 -
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} (7).
3 -
قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ
(1) سورة البقرة، آية (130 - 131).
(2)
سورة يوسف، آية (151).
(3)
سورة يونس، آية (84).
(4)
سورة الأنعام، آية (162 - 163).
(5)
سورة الزمر، آية (11 - 12).
(6)
سورة النحل، آية (36).
(7)
سورة الأنبياء، آية (25).
رَبِّ الْعَالَمِينَ (46)} (1).
4 -
قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (2).
5 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد)(3).
• القسم الثاني: أن دين الإسلام لا يقبل غيره، وليس للَّه دين سواه.
ومن الأدلة على هذا القسم ما يلي:
1 -
قال اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} (4).
2 -
قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (5).
3 -
4 -
5 -
قال تعالى: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)} (8).
6 -
قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ
(1) سورة الزخرف، آية (46).
(2)
سورة الإسراء، آية (44).
(3)
صحيح البخاري (رقم: 3259)، وصحيح مسلم (رقم: 2365).
(4)
سورة آل عمران، آية (85).
(5)
سورة آل عمران، آية (19).
(6)
سورة البقرة، آية (130).
(7)
سورة الزمر، آية (64 - 66).
(8)
سورة الزمر، آية (54).