الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رد) (1)، وفي رواية لمسلم:(من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد)(2)، أي مردود لا يقبل (3).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم؛ لخلاف أبي عبيد، والظاهرية في المسألة.
[12/ 3] المسألة الثانية عشرة: وجوب نصرة المظلوم
.
• المراد بالمسألة: لو وجد شخص مظلوم، فإنه واجب على من علم كونه مظلومًا أن ينصره ويعينه على ظالمه، فإن كان المظلوم يحتاج لشهادة مثلًا تنصره على الظالم فعلى من عنده علم بالشهادة أن يدلي بشهادته، وإن كان يحتاج لجاهٍ أو قوة أو نحو ذلك فعلى من يملك شيئًا من هذه المقومات أن يبذلها للمظلوم لينتصر على ظالمه.
والمراد بالوجوب هنا أنه فرض كفاية فمتى حصل نصر المظلوم سقط الحكم عن الباقين.
ونصرة المظلوم في مسألة الباب شاملة لنوعين من الظلم:
الأول: ظلم الإنسان لنفسه، وذلك بإهلاكها بالذنوب والمعاصي، كما قال تعالى لما أكل آدم وحواء من الشجرة:{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} (4).
الثاني: ظلم الإنسان لغيره من الخلق، كأكل أموالهم بغير حق، أو الاعتداء عليهم أو ما إلى ذلك.
فعلى المسلم أن ينصر أخاه المظلوم في النوع الأول بأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وفي النوع الثاني برد الحق إلى صاحبه.
(1) صحيح البخاري (رقم: 2550)، وصحيح مسلم (رقم: 1718).
(2)
صحيح مسلم (رقم: 1718).
(3)
المحلى (11/ 354).
(4)
سورة الأعراف، آية (23).
ويتحصل مما سبق أن المسألة هي في نصرة المظلوم، أما نصرة الظالم بمنعه من ظلمه فمسألة أخرى.
كما يُنبّه إلى أن النصرة الواجبة مقيَّدة بما يطيقها المرء، فأما النصرة إن كانت لا يستطيعها المرء، كأن يكون عليه في النصرة ضرر، أو يكون في النصرة مفسدة أشد من مصلحة النصرة، فذلك غير مراد في مسألة الباب.
وكذا لو كانت النصرة في فتنة كأن بغت فئة على أخرى فإن نصرة الفئة التي بُغي عليها غير داخلة في مسألة الباب.
وكذا لو كان ثمة شخص آخر قد نصر المظلوم، فإن وجوب النصرة حينئذٍ غير مرادة لسقوطها بنصرة غيره.
• من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "نصر المظلوم واجب. . . فإن امتنع هذا العالم به من الإعلام بمكانه جازت عقوبته بالحبس وغيره حتى يخبر به؛ لأنه امتنع من حق واجب عليه لا تدخله النيابة، ولا تجوز عقوبته على ذلك إلا إذا عرف أنه عالم به، وهذا مطرد في ما تتولاه الولاة والقضاة وغيرهم في كل من امتنع من واجب من قول أو فعل، وليس هذا بمطالبة للرجل بحق وجب على غيره، ولا عقوبة على جناية غيره، حتى يدخل في قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (1)، فأما هذا فإنما يعاقب على ذنب نفسه وهو أن يكون قد علم مكان الظالم الذي يطلب حضوره لاستيفاء الحق، أو يعلم مكان المال الذي قد تعلق به حقوق المستحقين فيمتنع من الإعانة والنصرة الواجبة عليه في الكتاب والسنة والإجماع إما محاباة أو حمية لذلك الظالم"(2). قال الشوكاني (1250 هـ): "يجب نصر المظلوم ودفع من أراد إذلاله بوجه من الوجوه، وهذا مما لا أعلم فيه خلافًا"(3).
(1) سورة الأنعام، آية (164).
(2)
مجموع الفتاوى (28/ 324 - 325).
(3)
نيل الأوطار (5/ 394).
• مستند الإجماع: يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1).
2 -
3 -
عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه قال: "اقتتل غلامان، غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار، فنادى المهاجر أو المهاجرون: يا للمهاجرين، ونادى الأنصاري: يا للأنصار، فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال:(ما هذا؟ دعوى أهل الجاهلية! ) قالوا: لا يا رسول اللَّه، إلا أن غلامين اقتتلا فكسمع (3) أحدهما الآخر، قال:(فلا بأس، ولينصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا، إن كان ظالمًا فلينهه، فإنه له نصر، وإن كان مظلومًا فلينصره)(4).
4 -
عن البراء بن عازب رضي الله عنه (5) قال: "أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع، أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم،
(1) سورة المائدة، آية (2).
(2)
سورة الحجرات، آية (9).
(3)
أي ضربه بيده أو رجله في دبره، قال ابن فارس في "مقاييس اللغة" (5/ 177):"الكاف والسين والعين أصلٌ صحيح يدلُّ على نوع من الضَّرب، يقال: كسعه، إذا ضَربَ برِجله على مؤخَّرِه، أو بيده". انظر: الصحاح (4/ 411)، المخصص (2/ 62)، غريب الحديث لابن قتيبة (1/ 188).
(4)
صحيح مسلم، كتاب: البر والصلة، باب: نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا، (رقم: 2584).
(5)
هو أبو عمارة، البراء بن عازب بن حارث بن عدي ابن الحارث بن الخزرج الأنصاري، واختلف في كنيته، قال ابن عبد البر:"والأشهر والأكثر أبو عمارة وهو أصح"، نزل الكوفة، روى حديثًا كثيرًا، وشهد غزوات كثيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم، استصغر يوم بدر، شهد مع علي رضي الله عنه الجمل الصفين والنهروان، وافتتح البراء بن عازب الري سنة أربع وعشرين صلحا أو عنوة، مسنده ثلاثمائة وخمس أحاديث، له في الصحيحين اثنان وعشرون، وانفرد البخاري بخمسة عشر حديث، ومسلم بستة، توفي سنة (72) هـ عن بضع وثمانين سنة. انظر: الاستيعاب 1/ 155، سير أعلام النبلاء 3/ 195، الإصابة 1/ 278.
وإبرار القسم، ورد السلام، وتشميت العاطس، ونهانا عن آنية الفضة، وخاتم الذهب، والحرير، والديباج، والقسي (1)، والإستبرق" (2).
5 -
عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه (3) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما مسلم أضاف قومًا فأصبح الضيف محرومًا، فإن حق على كل مسلم نصره حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله)(4).
6 -
عن جابر بن عبد اللَّه وأبا طلحة بن سهل الأنصاري (5) قالا: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئ يخذل امرأ مسلمًا في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله اللَّه في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلمًا في موضع ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره
(1) القسي: هو نوع من الثياب، يصنع من كتان وحرير، كانت تصنع بمصر والشام، نهى عنها الشارع لما فيها من الحرير. انظر: تهذيب اللغة (8/ 212)، فتح الباري (10/ 294).
(2)
صحيح البخاري (رقم: 1182)، وصحيح مسلم (رقم: 2066).
(3)
هو مقدام بن معدي كرب بن عمرو بن يزيد بن معدي كرب الكندي، الشامي، له صحبة، قال النووي:"وهو أبو كريمة، وقيل: أبو صالح، وأبو يحيى، وأبو بشر، والأول أشهر"، نزل الشام، وسكن حمص، مات سنة (87) هـ، وهو ابن إحدى وتسعين سنة. انظر: التاريخ الكبير 7/ 429، الجرح والتعديل 8/ 1393، تاريخ دمشق 60/ 190.
(4)
أخرجه أحمد (28/ 416)، وأبو داود، كتاب: الأطعمة، باب: ما جاء في الضيافة، (رقم: 3751)، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب: الجزية، باب: ما جاء في ضيافة من نزل به (9/ 197). والحديث حسنه النووي في المجموع (9/ 63)، وصححه ابن الملقن في "البدر المنير"(9/ 409)، وقال عنه الذهبي في التلخيص على المستدرك (4/ 147):"صحيح"، وقال ابن حجر في التلخيص (4/ 293):"إسناده صحيح".
(5)
هو أبو طلحة، زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري النجاري مشهور باسمه وكنيته، شهد العقية ثم شهد بدرًا وما بعدها من المشاهد، كانا من الرماة المشهورين، حتى قيل بأنه قتل عشرين رجلا يوم حنين، توفي سنة (31) هـ انظر: سير أعلام النبلاء 2/ 127، الإصابة 2/ 607، تهذيب التهذيب 3/ 357.
اللَّه في موطن يحب نصرته) (1).
7 -
ثمة عمومات تدل على ذلك منها ما أخرجه البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا) وشبك أصابعه) (2).
والأدلة في هذا الباب كثيرة، واللَّه أعلم.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة؛ لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
(1) أخرجه أحمد (26/ 288)، وأبو داود، (رقم: 4884)، وسنن النسائي الكبرى (رقم: 8/ 167). قال الهيتمي في مجمع الزوائد (7/ 207): "إسناده حسن"، بينما ضعفه الألباني كما في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (14/ 862)؛ لأنه من رواية يحيى بن سليم، وهو مجهول، قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال (4/ 385):"ما علمت أحدًا روى عنه سوى الليث".
(2)
صحيح البخاري (رقم: 467)، وصحيح مسلم، (رقم: 2585).