الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون الإكراه مما يخاف فيه على النفس أو الأطراف، لا مجرد الإكراه، وهذه مسألة أخرى تتعلق بضابط الإكراه، وليست مرادة في الباب.
كما يخصونه بما إذا لم يخطر بباله تأويل لكلمة الكفر، فإذا خطر بباله تأويل، كان يقول كفرت بمحمد، وهو ينوي محمدًا من الناس غير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يعمل بالتأويل فإنه يحكم بكفره، وتبين منه امرأته، أما إذا عمل بالتأويل، أو كان لم يخطر بباله التأويل فتكلم بالكفر وقبله مطمئن بالإيمان فذلك لا يحكم بكفره (1).
• دليل المخالف: أن الدين أمره عظيم، ولا يعذر فيه الإنسان لمجرد الإكراه، وآية الإكراه فيها تقديم وتأخير، وتقديره: من كفر باللَّه من بعد إيمانه، وشرح بالكفر صدرًا، فعليهم غضب من اللَّه، ولهم عذاب عظيم، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، فاللَّه تعالى ما أباح إجراء كلمة الكفر على لسانهم حالة الإكراه، وإنما وضع عنهم العذاب والغضب (2).
النتيجة:
يتحصل مما سبق أن المسألة على شقين:
الأول: حكمه فيما عند اللَّه تعالى، وهذا الإجماع فيه محقق أنه على الإسلام.
الثاني: حكمه في الظاهر، فهذه حكي فيه خلاف، وهذا التقسيم موافق لما نقله ابن حزم، واللَّه تعالى أعلم.
[130/ 4] المسألة الثلاثون بعد المائة: لا تصح الردة من المجنون
.
• المراد بالمسألة: لو وجد شخص مجنون جنونًا مطلقًا، أو كان يفيق أحيانًا ويُجن أحيانًا، فارتد بقول أو فعل حال جنونه، فإنه لا عبرة بذلك، وكذا كل من لا عقل له، كالطفل الذي لا يعقل، والمغمى عليه، والنائم الذي لا يعقل ما يقول.
(1) انظر: المسبوط (24/ 130)، بدائع الصنائع (7/ 179)، العناية شرح الهداية (9/ 250).
(2)
انظر: المسبوط (24/ 130)، البحر الرائق (8/ 83).
ويتبيَّن مما سبق أن المجنون لو كان ممن يفيق أحيانًا، وارتد حال إفاقته فذلك غير مراد في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا أن المجنون إذا ارتد في حال جنونه أنه مسلم على ما كان قبل ذلك"(1). وقال ابن قدامة (620 هـ): "الردة لا تصح إلا من عاقل، فأما من لا عقل له، كالطفل الذي لا عقل له، والمجنون، ومن زال عقله بإغماء، أو نوم، أو مرض، أو شرب دواء يباح شربه، فلا تصح ردته، ولا حكم لكلامه، بغير خلاف"(2).
وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "الردة لا تصح إلا من عاقل، فأما الطفل الذي لا يعقل، والمجنون، ومن زال عقله بنوم، أو إغماء، أو شرب دواء مباح شربه، فلا تصح ردته ولا حكم لكلامه، بغير خلاف"(3). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "فأما المجنون والطفل الذي لا يميز فأقواله كلها لغو في الشرع، لا يصح منه إيمان، ولا كفر، ولا عقد من العقود، ولا شيء من الأقوال، باتفاق المسلمين"(4).
وقال ابن الهمام (861 هـ): "المجنون لا يصح ارتداده بالإجماع"(5).
• مستند الإجماع: يستند الإجماع إلى ما يلي:
1 -
عن علي رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المجنون حتى يعقل)(6).
(1) الإجماع (122).
(2)
المغني (9/ 17).
(3)
الشرح الكبير (10/ 79).
(4)
مجموع الفتاوى (14/ 115)، وانظر: منهاج السنة (6/ 50).
(5)
فتح القدير (6/ 98)، وانظر: الموسوعة الكويتية (22/ 181) حيث نقل فيه اتفاق الفقهاء على ذلك.
(6)
أخرجه أحمد (2/ 245)، والترمذي (رقم: 1423)، وأبو داود (رقم: 4403)، من حديث علي رضي الله عنه. وأخرجه أحمد (41/ 224)، وأبو داود (رقم: 4398)، والنسائي (رقم: 3432)، وابن ماجه (رقم: 2041) من حديث عائشة رضي الله عنها.