الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن حزم أن ابن عمر استفتي في إنسان متهم بسرقة فجُلد حتى اعترف بها، فقال رضي الله عنه:"لا تُقطع يده حتى يبرزها"(1).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة ليست محل إجماع محقق بين أهل العلم، وإن كنت لم أجد عن المالكية شيئًا في أن المقر لا يقبل إقراره إلا بإحضار المال المسروق، فإن ثبت كلام ابن حزم في خلاف المالكية، فإن المسألة حينئذ ليست بإجماع، وإن لم يثبت كلام ابن حزم فالمسألة حينئذ محل إجماع؛ لأن من نقل الخلاف في المسألة إنما يذكرها فيما لو أكره الشخص على الإقرار، فقال طائفة لا يقبل الإقرار إلا بما يدل على سرقته كأن يحضر المال المسروق (2).
وأما جعل إحضار المال المسروق شرطًا عامًا في كل اعتراف فلم أجده لأحد من أهل العلم، واللَّه تعالى أعلم.
[51/ 1] المسألة الحادية والخمسون: السرقة تثبت بالإقرار
.
• المراد بالمسألة: لو أقر شخص حر على نفسه بالسرقة، دون تهديد من غيره، وكان ممن يصح إقراره، فإن الحد يثبت عليه.
ويتخرج من ذلك أن الشخص لو كان عبدًا، أو كان أقر على نفسه بموجب التهديد والعذاب، أو كان ممن لا يصح إقراره، كالصغير، والمجنون،
(1) المحلى (12/ 329)، ولفظه: عن ابن شهاب: "أن طارقًا كان جعله ثعلبة الشامي على المدينة يستخلفه، فأتي بإنسان متهم بسرقة، فجلده، فلم يزل يجلده حتى اعترف بالسرقة، فأرسل إلى ابن عمر فاستفتاه؟ فقال ابن عمر: لا تقطع يده حتى يبرزها".
وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى (8/ 265)، ولفظه أن ابن عمر قال:"لا تقطع يده حتى يخرج السرقة"، لكنه جعل معنى الحديث أنه لا قطع حتى يخرج المال من الحرز، فإن أقر بالسرقة لكنه لم يخرج المال من حرز، فإنه لا قطع، بخلاف ابن حزم فحمل الحديث على أن مراد ابن عمر أنه لا قطع على السارق حتى يبرز المال المسروق ليقبل إقراره.
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (35/ 404).
ونحوهما، فكل ذلك غير داخل في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن حزم (456 هـ): "اتفقوا أن من أقر على نفسه بسرقة، في مجلسين مختلفين، وثبت على إقراره، أو أحضر ما سرق، أن القطع يجب عليه"(1). وقال ابن رشد الحفيد (595 هـ): "اتفقوا على أن السرقة تثبت بشاهدين عدلين، وعلى أنها تثبت بإقرار الحر"(2).
• مستند الإجماع: يدل على المسألة ما في صحيح مسلم عن بريدة رضي الله عنه قال: جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال:(ويحك ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه، طهرني؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(ويحك، ارجع فاستغفر اللَّه وتب إليه)، قال: فرجع غير بعيد، ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه طهرني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، حتى إذا كانت الرابعة قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(فيم أطهرك)؟ فقال: من الزنى، فسأل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(أبه جنون)؟ فأخبر أنه ليس بمجنون، فقال:(أشَرِب خمرًا)؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر، قال فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:(أزنيت)؟ فقال: نعم، فأمر به فرُجِم.
ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت: يا رسول اللَّه طهرني؟ فقال: (ويحك، ارجعي فاستغفري اللَّه وتوبي إليه) فقالت: أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك، قال:(وما ذاك؟ )، قالت: إنها حبلى من الزنى، فقال:(آنت؟ ) قالت: نعم، فقال لها:(حتى تضعي ما في بطنك) قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت، قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت الغامدية، فقال:(إذا لا نرجمها وندع لها ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه)، فقام رجل
(1) مراتب الإجماع (221 - 222)، بتصرف يسير.
(2)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 254)، وانظر: تكملة المجموع (20/ 103) حيث نقله بنفس أحرف ابن رشد، الإتقان والإحكام في شرح تحفة الأحكام لابن ميارة المالكي (2/ 267).