الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• مستند الإجماع: يدل على المسألة قول اللَّه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} (1).
• وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أوجب على المحاربين حد الحرابة، ولم يسقطه إلا عن الذين تابوا قبل القدرة عليهم، أما من قدر عليه قبل التوبة فبقي على الأصل من وجوب إقامة الحد، سواء انتهت الحرابة أم كانت لا تزال قائمة.
النتيجة:
لم أجد من خالف في المسألة، لذا يظهر لي -واللَّه أعلم- أن المسألة محل إجماع بين أهل العلم.
[34/ 2] المسألة الرابعة والثلاثون: قاطع الطريق إذا قتل لأجل المال فإنه يتحتم قتله
.
• المراد بالمسألة: لو كان قاطع الطريق قتل في محاربته مسلمًا أو معاهدًا لأجل أخذ ما معه، وكان قاطع الطريق ممن تطبق عليه حكم الحرابة، والمقتول مكافئًا له، وليس بينه وبين القتيل عداوة، فإنه يقتل حدًا، وليس للإمام أو أولياء المقتول العفو.
ويتبين مما سبق أن قاطع الطريق لو كان ممن لا ينطبق عليه حكم الحرابة كالحربي، أو الباغي، أو كان قتل في حرابته غير مسلم أو معاهد، أو قتل من ليس مكافئًا له كأن يكون المحارب حرًا ويقتل عبدًا، أو لم يقتله لأجل ماله، بل لعداوة بينهما، أو كان قتله في حرابته غيلة، فكل ذلك ليس داخلًا في مسألة الباب.
• من نقل الإجماع: قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ): "اتفق الفقهاء على أن قاطع الطريق لأخذ المال يقتل حتمًا، وقتله حد للَّه، وليس قتله مفوضًا
(1) سورة المائدة، آية (33 - 34).
إلى أولياء المقتول" (1).
• مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بأمرين:
1 -
أن المحارب لم يقتل المصول عليه لغرض خاص معه، وإنما قتله لأجل المال، فلا فرق عنده بين هذا المقتول وبين غيره، فلذا كان قتله مصلحة عامة، توجب على الإمام إقامته (2).
2 -
أن قتل المحارب الذي قتل من باب الحدود التي لا تسقط بالعفو.
• المخالفون للإجماع: سبق في مسألة المحارب الذي قتل في حرابته أن حده القتل حدًا، ولا يصح العفو عنه، وأن ثمة من خالف في ذلك، حيث نقل ابن قدامة عن طائفة من السلف أن الإمام مخير في حد الحرابة فلا يتحتم القتل على الإمام وبه قال سعيد بن المسيب، وعطاء، ومجاهد، والحسن، والضحاك، والنخعي، وأبي الزناد، وأبي ثور، وداود (3).
وسبق أيضا مذهب الظاهرية أن لأولياء الدم العفو في حد الحرابة، ونسب ابن حزم هذا القول لأبي حنفية والشافعي (4).
ولم يأت عن أحد من هؤلاء التفصيل بين ما إذا كان القتل لأجل المال أو لا، فقياس قولهم العموم في مسألة الباب.
• دليل المخالف: أما من ذهب إلى إن الإمام مخير لا يتحتم عليه القتل فاستدلوا بما يلي:
(1) انظر: الفتاوى الكبرى (3/ 523)، وقال في مجموع الفتاوى (28/ 100):"الذي يقتل شخصا لأجل المال يقتل حتمًا باتفاق العلماء".
(2)
الفتاوى الكبرى (3/ 523).
(3)
انظر: المسألة العشرون تحت عنوان: "قاطع الطريق إذا قتل فإنه يقتل حدا وقتله متحتم لا يدخله عفو".
(4)
المحلى (11/ 180 - 184).
1 -
• وجه الدلالة: أن آية الحرابة جاءت بلفظ "أو" والأصل أن "أو" تأتي للتخيير، لا للترتيب، وقد ورد عن عباس رضي الله عنه أنه قال:"كل شيء في القرآن " أو، أو" فهو مخير"(2).
2 -
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. . .} الآية (3).
قال: من شَهَر السلاح في قُبّة الإسلام، وأخاف السبيل، ثم ظُفِر به وقدر عليه، فإمام المسلمين فيه بالخيار: إن شاء قتله، وإن شاء صلبه، وإن شاء قطع يده ورجلَه (4).
3 -
استدل ابن حزم لمن قال بجواز عفو أولياء دم من قتل حرابة بعموم ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال لما فتح اللَّه عز وجل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكة قام في الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: (إن اللَّه حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسولها والمؤمنين، وإنها لن تحل لأحد كان
(1) سورة المائدة، آية (33).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(3/ 498)، وعبد الرزاق في "المصنف"(4/ 395)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 95)، وابن حزم في "المحلى"(5/ 243).
وهذا الأثر مروي عن جملة من أهل العلم منهم عطاء، ومجاهد، والضحاك، وعمرو بن دينار، والإمام أحمد، وغيرهم، قال ابن حجر في "تغليق التعليق" (5/ 206):"قد روي عن مجاهد من قوله بأسانيد صحيحة". وانظر: حديث ابن شاهين (11)، مسند الشافعي (133)، شرح صحيح البخاري لابن بطال (8/ 419).
(3)
سورة المائدة، آية (33).
(4)
ذكره ابن جرير في تفسيره (10/ 263).