الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الاكتفاء بالاثنين فحكي عن الحسن البصري أنه لا تقبل شهادة أقل من أربعة قياسًا على الزنا (1).
النتيجة:
يظهر لي -واللَّه أعلم- أن اشتراط الرجال للشهادة بحد السرقة ليس محل إجماع متحقق، ولذا لما ذكر ابن رشد الحفيد المسألة نسب القول باشتراط الرجال للجمهور فقال:"واختلفوا في قبولهما في الحدود، فالذي عليه الجمهور أنه لا تقبل شهادة النساء في الحدود لا مع رجل ولا مفردات"(2)، وكذا صنع ابن حجر (3)، وهو في ذلك متبع لابن بطال حيث قال في شرحه:"أجمع أكثر العلماء على أن شهادتهن لا تجوز في الحدود والقصاص"(4)، فلم يجزم بالإجماع وإنما جعله للأكثر.
أما عدد الشهود فعامة أهل العلم على أنه يكفي اثنين، وعند الحسن لا بد من أربعة، وثمة أجماع على أنه لا يكفي الواحد، واللَّه تعالى أعلم.
[49/ 1] المسألة التاسعة والأربعون: يثبت حد السرقة بالشهادة إذا لم يختلف الشاهدان أو يتراجعا عن شهادتهما
.
• المراد بالمسألة: لو ثبتت السرقة على شخص بما يوجب الحد، وكان ثبوتها بشاهدة شاهدين، فيشترط حينئذ شرطان:
أحدهما: أن لا تختلف شهادتهما في تعيين السارق، أو في المكان، أو الزمان، أو جنس المسروق.
فإن اختلفت، بأن شهد الأول بأن السارق فلان، وشهد الثاني بأنه فلان آخر، أو شهد الأول بأن السرقة كانت صباحًا، وشهد الآخر أنها كانت مساءً، أو شهد الأول أنها من منزل فلان، وشهد الثاني أنها من منزل فلان آخر، أو
(1) انظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 464).
(2)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 465).
(3)
انظر: فتح الباري (5/ 266).
(4)
شرح صحيح البخاري لابن بطال (8/ 21).
شهد الأول أن المسروق بقرة، وشهد الآخر أنه حمارًا، فلا قطع.
الثاني: ألا يتراجع أحد عن أداء الشهادة، فإن تراجع أحد الشاهدين عن الشهادة فمسألة أخرى.
فإذا توفر الشرطان، وتوفرت شروط السرقة الباقية قطع بالإجماع، وإن تراجعا أو اختلفت شهادتهما لم يقطع.
ويتبين مما سبق أن الاختلاف في لون المسروق ليس من مسألة الباب؛ فإن الخلاف فيها مشهور بين أهل العلم، واللَّه تعالى أعلم.
• من نقل الإجماع: يظهر مما سبق أن مسألة الباب على شقين:
أحدها: وجوب قطع من شهد عليه شاهدان، لم يتراجعا عن شهادتهما.
الثاني: اشتراط الاتفاق في الوصف، فإن اختلفت شهادتهما في المكان أو الزمان أو جنس المسروق.
وهذه نصوص أهل العلم في نقل الإجماع: حكى ابن حزم (456 هـ) الاتفاق أن من سرق ما يوجب القطع، وشهد عليه شاهدان ولم يتراجعا أو يختلفا في الشهادة فإنه يُقطع (1).
ونقل ابن قدامة (620 هـ) الإجماع على أنه لو اختلف الشاهدان في جنس المسروق أو مكانه أو زمانه فإنه لا قطع، فقال:"إذا اختلف الشاهدان في الوقت، أو المكان، أو المسروق، فشهد أحدهما أنه سرق يوم الخميس، والآخر أنه سرق يوم الجمعة، أو شهد أحدهما أنه سرق من هذا البيت، وشهد الآخر أنه سرق من هذا البيت، أو قال أحدهما: سرق ثورا، وقال الآخر: سرق بقرة، أو قال: سرق ثورًا، وقال الآخر: سرق حمارًا، لم يقطع في قولهم جميعًا"(2).
وقال شمس الدين ابن قدامة (682 هـ): "وإذا اختلف الشاهدان في الوقت
(1) انظر: مراتب الإجماع (220 - 221).
(2)
المغني (9/ 118).
أو الزمان أو المسروق فشهد أحدهما أنه سرق يوم الخميس والآخر أنه سرق يوم الجمعة، أو شهد أحدهما أنه سرق من هذا البيت والآخر أنه سرق من هذا البيت الآخر، أو قال أحدهما: سرق ثورًا، وقال الآخر: سرق بقرة، أو قال الآخر: سرق حمارًا، لم يقطع في قولهم جميعًا" (1).
وقال ابن المرتضى (840 هـ): "مما يُسقط الحد اختلاف الشهود في المكان مع التباين الكبير كالبصرة وبغداد، فلا حد عليه إجماعًا"(2).
• مستند الإجماع: أما وجوب الحد على من شهد عليه شاهدان ولم يتراجعا فعلَّته ظاهرة من حيث أن الأصل إقامة الحد بالشهود، واتفاقهما على الشهادة مع عدم التراجع من أحدهما يدل على ضبطها.
وأما سقوط الحد إن اختلفت شهادتهما أو تراجع أحدهما فسببه أن تراجع أحدهما، أو اختلاف شهادتهما، إشعار على عدم ضبط الشهادة، ويكون في إقامة الحد شبهة حينئذ، والحدود تدرأ بالشبهات.
• المخالفون للإجماع: خالف ابن حزم في بعض الصور المندرجة في مسألة الباب، فيرى مثلًا أن اختلاف الشهود في تعيين السارق يسقط القطع، أما اختلافهما في المكان، أو الزمان، أو جنس المسروق، فلا يسقط الحد، وفي ذلك يقول: "الذي نقول به: أن كل ما تمت به الشهادة، ووجب القضاء بها، فإن كل ما زاده الشهود على ذلك فلا حكم له، ولا يضر الشهادة اختلافهم، كما لا يضرها سكوتهم عنه، وأن كل ما لا تتم الشهادة إلا به فهذا هو الذي يفسدها اختلافهم، فالشهادة إذا تمت من أربعة عدول بالزنى على إنسان، بامرأة يعرفونها أجنبية، لا يشكون في ذلك، ثم اختلفوا في المكان، أو في الزمان، أو في المزني بها، فقال بعضهم: أمس بامرأة سوداء، وقال بعضهم: بامرأة
(1) الشرح الكبير (10/ 286).
(2)
البحر الزخار (6/ 151).