الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[2/ 1] المسألة الثانية: السارق إذا سرق مرات وقدم إلى الحاكم في آخر السرقات، أن قطع يجزئ من ذلك كله
.
• المراد بالمسألة: لو سرق شخص عينًا من آخر، ثم سرق عينًا أخرى من نفس الشخص أو من شخص آخر، ثم سرق ثالثةً ورابعةً، وكل سرقة تجتمع فيه شروط القطع، وبعد عدة سرقات، تثبت عليه الجناية عند الحاكم، ويقر بسرقة ما سبق من المرات، أو يُشهد عليه بذلك، فهل يقام عليه حد سرقة واحدة، أم يقام عليه حد كل سرقة على حدة؟
ويتبين مما سبق أنه لو سرق ثم أقيم عليه الحد، ثم سرق أخرى فتلك مسألة أخرى غير مرادة في الباب.
• من نقل الإجماع: قال ابن المنذر (318 هـ): "أجمعوا أن السارق إذا سرق مرات إذا قدم إلى الحاكم في آخر السرقات أن قطع يده يجزئ عن ذلك كله"(1).
وقال ابن عبد البر (463 هـ): "قال مالك: الأمر عندنا في الذي يسرق مرارًا ثم يستعدى عليه: أنه ليس عليه إلا أن تقطع يده لجميع من سرق منه، إذا لم يكن أقيم عليه الحد، فإن كان قد أقيم عليه الحد قبل ذلك ثم سرق ما يجب فيه القطع قُطع أيضًا.
قال أبو عمر: لا أعلم في هذه المسألة خلافًا بين أهل الفقه الذين تدور على مذاهبهم الفتوى بالأمصار ولا على من قبلهم" (2).
• مستند الإجماع: علل الفقهاء لمسألة الباب بتعليلات من النظر:
1 -
أن القطع في السرقة حد للَّه عز وجل وحدود اللَّه تعالى إذا اجتمعت تداخلت؛ لأن مبنى الحدود على التداخل، إذ المقصود منها الزجر، كالزنى، فإن الزاني لو زنى مرارًا لم يكن عليه إلا حد واحد، فكذا السرقة،
(1) الإجماع (110).
(2)
الاستذكار (7/ 549).
وقياسًا على الأيمان كذلك إذا اجتمعت أيمان على أمر معيَّن، فإنه تلزم فيه كفارة واحدة.
2 -
أن حد السرقة لا يثبت ويجب إقامته بمجرد السرقة، بل لا بد من إضافة شرط آخر وهو ثبوت ذلك عند الحاكم، أما إذا لم يثبت عند الحاكم فلا يلزمه قطع، وحينئذ جميع السرقات إذا لم تثبت عند الحاكم إلا مرة واحدة كانت كسرقة واحدة، فوجب فيها حد واحد (1).
• المخالفون للإجماع: ذكر ابن حزم عن أصحابه قولًا حاصله أن الحدود لا تتداخل، وعليه لكل سرقة اجتمعت فيه شروط القطع إقامة حد مستقل (2).
وهذا القول هو رواية عن الإمام أحمد حكاها عنه القاضي (3)، إلا أنه شرط أن يأتوا إلى الحاكم متفرقين (4).
• دليل المخالف: يدل على مسألة الباب ما يلي:
1 -
أن اللَّه تعالى أوجب على السارق القطع، فظاهره القطع بكل سرقة، ولا فرق بين أن يسرق مرة أخرى قبل إقامة الحد على السرقة الأولى أو بعد الحد، فالآية عامة ولا دليل على التفريق.
2 -
قياسًا على حد القذف فإنه لا يتداخل، فكذا السرقة.
3 -
في القول بالتداخل فتح باب لأن يتجرأ السارق لفعل السرقة مرات قبل
(1) انظر: الاستذكار (7/ 550).
(2)
انظر: المحلى (12/ 26 - 28).
(3)
هو محمد بن الحسين بن محمد بن خلف البغدادي، أبو يعلى الفراء، الحنبلي، القاضي، الفقيه، الأصولي، المحدث، المفسر، المفتي، عالم عصره، كان متصفًا بالزهد والورع والعفة والقناعة، وإليه انتهت رئاسة الحنابلة في وقته، وله تصانيف عدة منها:"العدة في أصول الفقه"، و"الأحكام السلطانية"، وغيرها، ولد ببغداد سنة (380) هـ، توفي سنة (458) هـ. انظر: طبقات الحنابلة 2/ 193، البداية والنهاية 16/ 10، سير أعلام النبلاء 18/ 69.
(4)
انظر: المغني (9/ 107).